يهمنا إبراز عدة نقاط حول مداولات المؤتمر:
الأولى: المشاركة الإيجابية لمنسوبي وأساتذة الأكاديمية الملكية للشرطة فقد ظل العميد طارق الحسن آمر الأكاديمية طوال الجلسات على مدى اليومين، وشارك بمدخلات عدة أوضح فيها الممارسات في تدريس مفاهيم حقوق الإنسان في الأكاديمية وأيضاً الرؤية المستقبلية لها والسعي لتطويرها إعمالاً لتوجيهات القيادة السياسية وتعليمات وزير الداخلية، كما تقدم ببحوث متعمقة كل من الدكتور هشام مبارك والدكتور شوقي صلاح الأساتذة بالأكاديمية، وشارك عدد آخر من أساتذة الكلية ومنسوبيها بمداخلات عديدة. أما العاملون بالأكاديمية فقد وقع عليهم عبء التنظيم والإعداد الجيد وهذا يعكس ما يتمتع به المواطن البحريني والشرطة البحرينية بوجه خاص من كفاءة في تنظيم وإعداد المؤتمرات.
الثانية: المشاركة المكثفة للأساتذة والباحثين الأكاديميين من مصر وإيران والأردن والسعودية ولبنان والعراق في مداخلات صريحة وانتقادية لمناهج تدريس حقوق الإنسان والتقدم بمقترحات متعددة لتطورها وتفعيلها بما يعكس المنهج التفاعلي والحواري بين الأساتذة والطلاب، ويعمق الإيمان بمفهوم حقوق الإنسان ودور المؤسسات الأكاديمية والإعلامية في هذا الصدد.
الثالثة: إن اليوم الأول تضمن مناقشة عدة بحوث قدمها المشاركون في محاور محددة، أما اليوم الثاني فقد عقدت جلساته في شكل مائدة مستديرة، حيث استخدم الأسلوب التفاعلي من قبل المشاركين وكأنهم أرادوا تطبيق ما يدعون إليه من ممارسة على أنفسهم لتعويدها على ذلك عندما يعودون إلى جامعاتهم. وكانت العملية التفاعلية هذه مركزة على أهمية الممارسة والحد من التوجهات النظرية في الدراسات الأكاديمية في المرحلة الأولى، أما التعمق الأكاديمي في المفاهيم والمصادر وغيرها يمكن أن يتولاه الباحثون في مرحلة ما بعد البكالوريوس.
الرابعة: إنه في تقديري الخاص كمشارك في المؤتمر ومعنى بقضايا حقوق الإنسان منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، إن أكاديمية الشرطة أحسنت صنعاً في عقد هذا المؤتمر لسببين رئيسين، أولهما: إن الشرطة مسئولة عن حماية حقوق الإنسان وهي في نفس الوقت متهمة بانتهاك حقوق الإنسان، ولذلك فإن تنمية وعي منسوبي الشرطة منذ التحاقهم بالكليات يعمق الجانب الإيجابي لديهم في النظرة لحقوق الإنسان ويحفزهم على أحداث التوازن بين اعتبارات الواجب الأمني للبلاد وبين اعتبارات الواجب نحو المجتمع وأفراده في حماية حقوقهم. وعملية التوازن هذه مهمة صعبة ودقيقة ولذا فإن تعويد أفراد الشرطة عليها منذ مراحل تعليمهم الأولى تعد مبادرة طيبة تستحق الإشادة وهي تدل على شجاعة من منظميها وعلى تغير عقلية القائمين بإعداد الشرطة وهو ما يحسب إيجابياً للمشروع الإصلاحي لجلالة الملك ومبادراته ولفكر وزير الداخلية باعتباره المسئول الأول عن الشرطة.
الخامسة: إن مشاركة أكاديميين من إيران مع نظرائهم من الدول العربية تعد أيضاً تجربة تستحق الإشادة لأن إيران دولة جارة ودولة مسلمة ولها تاريخها وحضارتها التي تتفاعل مع الحضارة العربية منذ عصور قديمة، وعملية التفاعل هذه ممتدة عبر العصور ومن المفيد تعزيزها لكسر الحاجز النفسي المصطنع أحياناً. وهذه الممارسة البحرينية جديرة بالتقدير سواء في المؤتمر الحقوقي هذا أو في مؤتمر حوار المنامة الذي رعاه سمو ولي العهد، ونظمته باقتدار وزارة الخارجية بقيادة الوزير الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، وشاركت فيه إيران ممثلة بوزير خارجيتها، وهذا يعكس الروح الإيجابية والمنهج العقلاني البحريني في الحرص على مشاركة الأطراف المعنية بالأمن أو بالحقوق أو غيرها من مجالات العمل الأمني أو البحث السياسي والأكاديمي والعلمي.
السادسة: إن مشاركة جامعة الدول العربية تعكس المنهج الإيجابي لهذه الجامعة التي تحتضن العمل العربي المشترك وتعد مظلة هامة، وقد أشاد عدد من الباحثين والخبراء بالدليل الاسترشادي الذي أعدته الجامعة العربية في مجال حقوق الإنسان وكذلك بتجربة تقييم المناهج التعليمية المصرية على مختلف المستويات الدراسية التي قام بها مجلس حقوق الإنسان بمصر وبتجربة نشر ثقافة حقوق الإنسان في القرى والنجوع وليس اقتصارها على المدن الكبيرة وتجربة إدارة الشكاوى وشبكة الامبودسمان العربية وهي تقترب من مفهوم عيادة حقوق الإنسان التي عرض لها الدكتور مطر من جامعة جونز هوبكنز. ولاشك أن التفاعل بين التجربتين يمكن أن يثريهما ويعزز دور كل تجربة ويحدث التكامل بينهما ويفيد الدول الأخرى التي ليس لديها مثل هذه التجارب.
السابعة: إن قضية حقوق الإنسان ليست مسألة سهلة ولا يمكن الادعاء بأن حقوق الإنسان مصانة مئة في المئة في أية دولة متقدمة أو نامية فأخطاء البشر في مجال حقوق الإنسان كثيرة، ثم إن مفهوم حقوق الإنسان أصبح من المفاهيم الشاملة والمتطورة في أجيال هذه الحقوق وفي تنوعها بحيث أصبحت بمثابة المؤشر العام الذي يدل على مدى تقدم الدولة والمجتمع على حد سواء. ومن هنا أهمية المشاركة المجتمعية وبخاصة المجتمع المدني وجمعيات حقوق الإنسان في تفعيل هذه الحقوق وحمايتها بعيداً عن الاتجاهات السياسية، رغم إدراكنا لتدارك الأمرين ولكنه ثمة خطاً رفيعاً ودقيقاً للحفاظ على التوازن. والجانب الآخر ذو الحساسية في مسألة حقوق الإنسان هو مدى اعتماد المنظمات الحقوقية على مصادرها الذاتية من داخل أوطانها وليس على التمويل والأجندة الخارجية ومدى تعبيرها عن أولويات كل مجتمع.
أما الجانب الثالث فهو ارتباط واختلاف مفاهيم حقوق الإنسان في المجتمع الدولي المعاصر عن التراث الحضاري والديني في كل مجتمع. ولعل أكثر الأمور حساسية هنا هو التصور الخاطئ بأن مفهوم حقوق الإنسان هو مفهوم غربي ومستورد ودخيل على الدول الإسلامية والعربية، وهذا التصور الخاطئ الذي يتبناه البعض يمثل إهانة للدين الإسلامي من قبل أصحابه لأنهم لا يفهمون حقيقته وممارسات النبي وصحابته وخلفائه وأقوال الأئمة المجتهدين في الشريعة من مختلف المدارس والمذاهب الإسلامية عبر العصور، وهذا ما عبر عنه باحثون من إيران ومصر ولبنان والسعودية والأردن والعراق والبحرين خلال جلسات المؤتمر المتعددة.
وختاماً، بصفتي باحثاً ومهتماً بقضايا حقوق الإنسان فلابد أن أعبر عن تهنئتي للأكاديمية الملكية للشرطة والوزراء الداخلية على هذه المبادرة، وأتمنى مواصلة تفعيلها ومتابعتها وتعزيز تفاعلها مع مؤسسات التعليم على مختلف مستوياتها في مملكة البحرين.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3038 - الخميس 30 ديسمبر 2010م الموافق 24 محرم 1432هـ