احتفلت دولة قطر في 18 ديسمبر / كانون الأول باليوم الوطني، وهو اليوم المصادف لذكرى تولي مؤسسها الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني الحكم في قطر (18 ديسمبر 1878م)، وقطر هي إحدى دول الخليج العربية التي لا تزيد مساحتها على 11,400 كيلومتر مربع وعدد سكانها البالغ حالياً نحو 800 ألف نسمة من مختلف الجنسيات والإثنيات. ومع ذلك فهي تلعب دور «القوة الناعمة» في المنطقة، وهي تسعى لحل المشكلات في عدد من البلدان في المنطقة العربية والإسلامية.
هذه الدولة الصغيرة التي لها حدود برية وبحرية مع كلٍ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ولها حدود بحرية مع مملكة البحرين وأخرى مع جمهورية إيران الإسلامية، لم يكن لها أي صيت يذكر على المسرح السياسي قبل التغير الذي حدث فيها في العام 1995، حيث كان الكل ينظر لها باعتبارها دولة صغيرة وعادية، لكن قبل نحو 15 سنة من الآن حدث بها تحول كبير وذلك بعد تولي سمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم، حيث حدثت بدولة قطر طفرة في كل شيء تقريباً في السياسة الخارجية والاقتصادية، وتطور العمران والبنى التحتية والتعليم والإعلام الممثل بـ «قناة الجزيرة»، كل هذه الإنجازات كانت نتيجة اكتشاف المزيد من حقول النفط والغاز العملاقة في أراضيها أو في المياه أو الجرف القاري المحيط بها، حيث تتربع دولة قطر اليوم على المركز الثاني عالمياً في إنتاج الغاز بعد جمهورية روسيا الاتحادية، لذلك قامت دولة قطر بإنشاء المزيد من الموانئ البحرية المخصصة في نقل الغاز الطبيعي والغاز المسال من حقول الشمال وغاز لفان عبر الناقلات العملاقة من ميناء الرويس والدوحة وأم سيعيد.
إن هذا الإنتاج الضخم من النفط والغاز من هذه الدولة الصغيرة مكنها من رفع مستوى المعيشة فيها إلى أفضل دولة على مستوى الوطن العربي الكبير حسب تقديرات إحدى الصحف الأجنبية المرموقة، وكذلك مكنها من أن تولج عالم المساعدات المحلية والعالمية عبر الهلال الأحمر القطري الذي يلاحظ العالم تواجده في كل بقاع العالم، وخصوصاً جنوب لبنان بعد الحرب التي شنها الكيان الصهيوني على لبنان في العام 2006، حيث بادرت قطر بالتكفل بأعمار كل القرى والبلدات التي دمرها جيش الكيان الصهيوني مثل قرية مارون الرأس وعيتا الشعب والنبطية ومرجعيون وغيرها.
إن دولة قطر خطت لنفسها سياسة على أقل تقدير مغايرة بعض الشيء عن سياسات دول الخليج العربية فهذه الدولة لها علاقات مع كل دول العالم، حتى خلال الحرب العراقية الإيرانية بين العامين 1980 إلى 1988، حيث لوحظ على قطر وقوفها بشكل محايد من المتصارعين أي (العراق وإيران).
كل هذه المواقف وغيرها مكنت قطر من إحلال السلام والوئام بين كل أطياف الشعب اللبناني، قبل وبعد حرب يوليو/ تموز العام 2006، ففي أعقاب تلك الحرب قام كل فريق أو مجموعة من الأحزاب المتصارعة داخل جمهورية لبنان مثل فريق 14 مارس/ آذار بتحميل فريق 8 مارس تبعات الحرب والدمار وامتنع كل فريق من أن يجتمع مع الآخر وجهاً لوجه على طاولة مستديرة داخل، لكن بدخول قطر بمبادرتها التي استجابت لها كل الأطراف المتعارضة والمتحاربة داخل جمهورية لبنان، هدأت الأجواء السياسية، خصوصاً بعد أن نجحت قطر في عقد مؤتمر مصالحة لجميع الأطراف اللبنانية ما أهّل الساسة اللبنانيين من الاجتماع لأول مرة وجهاً لوجه على طاولة مستديرة احتضنتها الدوحة عاصمة دولة قطر في شهر مايو/ أيار العام 2010.
بعدها تم التوافق في لبنان على انتخاب رئيس جمهورية والذي بموجبه تم اختيار العميد ميشيل سليمان وهو مسيحي ماروني، وكذلك تم اختيار سعد الحريري كرئيس للوزراء وهو مسلم سني، واختيار نبيه بري كرئيس للبرلمان اللبناني وهو مسلم شيعي. وهي نفس التركيبة أو المعادلة التي كانت موجودة منذ خروج الاستعمار الفرنسي من هذا البلد.
كذلك القيادة القطرية قامت بجهود جبارة في المساهمة في حل الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني أي حل النزاع بين منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة فتح والتي يرأسها محمود عباس (أبو مازن) وحركة الجهاد الإسلامي برئاسة رمضان عبدالله شلح وحركة حماس الإسلامية بقيادة خالد مشعل، لكن تداخل التأثيرات الداخلية والخارجية والمشاكل حالت دون نجاح تلك المبادرة.
كذلك قامت قيادة دولة قطر الشابة بعمل مؤتمرات للمصالحة في جمهورية السودان لإحلال السلام بين الجنوب والشمال وبين الحكومة السودانية بزعامة المؤتمر الوطني برئاسة رئيس الجمهورية السودانية عمر حسن البشير وبين قيادات الجنوب بقيادة سلفاكير مياديت وكذلك عملت مصالحة بين الحكومة المركزية السودانية في الخرطوم وبين المتمردين في منطقة دارفور.
نعود لصلب الموضوع، نحن نعتقد بأن دولة قطر ربما تكون من بين أكثر الدول تأهلاً لاحتضان مؤتمر للمصالحة في جمهورية العراق بعد إزاحة نظام البعث الذي كان يحكم جمهورية العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في العام 2003، بعيداً عن رأي الكثير من المراقبين حول دور قناة الجزيرة وهي قناة تتموقع داخل دولة قطر.
إن الانتخابات العراقية التي جرت في شهر مارس/ آذار العام 2010 ومضى عليها الآن قرابة 9 أشهر، وأسفرت عن فوز عدد من القوائم أهمها القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، والائتلاف الوطني العراقي بزعامة المجلس الأعلى الإسلامي في العراق، والقائمة الكردستانية، حيث دار خلاف بين هذه القوائم حول من له الأحقية في تشكيل الحكومة أو من له الحق في الحصول على حصة الأسد من الحقائب الوزارية السيادية وغير السيادية قبل أن يصلوا إلى اتفاق على تشكيل الحكومة تم الإعلان والمصادقة عليها يوم الثلثاء الماضي لقيادة البلاد إلى بر الأمان، خصوصاً مع تصاعد وتيرة القتل على الهوية وغيرها من المصائب التي ألمت بهذا الشعب العريق في جمهورية العراق بعد تحريره من النظام البعثي واحتلاله من قبل الجيشين الأميركي والبريطاني منذ العام 2003.
ومع الاتفاق على التشكيلة الحكومية مازالت الأطراف السياسية العراقية تعيش حالياً الافتراق. لذلك نحن نعتقد بأن دولة قطر يمكن أن تلعب دوراً مهماً مع دول عربية أخرى في تحقيق التوافق العراقي، وخصوصاً أن الشعب العراقي توّاق لحل مشاكله والتوجه نحو تحقيق الرفاه والاستقرار.
ونعتقد بأن دولة قطر بما تمتلكه من خبرة في مجال حل الخلافات العربية والإقليمية، وخصوصاً أنها شاركت ورعت حل الكثير من المشاكل العربية في لبنان، السودان، الصومال، إريتريا، أثيوبيا، والحرب بين الحوثيين والحكومة اليمنية. كل هذه الأمثلة قد تؤهل هذه الدولة الصغيرة أن تلعب دوراً مساعداً في حل الخلاف العراقي - العراقي، وهو يوضح ان بإمكان الدول الصغيرة لعب دور «القوة الناعمة» في الأوضاع المعقدة.
إقرأ أيضا لـ "أحمد سلمان النصوح "العدد 3034 - الأحد 26 ديسمبر 2010م الموافق 20 محرم 1432هـ
فعلاً!! قطر تصلح لكل شيء
قطر أشبه لأن تكون بكائن هلامي يتمتّع بمرونة فائقة, فهي تجمع كل المفارقات في سياساتها العامة, لذا .. لا غرو بأن قطر تحوي أكبر قاعدة أميركية في الخليج و لا غرابة في إقامتها علاقات ودّية مع العدو الصهيوني.