العدد 3037 - الأربعاء 29 ديسمبر 2010م الموافق 23 محرم 1432هـ

من وحي كرسي «نوره» المتحرك

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سنحت لي فرصة حضور لقاء الثلثاء الذي تعقده أسبوعيا في مقرها بـ «أم الحصم» الجمعية البحرينية لأولياء أمور المعاقين وأصدقائهم.

ولجت القاعة كي أجد سيدة تقدم عرضاً عن حالة «نوره»، وهي إحدى المعوقات التي تستخدم الكرسي المتحرك في مختلف الأنشطة التي تمارسها. أعجبتني كثيرا تلك السيدة في طريقة عرضها لمأساة «نوره»، وقدرتها على إبراز سلوك «نوره» عند محاولتها تجاوز العقبات التي واجهتها من جراء ولادتها قبل الأوان، كي تستطيع في نهاية المطاف أن تصبح موظفة في أحد فروع المصارف الإقليمية في البحرين.

يزداد المرء إعجابا بالمحاضرة عندما يعرف أنها والدة «نوره»، وانها وقفت، ولاتزال تقف، مع زوجها في رحلة الصمود والنجاح التي عاشها الثلاثة سوية لما يزيد على عشرين عاما، استطاعوا بتكاتفهم تذليل الكثير من العقبات التي كان يمكن ان تحول «نوره» إلى إنسان سلبي معقد غير قادر على التغلب على إعاقته، والتي أصبحت اليوم فردا منتجا في المجتمع، بدلا من أن تكون عالة مستديمة عليه.

بدأت رحلة العذاب والتحدي عند دخول «نوره» المدرسة التي لم تكن مهيأة لاستيعاب ذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى وجه الخصوص، أولئك الذين بحاجة إلى كراسي متحركة في تنقلاتهم. ازداد الأمر سوءاً عندما أصر مدير المدرسة على عدم تفهم أوضاع «نوره» الاستثنائية، وتمسك برأيه في رفضه نقل فصلها الدراسي من الطابق الأول إلى الأرضي، مما اضطر الأب، وبمعاونة بعض التلامذة، إلى رفع «نوره» وكرسيها لصعود ما لا يقل عن عشرين درجة سلم كي تتمكن «نوره» من الوصول إلى حجرة الفصل ويتسنى لها مواصلة دراستها.

تتمسك «نوره»، ومعها والداها بحقها الطبيعي في إنهاء دراستها الجامعية، بعد أن حصلت على الثانوية العامة وبمجموع يؤهلها للالتحاق بالجامعة، التي لم تكن جامعة البحرين، كما تقول الأم، لكون تلك الجامعة غير معدة هي أو مواصلاتها لاستقبال حالات مثل «نوره». لم تجد «نوره» أمامها سوى جامعة الإمام الأوزاعي، التي وافقت على استقبالها كي تنهي تعليمها بالانتساب.

كثيرة هي التفاصيل «المحزنة» التي تؤلف سيرة «نوره»، التي استطاعت بعد نيل الدبلوما من معهد البحرين للدراسات المصرفية، ان تجد وظيفة في فروع أحد المصارف الإقليمية في البحرين، بعد أن أوصدت في وجهها المصارف البحرينية، لا لسبب سوى أنها، أي المصارف، غير مؤهلة لتوظيف ذوي الاحتياجات الخاصة مثل «نوره». عدا رفض تلك المصارف، ومن قبلها الجامعات، الكثير من الثغرات التي تعاني منها تلك المؤسسات، وعلى حد سواء تلك العقبات التي تواجه المعوقين في المجتمع البحريني، وعلى وجه الخصوص عندما نصل إلى مؤسسات التربية والتعليم، أو نتوقف عند مجالات التوظيف.

رحلة «نوره»، رغم النجاحات التي حققتها، تكشف جانبا مأساويا من أوجه المعاناة القاسية التي يواجهها ذوي الاحتياجات الخاصة في البحرين، سواء عند محاولاتهم الالتحاق بالصفوف التعليمية، أو عند إبداء استعدادهم للحصول على وظيفة. كل ذلك يرغمنا على التوقف عند الحقائق المرة، والتمعن في مكامن الخلل، التالية:

1. المدارس البحرينية، باستثناء تلك التي يمكن عدها على أقل من أصابع اليد الواحدة، غير مؤهلة لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة. أما المؤهلة منها فأقساطها باهضة، ولا تستطيع الفئات المتوسطة الدخل تحملها. لذا تجد أسرة المعوق نفسها أمام خيارين أحلاهما مر، إما القبول بعدم إرسال صاحب الإعاقة إلى أي من تلك المدارس الباهضة التكاليف، فيزداد عبء المعوق على العائلة، وإما اللجوء إلى القروض التي تحولهم إلى عبيد مستمرين للفوائد التي تراكمها تلك القروض على كواهلهم.

أبنية المدارس غير مؤهلة وطرائق التدريس غير قادرة على احتواء المعوق ومساعدته على تجاوز إعاقته.

2. المؤسسات التجارية والصناعية، هي الأخرى غير مهيئة لاستيعاب تلك الفئة ممن المجتمع، وبالتالي، فحتى، فيما لو نجح المعوق، كما كان الحال مع «نوره»، في نيل قسط من التعليم يبيح له الالتحاق بوظيفة ما، فسوف يصطدم أن إعاقته ستقف حائلا دون توظيفه.

ولا تُعفى تلك المؤسسات من مسئولية تهيئة مبانيها كي تكون بيئة وظيفية قادرة على توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة، كما لا تعفيها تبريراتها من أن نسبة المعوقين منخفضة ولا تستحق التكاليف الباهضة التي يمكن ان توفر بيئة العمل المناسبة لهم كي يتمكنوا من ممارسة أعمالهم، ولا يبرئ ذمتها بعض الفتات الذي ترمي به كمساعدات لهم أو لذويهم، او حتى لجمعيات الإعاقة.

3. مؤسسات الدولة الأخرى ذات العلاقة بأفراد مجتمع ذوي الاحتياجات الخاصة لاتزال، هي أيضا، وحتى يومنا هذا تتعامل مع هذا المجتمع من زاوية متخلفة تقوم في جوهرها على «الشفقة»، بدلا من أن تغادر هذا المدخل البدائي، إلى ذلك المتقدم القائم على العمل من أجل إدماج المعاق في النسيج الاجتماعي المنتج، كي يصبح عضوا منتجا يتمتع بحقوقه كاملة أسوة بالآخرين من أفراد المجتمع، ويقوم بواجباته على قدم المساواة معهم، دون إغفال احتياجاته الخاصة التي لابد من مراعاتها، لضمان الوصول إلى حلول صحيحة بناءة بشأنها.

4. مؤسسات الإعاقة في البحرين ذاتها لم ترق، هي الأخرى، وحتى يومنا هذا، سواء بخططها التي ترسمها، أو برامجها التي تنفذها إلى المستوى المتقدم الذي يتوخاه منها ذوو الاحتياجات الخاصة. ولعل أكبر دليل على ذلك هو استمرار اعتمادها في تسيير أمورها على المبالغ الضئيلة المخصصة لها من قبل بعض الوزارات ذات العلاقة، أو على التبرعات المقطرة (من قطرة قطرة) التي تجود بها على استحياء بعض المؤسسات التجارية.

كل تلك الخواطر، كانت من وحي عرض الكرسي المتحرك الذي كانت تجلس عليه «نوره» وقدمته والدتها، والتي لم تكتف برفض الخضوع لإعاقة ابنتها فحسب، بل أصرت على أن تكون عضوا فعالا ونشطا في «الجمعية البحرينية لأولياء أمور المعوقين وأصدقائهم»، وأن تسخر، بالتالي، تجربتها الذاتية الغنية في خدمة حالات مثل تلك التي عاشتها «نوره»، وبالتالي فقد نجحت في تحويل «قضيتها» الخاصة إلى مشكلة عامة تطالب المجتمع البحريني، ومؤسساته ذات العلاقة بالتعاون معها لحلها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3037 - الأربعاء 29 ديسمبر 2010م الموافق 23 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:30 ص

      على القوه انشاء الله

      الله يوفق نوره ويعوض عليها انشاء الله اهيه و كل ذوي الاحتياجات الخاصه وياريت الجهات الحكوميه تتحرك شوي وتحاول تحل ولو جزء بسيط من المشاكل الي تواجههم, يجب النظر اليهم على انهم عناصر فاعله في المجتمع و بامكانهم المساهمه في البناء والتطوير مثلهم مثل اي مواطن اخر.

اقرأ ايضاً