كما قرأ، وسمع، وشاهد الجميع، «وافق البرلمان اليمني على مناقشة تعديلات دستورية مثيرة للجدل قد تمهد لإعادة انتخاب الرئيس علي عبدالله صالح مدى الحياة وذلك رغم رفض المعارضة». ومن أهم التعديلات التي تشير نحو هذا المصير هو «تعديل المادة التي تتعلق بخفض مدة ولاية الرئيس من سبع إلى خمس سنوات، مع عدم تحديد عدد الولايات باثنتين، وعرض اعتماد نظام من غرفتين في البرلمان (مجلس شورى ومجلس نواب)».
أثارت موافقة غالبية النواب (170 مقابل 65 صوتاً) سخطاً وجدلاً واسعين في الأوساط السياسية اليمنية خاصة المعارضة، التي اعتبرت إلغاء النص المتعلق بنظام الفترتين بالنسبة لرئاسة الجمهورية، بمثابة إفساح المجال أمام أي رئيس يمني كي يستحوذ على السلطة لفترة زمنية مطلقة تصل إلى مدى الحياة.
وحذرت كما جاء في بيانها بأن «هذا الإجراء يقضي على كل أمل في التداول السلمي للسلطة ويفتح المجال أمام توريثها». ووفقاً للدستور اليمني، سيجري التصويت على تلك المادة خلال شهرين، يستتبعها استفتاء شعبي.
من حق المعارضة اليمنية أن تحتج على هذه الخطوة، بل ومن واجبها أن تحذر من مغبة عودة النظام الجمهوري في اليمن، على وجه التحديد، خطوات إلى الوراء كي يصبح نظاماً جمهورياً شكلاً، لكنه في الجوهر يلتحف بعباءة الإمامة، التي أهم ما يميزها استحواذ أسرة حميد الدين على السلطة في اليمن وبشكل مطلق، وهو أمر ناضلت ضده قوى التقدم في الشمال عندما أطاحت ثورة سبتمبر/ أيلول اليمنية في الشمال بأسرة حميد الدين، وعززها انتصار الثورة في الجنوب بقيادة الجبهة القومية.
لكن من يتطلع حوله ويتفحص الأنظمة العربية يكتشف أننا «كلنا في السلطة يمن»، وإن اختلفت الصيغ، وتعددت الأساليب. «كلنا يمن» ليس على مستوى السلطات الحاكمة في الأنظمة فحسب، وإنما حتى على مستوى المعارضة. فالقيادات العربية، حكومات ومعارضات، «محافظين» وتقدميين»، شيوعيين» و «قوميين»، «قبليين» أو «طائفيين»... إلخ تتشبث بتلك السلطة، وتوافق القواعد، جماهير كانت أم حلقات أنصار، مرغمة أو مضللة، على أن يبقى من يمسكون بتلابيب «السلطة» أو «القرار»، في مواقعهم، لا يزيحهم منها سوى اثنين: عجز فيزيائي، أو قرار من «ملك المكوت».
وفي وسع القارئ الكريم أن يعود ويلقي نظرة على التاريخ العربي المعاصر على امتداد الستين سنة الماضية، كي يكتشف أن تلك القيادات، سلطات ومعارضات لاتزال متمسكة بمواقعها ومصرّة على ألا يزحزحها أحد عنها. تارة باللجوء إلى القوة، وأحياناً أخرى بالتلاعب على مواد الدساتير، وفي حالات ليست نادرة، بالغش والخداع، دون استثناء العواطف والسلوك القبلي غير «المتحضر» بالمعنى الاجتماعي للكلمة.
ومن الطبيعي أن يتساءل المواطن العربي، لماذا نحن العرب فقط؟ لماذا نصرّ حكومات ومعارضات على تكريس الفردية، وتقديس ديمومتها، بقرار أو بخضوع منا؟ لماذا لا تترد المعارضة العربية، وهي لم تتردد في خوض غمار صراعها ضد القوى الأجنبية كي تطردها من البلاد، وتنتزع الاستقلال بكل الوسائل، ثم تقف مستجدية حقوقها «الديمقراطية» وحرياتها الاجتماعية ممن يقفون ضدها ويصرون على تجريدها (أي المعارضة) من أبسط أشكالها؟ وهي، بوعي أو بدون وعي، تكرس بذلك الخضوع، وكقوة سياسية قبولها بسرمدية بقاء من هم في السلطة دون أي تغيير من جانب، وتعمل، أيضاً، على استمرار قيادتها هي دون ضخ دماء جديدة فيها من جانب آخر.
أعتقد أن مصدر هذا الخنوع إزاء سلبنا حقوقنا الديمقراطية والاجتماعية هو ثقافي/ حضاري. فلاتزال ثقافتنا السياسية/ الحضارية تستمد جذورها الفكرية من أصول قبلية التي لا تتردد في التصدي للأجنبي ولا توفر وسيلة من أجل الذود عن الديار وحماية الجوار، لكنها لا تستطيع أن ترفع صوتها في وجه «شيخ القبيلة» أو أعيانها، الذين بدورهم لا يسمحون لأنفسهم وبشكل طوعي أن يتمردوا على ذلك «الشيخ الرئيس».
لاشك أن تفسير الظاهرة بحاجة إلى أدوات أعقد وطرائق بحث أفضل، لكننا، وللوهلة الأولى، وعندما نتابع ما جرى من تغييرات سياسية في الساحة العربية خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، سنكتشف أن في سيطرة الذهنية القبلية على سلوك القوى السياسية، حكومات ومعارضات، ما يلقي بعض الضوء، ومن ثم يعين، على تفسير تلك التغييرات.
ففي إحدى الدول العربية على سبيل المثال أزيح ولي العهد، وأجريت تغييرات جوهرية على الدستور كي يتماشى مع ذلك التغيير الفجائي السريع، ويبيح التعديل المطلوب، وكذلك الأمر في دولة أخرى، الذي غيرت مادة في الدستور لتبيح «حق التوريث». وكذلك الأمر في الأحزاب العربية المعارضة التي شاهدنا بعض قياداتها تحضر مؤتمراتها العامة على كراسي متحركة أو متكئة على يد أحد الكوادر الشابة كي يتسنى لها (أي تلك القيادات) الإدلاء بصوتها في انتخابات الحزب، وكي تضمن استمرار بقائها في قيادته.
ولضمان بقاء الحال على ما هو عليه، لم يعد الرئيس أو السلطان أو الأمين العام يكتفي بالمبادرات الفردية أو البرامج العفوية التي تضمن بقاء أي منهم ممسكاً بالسلطة، بل أصبحوا جميعهم اليوم يستعينون ببيوت الخبرة، والمؤسسات الاستشارية التي تزودهم بالمحركات التي تساعدهم على تحقيق هدفهم الأساس وهو الاستمرار في الإمساك بمقاليد الحكم في حال السلطة، والحزب في حال المعارضة.
لهذا لا ينبغي أن يستغرب من يتابع أخبار اليمن ما يجري على ساحتها، فعندما يتعلق الأمر بالسلطة نتحول كلنا إلى «يمن».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3041 - الأحد 02 يناير 2011م الموافق 27 محرم 1432هـ
السؤال الذي يطرح نفسه ..
لا يختلف اثنان سواء داخل اليمن أو خارجه, على أن الرئيس اليمني سيبقى في سدّة الحكم إلى أن "يصدر أمر الله" لعزرائيل!!
فلماذا قام بهذا التعديل الإستفزازي و المقزز لكافة الأحرار بالعالم؟
هذا هو السؤال, و أيضاً:
و لماذا بهذا الوقت بالتحديد؟
و هل ثمة مغريات أو ضغوطات خارجية –أميركية مثلاً- تدعم هذا التوجّه؟
عوفيت يا أستاذي الكريم