لو حصرنا المشاكل البيئية والكوارث الطبيعية التي حصلت في القرن الماضي سنغرق بالأرقام المذهلة ولن ننتهي بعدد معين، ولكن سوف نسلط الضوء على كوارث العام 2010 بالتحديد، ونُذَّكِر بها بِهدَف وضع استراتيجيات تحد منها حتى لا نتضرر أكثر، ونعلن استعدادنا لما هو أسوأ في الأعوام المقبلة كما يحدق في الأفق.

لا نريد أن نضع الرعب والخوف في بدايات العقد الثاني من الألفية الثالثة، ونقول باقتراب الساعة قريباً، كما تنص عليه الآية الكريمة «اقتربت الساعة وانشق القمر»، أو كما قيل إنه تسرب خطأ عن احد علماء وكالة «ناسا» الفضائية، التي تعتبر أشهر وأهم وكالة لأبحاث الفضاء، وأصبح ذعراً على مستوى العالم من هذه الإشاعات غير الحقيقية، بأن نهاية العالم ستكون في العام 2012 بسبب ظاهرة فلكية تختص بتحرك مدار الأرض أو اقتراب نجم لمدارها الذي يعتبر من أعقد العلوم، وهذه الدراسات في غاية التعقيد والصعوبة، والأمور الفلكية تجري بتقدير وميزان من الله العلي القدير، جلت قدرته ولا نتقبل أي رأي في هذا الخصوص.

نستطيع بالمقابل، القول إن هناك وقائع حدثت فعلا وخسائر فاقت آلاف المليارات من الدولارات، ناهيك عن خسائر من البشرية لا تعد ولا تحصى، ولا نتكلم عن الخسائر المترتبة عن إعادة تكاليف الإصلاح لهذه البيئات التي تفوق هذه الخسائر بكثير.

بدأت الكوارث الطبيعية تنهال من أول الشهر للعام 2010 بزلزال هاييتي الذي بلغت قوته 7 درجات على مقياس ريختر وحصد أكثر من 230 ألف قتيل، وقدر الصليب الأحمر الدولي أعداد المتأثرين بالزلزال بثلاثة ملايين شخص بين قتيل وجريح ومفقود، وخلف وراءه دماراً هائلاً شاهدناه على شاشات التلفزة وقرأنا عنه تقارير عديدة في الإنترنت والصحف.

ولا ننسى الفيضانات المتعددة، التي بدأت من أوروبا إلى باكستان التي غزت هذه الأخيرة بأمطار غزيرة راح ضحيتها ما يقارب 1100 شخص، ولم يشأ العام 2010 يلفظ آخر أيامه إلا بفيضانات أخرى في استراليا اجتاحت مساحة تفوق مساحة بلدتي فرنسا وألمانيا، حيث غمرت 22 بلدة وأدت إلى تقطع السبل بنحو 200 ألف شخص وتسببت بخسائر اقتصادية كبيرة، ومن ثم فيضانات السعودية التي ضربت محافظات جدة ومكة والمدينة المنورة التي أودت بحياة ما يقارب 113 ضحية.

كذلك في منتصف العام حدثت كثير من الحرائق لغابات في روسيا، التي لم نسمع عنها إلا بعد الثورة الصناعية، وهي تعتبر كارثة طبيعية من ارتفاع درجة حرارة الأرض الناتجة من الثورة التكنولوجية، مما تسبب إلى كارثة جوية اجتاحت كثير من مدن روسيا حتى وصلت إلى العاصمة موسكو، وانتشار الجفاف في مناطق عديدة من العالم (كندا وإفريقيا)، ولاسيما المناطق العربية ما أدى لتراجع الإنتاج الزراعي بشكل ملفت، والتي تعرف بظاهرة «الاحتباس الحراري»، كما سجل ذوبان جليد المحيط المتجمد الشمالي مستويات قياسية في شهر يونيو/ حزيران الماضي، وكوارث نفطية (خليج المكسيك) وما نتج عنه من أضرار بيئية ضخمة في وسط المحيطات، وخسائر كبيرة على البيئة يصعب ضبطها أو حسابها، وكذلك التي حصلت في محافظة أسوان بمصر في نهر النيل من ناقلة تابعة لإحدى شركات البترول، حيث تدفق إلى النهر نحو 250 طناً من السولار ونجم عن هذا التسرب انتهاك بيئي خطير يتمثل في تلوث مياه نهر النيل بمركبات هيدروكربونية، والكارثة البيئية الأخيرة شهدتها الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر/ كانون الاول وهو سقوط كميات من الأمطار والثلوج مصحوبة بعواصف شديدة ضربت معظم بلاد الشام وغيرها.

ما أريد توضيحه هو لماذا حصلت هذه الخسائر الهائلة؟، ومن أين جاءت؟ وهل باستطاعتنا الحد من هذه الكوارث؟، وكيف نواجه هذه المشاكل البيئية؟

كثير من خبراء البيئة سلطوا الضوء على هذه الهواجس لوضع الحلول والأفكار التي تضع حلاً لها، لكن باعتقادي من الصعوبة وجود رؤى واضحة ومنقذة لوضعنا، بسبب أن المشاكل البيئية تتعدى الحدود من جهة، فعلى سبيل المثال لو أردت في بلدك وضع ضوابط واشتراطات بيئية وفقاً للتنمية المستدامة أو الاقتصاد الأخضر، لن يثني اجتياح التغيرات المناخية والكوارث المصاحبة المتسببة من البلدان الأخرى ذات الصناعات العملاقة (أميركا والصين وأوروبا والهند وروسيا)، ومن جهة أخرى قد فلت زمام التحكم في التغيرات المناخية بسبب تداخل عوامل - زيادة ونقصان في التركيز-، لعناصر ومواد وغازات مختلفة عديدة أثرت في هذا التغير.

فالمسألة ليست بالسهولة لوضع الحلول ما دامت هناك تداخلات ومعوقات بين الدول وسياساتها الاقتصادية، وللتأكيد على ما نقول معاهدات بين الدول لم يتم الاتفاق عليها -اتفاقية كيوتو- التي لم يتحقق فيها شيء يذكر فيما يخص التغير المناخي، فالإرادة السياسية والاقتصادية للبلدان تحول دون ذلك.

خلاصة هذا الموضوع المهم، لنعرج على بيئتنا وربطها بما يعنينا بشكل مباشر، والذي وددنا أن ننبه المسئولين إليه، في بلدنا الذي نخشى عليه وعلى المقيمين فيه بلا استثناء، لو حصلت أي فيضانات لا سمح الله، نتيجة لارتفاع منسوب البحر، الذي ليس ببعيد عن منازلنا ومجمعاتنا وأسواقنا، ويلوح نجمه في الأفق بين فينة وأخرى، أو لو حبانا الله بأمطار غزيرة. فهل نحن على أتم الاستعداد للظواهر الطبيعية القادمة؟

وهل البنية التحتية مهيأة لمواجهة تلك الفيضانات والأمطار؟

إن لم تكن، لنبدأ من الآن ونتحرك لتغييرها أو إصلاحها وخاصة الطرقات المكسرة والشبكات الأرضية للمياه وتصريف مياه المجاري، فلا ننتظر حتى يقع الفأس في الرأس، ومن ثم نعلن بتحركاتنا ونتفنن في التبريرات، فوضع الاستراتيجية مهم لمثل تلك القضايا، ويجب علينا أن نبرز استعداداتنا، ونهيئ أنفسنا ونحدد وضعنا الصحيح لمجابهة هذه الكوارث.

لذا ننصح الإخوة المسئولين ذات الشأن - تطرقنا لنصائح مثيلة سابقا إلا أننا نشد عليه من حرصنا واهتمامنا - في الدفاع المدني والبلديات والأشغال ورجال المرور، أن يستعدوا لمثل هذه الطوارئ من الآن حتى لا نصطدم بالواقع ويحصل ما لا يحمد عقباه، ولا نود أن نقع في أخطار جسيمة من اللا مبالاة -غرق البيوت الآيلة للسقوط والشوارع والقرى المتهالكة-، ويجب التأهب للكوارث التي بدأت تغزونا وكانت بدايتها الشقيقة السعودية، وإننا إذ نحذر من ذلك، فهو بهدف خوفنا وإخلاصنا وحبنا لهذا البلد الذي نعتز بوطنيته وأهله المخلصين، ونتمنى للجميع عام جديد خالي من الأضرار والكوارث الطبيعية.