تناقلت وكالات الأنباء إعلان حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة عن عزمها على إعطا ء العامل الأجنبي «الحق في أن يغير بشروط صاحب عمله». بهذه الخطوة تكون الإمارات قد خففت، دون ان تلغي «نظام الكفيل المطبق في العديد من دول الخليج والذي يثير الكثير من انتقادات منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان». وكما جاء في الأخبار، انه «وبموجب إجراء جديد لوزارة العمل (الإماراتية) سيدخل حيز التطبيق في مطلع يناير/ كانون الثاني 2011، سيتمكن العامل الأجنبي الذي ينتهي مفعول إجازة عمله، أن يغير صاحب عمله دون انتظار المهلة القانونية وهي ستة أشهر المطبقة حتى الآن ومن دون موافقة كفيله».
بهذه الخطوة تكون دولة الإمارات هي ثالث دولة خليجية تقرر أن تغير من القوانين التي تحكم طبيعة العلاقة بين العامل الأجنبي ورب العمل في دول مجلس التعاون، فبعد البحرين التي ألغت كليا نظام الكفيل، فبات «بإمكان العمال الأجانب في البحرين أن ينتقلوا من عمل إلى آخر من دون إذن من أرباب عملهم اعتباراً من الأول من أغسطس/ آب 2009»، تبعتها الكويت التي ستلغي النظام نفسه بدءا من فبراير/ شباط 2011، ومن المتوقع أيضا أن تحذو قطر، كما جاء على لسان رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني «أنه تم تشكيل لجنة لدراسة هذا الموضوع، بحيث نخرج بقرار لا يضر العمالة، ولا يضر المواطنين في مسئولياتهم بالنسبة إلى نظام الكفيل».
بعيدا عن احتجاجات مؤسسات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية، التي كانت ترى في ذلك القانون إجحافا بحق العمال الأجانب العاملين في الخليج، حيث تقترب فيها مواد قانون الكفيل من تلك، كان معمولا بها في مراحل السخرة في الدول المتقدمة، فقد كان القانون يجرد العامل من أدنى الحقوق التي تبيحها له أبسط مواد قوانين العمل المتحضرة.
ومن الطبيعي، أن يثير إلغاء العمل بقانون الكفيل في دول مجلس التعاون الكثير من الاحتجاجات، كما جرى في البحرين، حيث طفت إلى السطح احتجاجات العديد من أرباب العمل الذين رأوا في ذلك الإلغاء تقوية للعامل في وجه رب العمل، ومن ثم حذروا، وفي أكثر من مناسبة خلال العام 2009، من احتمال أن يقود ذلك إلى فوضى تعم حركة اليد العاملة الأجنبية في الأسواق المحلية.
أولا لابد ان نعترف بأن صدور أي قانون جديد، والعمل به لاحقا، لابد ان يولد حالة من الإرباك الطبيعي في صفوف الفئات ذات العلاقة به، سواء المتضررة أو حتى المستفيدة. فالجديد، كقانون، يجلب معه ظواهر جديدة تبرر الجدل الذي يثار حوله. لكن تلك مرحلة، طالت ام قصرت، تبقى محدودة زمنيا، وينبغي أن تحاول القوى الاجتماعية ذات العلاقة أن تعمل سوية من أجل تجاوزها، وبأقل الخسائر الممكنة لطرفي تلك العلاقة.
وبالنسبة لنظام الكفيل، فمن الطبيعي، ومن المتوقع ان نشاهد حالات، ليست محدودة العدد في صفوف العمال الأجانب، ممن سيحاولون ان يذهبوا إلى الحد الأقصى، في حركة ستبدو وكأنها متهورة، من أجل تقليص «سطوة رب العمل إلى حدودها الدنيا»، انتقاما من رب العمل، أو في سياق سعيهم لتحسين شروط العمل التي تحكم العلاقات بينهم وبين أرباب اعمالهم.
مقابل ذلك من الطبيعي والمنطقي أيضا، أن نشاهد حركة متطرفة عكسية يقودها أرباب العمل، تحاول ان تعيد الأمور إلى سابق عهدها، إن أمكن، أو تقليص هوامش التعديلات، وفي صالحهم كي يأمنوا استمرار تمتعهم بأكبر قدر من السلطة.
وإذا كانت حجة الأوائل ان الظروف الحالية القائمة مجحفة بالعمال، ومن ثم فمن غير العدالة القبول بها، فإن حجة الآخرين (أرباب العمل)، أن إلغاء «قانون الكفيل» سيضع بيد العمل سلطة مطلقة تبيح لهم الانتقال من رب عمل إلى آخر، الأمر الذي يلحق أكبر الأذى (المادي والمعنوي)، شاء ذلك العامل أم أبى.
ليس هناك حل جاهز يمكن تقديمه هنا، لكن، وطالما أن الاتجاه السائد اليوم هو إلغاء «نظام الكفيل»، فلعل أفضل ما يمكن أن يقوم به «الكفيل» هو العمل من أجل التوصل إلى صيغ قانونية منطقية ومعاصرة، أسوة بدول متقدمة أخرى، تنظم العلاقة بين الطرفين، على أسس عادلة، تلغى فيها سمات السخرة التي كانت قائمة في «قانون الكفيل»، دون ان تجرد «الكفيل» من حقوقه العادلة أيضا.
ربما تبدو المعادلة صعبة ومعقدة، لكن مثل هذه الظواهر متوقعة وطبيعية، وينبغي ان تفرزها حركة أي مجتمع يطمح إلى التقدم نحو الأمام، ويعمل على الارتقاء بأداء اقتصاده، ومن ثم بالعلاقات التي تنظم سوق العمل في بلده. ومن هنا، وبدلا من أن يلجأ الطرفان، وكلاهما مخطئ هنا، إلى التمترس خلف خنادق متعادية، ربما من الأفضل لكليهما أن يعملا سوية وعلى نحو متكامل، من أجل صياغة نماذج عقود عمل تخاطب مختلف القطاعات، حيث لكل قطاع صناعي او خدماتي خصائصة التي تميزه عن سواه على أن تكون، لتلك العقود النموذجية المرونة الكافية التي تجعلها قادرة على تنظيم العلاقة المطلوبة التي تحفظ لسوق العمل ثباتها واستقرارها، وتؤمن للدولة تطورها ونموها.
وعلى من يتصدى لمثل هذه الخطوة الجريئة، ان يتجاوز القضايا الفردية، ولا يلتفت نحو المصالح الآنية، وبدلا عن ذلك، يلجأ إلى تعاون المؤسسات ذات العلاقة، مستفيدا في سعيه لتحقيق ذلك من نظرتها المستقبلية طويلة الأمد، ومن تجاربها المؤسساتية الغنية، القادرة على التأسيس لمنصة قوانين مترابطة تحقق التوازن، ومن ثم العلاقات العادلة، بين الأطراف جميعها: الدولة، أرباب العمل، واليد العاملة الأحنبية، دون إغفال فئة أخرى مهمة، وهي اليد العاملة المحلية، فهي بطبيعة الحال، وإن لم تكن علاقاتها بقانون الكفيل واضحة، لكنها ستكون من القوى المتأثرة بما ستؤول إليه العلاقات التي ستنظم سوق العمل.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3027 - الأحد 19 ديسمبر 2010م الموافق 13 محرم 1432هـ
عوفيت يا أستاذي الفاضل
كل ما يلزم لحفظ كافة حقوق العامل الأجنبي – و حتى المحلي- هو الأخذ بعين الإعتبار إنسانية هذا "المخلوق الإنساني".
مثلث متساوي الاضلاع
الحل ينبغي ان يتم بين غرفة التجارة ونقابة العمال ووزارة العمل، على ان لا يفرض من جهة واحدة. اما مثلث متساوي الاضلاع او، على الاقل، مثلث متساوي الساقين