العدد 3037 - الأربعاء 29 ديسمبر 2010م الموافق 23 محرم 1432هـ

اختيار الموت

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مطلع العام 2008 تبيَّن لي أنني أسيرُ إلى قبْر. وربما كنت من أكثر الناس تأهيلاً لأن أحظى بلقب «مريض لسوء التغذية». لقد أظهَرَت الفحوصات الطبيّة أن أمراض عِدَّة يُمكنها أن تكون رفيقة لي إنْ أنا لم أجِد حلاً لكتلة فائضة من الوزن أحملها معي صباح مساء رغم أنها لم تكُن شاذة بسبب طولِ قامتي الممتدّة.

تذكّرتُ حينها مقولة الشاعر الأيرلندي أوسكار وايلد عندما قال «الخبرة هي الاسم الذي نَصِفُ به أخطاءنا». قلتُ: إذا كانت هناك أخطاء للآخرين، دفعوا خلالها أثماناً وَصَلَت في أكثر من مرة إلى تقديمهم «أرواحهم» ليُقال عن كلّ ذلك بأنه «خبرة» فلماذا أزيدُ أنا على ذلك رقماً آخر؟!

تثبَّتُ من نُصْحٍ لأحد المُجرِّبين فظَهَرَ لي أن ما يقوله صحيح. دعواه تقول: بأن إنقاص الوزن يعتمد على شيئَيْن. الأول: تقليل الأكل، والثاني: الرياضة. يستحوذ الأول على سبعين في المئة من قِيَم إنقاص الوزن، في حين يأخذ الثاني المُتبقي من الرقم المِئوي وهو ثلاثين في المئة فقط.

هنا بدأتُ خطّة العمل بصرامة والتي بدَت وكأنها تصَدٍّ لواحدة من ظواهر الطبيعة. قَسَّمْتُ أزمان الطعام إلى ستة أزمان: البُكور وهي ما قبل طلوع الشَّمس، ثم الغَدَاة، ثم الضُّحى، ثم الزّوال، فالهاجِرة، فالعشيَّة وهي آخر النهار. ولم ألتَفِت إلى بقية ساعات اليوم من شَفَقٍ وعِشاء وعَتَمة وغَلَس. ثم وزَّعت ما تيسَّر لي من طعام على تينَك الأزمان الستة لا أكثر.

في الساعة الأولى كوبٌ مُضَاعَفٌ من الماء. وفي الثانية تفاحة خضراء واحدة. وفي الساعة الثالثة أربع شرائح من خبز النُّخَالة (وليس الخبز الأسمر) مع جبنٍ أبيض قليل الملح والدَّسم وبيض منزوعٌ منه صفاره. وفي الرابعة قبضة يدٍ من حبات اللوز، وفي الخامسة صَدَرَان من الدجاج المشوي أو مثيلٌ له من السمك، أما ساعة الختام وهي السادسة فأكتفي بشرائح من التفاح الأخضر أو الأحمر.

ثم أقضِي ما تبقى من يومي صابراً مُحتسباً وأنا أرى ملذّات الأرض تمرّ عن شَمأَلِي ويميني، فلا يُؤنسني سوى قول الأديب والشاعر الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته «تمتع بما يسهل عليك، وتحمل ما يجب عليك».

وخلال ذلك العام والنصف كنتُ لا أفارق الرياضة (مدّتها ساعة إلى ساعة ونصف يومياً) إلاّ يومين في الأسبوع. بعدها تبيَّن لي أن ما قُمتُ به هو عملٌ جبّار هُزِمَت فيه أنفُسٌ وإرادات. لقد تخلّصت من ثلاثين كيلوغراماً من كتلة جسمي. نعم... ثلاثون كيلوغراماً. وصار مُتاحاً لي أن ألبس أشياءً كنت أختنق بها في السابق.

جميع ملابسي القديمة تخلّصتُ منها، أو أعدتُ مَقيَسَتها من جديد مرة بعد أخرى. فحوصات الدّم وضغطه وسُكّره ودهونه وأملاحه باتت طبيعية أو أقرب إلى ذلك، بعد أن كادت أو أوشكت أن تبِيْت في كارثة. بالتأكيد لم أصِلْ في ذلك المسعى إلى المأمول لكنني حتماً ظفِرْتُ بالمعقول. كثيرٌ من الأصحاب كان آيِسَاً من أن أحقّق نتيجة تُذكر بعد أن خَبَرَني سابقاً في الموائد.

أضِف إلى ذلك، فقد تبيّن لي أن القادر على إنقاص وزنه بشكل جِدِّي تُتَاح له بعدها فرصة اللعب بملذات الطعام إن شاء دون إفراط ولمدّة مُحدّدة حتى ولو كان ذلك أسبوعياً، دون أن يعود الجسم إلى تُخمته السابقة. خلاصة القول هي إن فرصة القتال من أجل العافية لا تنتهي حتى ولو بَلَغَ الواحد من العُمر عِتِيَّا، ما دامت هي (العافية) تُستحصل من أطراف الجوع كما في الأثر.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3037 - الأربعاء 29 ديسمبر 2010م الموافق 23 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:39 ص

      برافو

      ياريت كل القراء اللي يعانون من نفس المشكله يتشجعون شوي ويحاولون يغيرون حياتهم, المطلوب هو الاراده و العزيمه (مو عزيمه اكل) القويه وياريت يفهمون الاخطار الي هم معرضين لها , يا جماعه السمنه مرض مو عيب وما اشجع المريض الذي يعترف بمرضه ويدور علاجه

    • زائر 5 | 12:17 ص

      صحة وعافية

      الله يديم عليم الصحة والعافية لتتحفنا بمقالاتك الرائعة

    • زائر 4 | 11:50 م

      العافية من أطراف الجوع

      قال سيد الموحدين وإمام الوصيين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ((العافية من أطراف الجوع))

    • زائر 2 | 11:26 م

      وينك يالفال

      الفال لي يارب

    • زائر 1 | 10:15 م

      ولا يمكن الفرار من حكومتك

      الاجدر بنا ان نتخلص من تبعاتنا قبل اوزاننا اللهم اني اسالك في مظالم عبادك عندي اسال الجميع براءة الذمه فلا تدري نفس ماذا تكسب غدا ولاتدري نفس باي ارض تموت

اقرأ ايضاً