جميل جداً أن يلتقي قادة البلاد مع قيادات القطاع الخاص، كما جرى في الزيارة التي قام بها صاحبا السمو الملكي الأميران رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، وولي العهد سلمان بن حمد آل خليفة، لبيت التجار، حيث كان في استقبالهما رئيس وأعضاء مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين.
وضروري جداً أن تجري مثل هذه اللقاءات الدورية المفتوحة التي توثق العلاقة بين القيادة السياسية ومؤسسات المجتمع المدني.
ما رشح من تغطية صحافية لذلك اللقاء كشف الكثير من الجوانب الإيجابية التي اتفق عليها الطرفان، وأكثر منها تلك التي تناولوها بالنقاش، سواء من أجل إلقاء الضوء عليها، أو لمتابعتها مستقبلاً. نقتطف هنا قول سمو رئيس الوزراء، كما ورد في بعض الصحف المحلية «همنا الأساس أن يتعزز موقع البحرين مقصداً تجارياً واستثمارياً»، وأتبعه سمو ولي العهد مؤكداً بمطالبة القطاع الخاص أن «يكون له دور محوري في التنمية الاقتصادية».
من أهم القضايا التي يؤكدها ذلك اللقاء هي اعتراف القيادة السياسية في البلاد بكون غرفة التجارة والصناعة، هي الجهة الشرعية التي تمثل القطاع التجاري، والتي ينبغي أن يمر من خلالها أي حوار بين القطاعين العام والخاص، ومن ثم فكل المنظمات التجارية الأخرى، ينبغي، إن أرادت ممارسة دور مؤثر في صفوف ذلك القطاع، أن تبني مع الغرفة قنوات الاتصال التي تحتاجها كي تكون تلك العلاقة شرعية ومثمرة في آنٍ.
لكن هذه الأهمية، وكما أشرنا، من خلال متابعة التغطية الإعلامية لهذا اللقاء الحيوي والإستراتيجي، لا تمنع من تلمس غياب بعض القضايا المحورية، ذات الطابع الإستراتيجي عنه، والتي يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:
1. الدور السياسي المطلوب من القطاع التجاري، فمن يتابع التغطية الإعلامية، يلاحظ التركيز، وهو أمر مطلوب ولا يشوبه أي خطأ طالما أن اللقاء مع ممثل التجار وفي بيتهم، على الجوانب الاقتصادية المحضة، والابتعاد كلية عما هو سياسي، الأمر يعطي انطباعاً، وتصور نتيجة الحوار، وكأنما التجار قبلوا بهامشية دورهم السياسي.
إن الموقف الصحيح المتوازن الذي يريده المواطن من التجار، هو أنه بقدر ما يسعون، ويعملون بجد، من أجل تعزيز حضورهم الاقتصادي والمالي، فمن الخطأ التقليل من أهمية دورهم السياسي.
إن القبول بإبعاد التجار عن الساحة السياسية، يحرم هذه الساحة من أحد أهم لاعبيها، ويجرد هذا اللاعب، عندما يقبل بدور هامشي، من استعراض مهاراته التي تسخن أجواء التنافس، وتمكنه من زيادة حظ فريقه في الفوز، ومضاعفة رصيده من الأهداف.
وليس من العدل، بحق التجار، أن يكون حضورهم في المؤسسات التشريعية ثانوياً ومفتعلاً، خاصة في هذه المرحلة التي يسود فيها ساحة العمل السياسي البحريني الكثير من الضبابية التي تمنع الكثير منا من الرؤية الواضحة والصحيحة.
2. الدور المهني، من حيث تحديد علاقة الغرفة كقيادة، بالوسط التجاري فلاتزال عضوية المؤسسة التجارية في الغرفة قراراً اختيارياً غير ملزم للتاجر، كما هو الحال بالنسبة للسجل الجاري.
هذا يفقد الغرفة الكثير من عناصر قوتها كمؤسسة نقابية تدافع عن مصالح التجار. ومن الخطأ، كما يردد البعض، إن في فرض عضوية التجار في الغرفة فيه شيئاً من عدم الديمقراطية، أو شكلاً من أشكال الديكتاتورية، إذ تحتاج الغرفة كي تعزز من حضورها في صفوف قطاعها أن تكون العضوية إجبارية ومتجددة بشكل مستمر، وليست موسمية في أوقات انتخابات مجلس الإدارة، كما هو عليه الحال اليوم.
إن إلزامية العضوية، وبخلاف ما يتوهم البعض، تضع على الغرفة الكثير من المسئوليات التي يصعب عليها القيام بها اليوم، نظراً لهذه العلاقة غير الطبيعية بينها وبين الوسط التجاري الذي تدافع عن مصالحه. كل ذلك يقتضي تحديد معالم المصالح المشتركة والمتبادلة بين الغرفة كمؤسسة والقطاع التجاري كمجتمع.
3. الدور الاجتماعي، من حيث علاقات الطرفين القيادة السياسية والغرفة، بمنظمات المجتمع المدني الأخرى، ذات العلاقة بالوسط التجاري، فعلى الرغم من أهمية وضرورة ترسيخ مكانة الغرفة كالممثل الشرعي الرئيسي للقطاع التجاري، لكن هذا لا يمنع من انفتاحها وتعاونها مع المؤسسات والجمعيات الأخرى. ويوجد في البحرين عدد لا بأس به من هذه المؤسسات، مثل غرفة التجارة البحرينية الأميركية، ولجان الصداقة البحرينية مع بعض الدول الأوروبية... إلخ. نلفت النظر إلى هذه المسألة، انطلاقاً من فهمنا لأهمية تعزيز دور مثل هذه المؤسسات، من خلال تنسيقها مع الغرفة، في توسيع هامش الديمقراطية السياسية والاجتماعية من جهة، ولفتح مزيد من القنوات الفرعية بين القيادة السياسية ومجتمع الأعمال، من جهة ثانية.
إثارة هذه النقاط الإستراتيجية التي غابت عن اللقاء لا يقلل من أهميته وضرورة تكراره، ولا يدعونا للتحسر لأنها تأتي في وقت متأخر، بعد أن «طارت الطيور بأرزاقها»، ففي وسع الطرفين، متى ما اتفقا على أهمية هذه النقاط وربما أخرى غيرها أيضاً، أن تثار في لقاءات أخرى قادمة، أو من خلال لجان متابعة تضمن تنفيذ كل ما يتفق عليه، ودمجه مع ما قد يكون قد غاب عن البال.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3036 - الثلثاء 28 ديسمبر 2010م الموافق 22 محرم 1432هـ