اثنتا عشرة سنة من الزمن والجوع في فترة الحصار يأكل من الداخل أجساد أطفال العراق. اثنتا عشرة سنة من الزمن ودموع نساء العراق تنهمر وتسيل، بحثا عن شفقة أو مجير من هول محنتهن، لكن العيون زاغت من النظر إلى حالهن وأبت الآذان سماع أنينهن وخرست الألسن عن النطق.
في عالمنا الصغير بالمجال الكوني ليست هناك بقعة توتر أو مناوشة أو حرب إلا وكانت بريطانيا أو أميركا طرفا فيها بسبب امتلاكهما القوة وانتشار قواتهما في أرجاء العالم. ليتهم يسحبون قواتهم وأساطيلهم من بقاع ومحيطات الأرض، وليتهم يؤمنون بأن البشر سواسية لا فرق لأميركي أو إنجليزي أو أوروبي على سائر البشر إلا بمقياس الأمانة والصدق واحترام حقوق الآخرين، وليتهم يكوِّنوا قوة دولية من جميع الدول لحفظ الأمن العالمي يكون لها وجود في محطات عالمية على أن تختفي قوات جميع الدول الأخرى المنتشرة خارج حدودها لخفض التوتر العالمي.
كثيرة هي المآسي، وكثيرون هم البشر الذين يكتوون بنيرانها، ولستظل هكذا تستعر وتحرق الآخرين طالما امتلك القوة منظروها وآمنوا واطمأنوا إلى أن أذاها لن يطولهم بشكل مباشر. فحملات الغزو العسكرية في هذه الأيام تختلف تماما عن الأيام السابقة حينما كان قائد الجيش يتصدر صفوف جنده ويصيبه ما يصيبهم من تعب وظمأ وألم، أما الآن فالغزوات العسكرية يتم التحكم فيها عن بعد وتُدار إلكترونيا عن طريق الآلات والمعدات العسكرية من دون المساس بجنودها فضلا عن قادتها الذين لا يصيبهم نصب أو تعب، إذ أضحت النيران الصاروخية تُطلق وتوجه نحو الهدف عبر شاشات الكمبيوتر، من غرف القيادة، يطلقها الجنود وهم جالسون على كراسي متحركة، يوجهون صواريخهم بيد ويمسكون بأكواب القهوة أو الشاي باليد الأخرى، يراقبون بأعينهم النتيجة ثم يبثونها عبر شاشات التلفزة من أجل تحقيق مستوى عالٍ من الإثارة في العمليات الحربية لكسب إعجاب المشاهدين وصرف نظرهم عن أعداد الضحايا وحجم المصائب التي تحل على الطرف الآخر، المهم تحقيق النصر ولو كان من أجل باطل على حساب الحق أو حقوق الآخرين.
والآن دعونا نوجه سؤالا ونستنتج جوابا عن الحوادث: ماذا حقق دونالد رامسفيلد وجاك استرو، بسبب آرائهما الظالمة، للشعوب المنكوبة ولأسر القتلى من الجنود الأميركيين والبريطانيين، غير مزيد من الدمع على المفقودين أو الذين خسروا أجزاء من أجسادهم جراء هذه الحروب القذرة التي دمرت البيوت وبترت الأيدي والأقدام ويتمت الأطفال وحرمت الآخرين أبسط حقوق المعيشة فأصبحوا إما عاطلين يستجدون لقمة العيش وإما مهاجرين عن ديارهم؟
إن نشوة النصر لا تدوم طويلا، لكن الألم يبقى ملازما وتذرف بدمعه العين بين آونة وأخرى، والفئة الشابة التي تشاهد في كل يوم تلك الممارسات العبثية الدائرة حولها في شكل قتل وحرب ودمار على أرضها من قبل قوات أجنبية، رخصت لديها الروح الآدمية فعبرت آلاف الأميال مدججة بالسلاح من أجل مزيد من الثراء، تتفجر لديها شحنات الغضب المختزنة لأي سبب وفي أي مكان. وإذا كانت دموع المظلومين لا تشفع في وقف هذا الجحيم من قبل الظالم، فهل يشفع الدمع الأميركي حينما يسيل من عيون أطفال وزوجات أو الثكالى من أمهات الجنود الأميركيين الذين يسقطون وهم في ريعان شبابهم قتلى في ساحة أرض حرب ظالمة لن تغطي غنائمها الآنية شرور نتائجها العكسية؟
إقرأ أيضا لـ "علي محمد جبر المسلم"العدد 303 - السبت 05 يوليو 2003م الموافق 05 جمادى الأولى 1424هـ