تحتفل مملكة البحرين هذا العام بالعيد الوطني التاسع والثلاثين ومرور أحد عشر عاما على تولي جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، مقاليد الحكم بالبلاد، وفيما تمر الأيام والشهور والسنين، ويقف التاريخ شاهدا على العصر، ومسجلاً ما حققه ويحققه الملوك والزعماء لشعوبهم، تبرز مملكة البحرين شامخة في هذه الذكرى يملؤها العز والفخر بمليكها جلالة الملك، لما أرساه من دعائم الديمقراطية والحريات المدنية وحرية التعبير والاختيار، مؤسسا لمرحلة زاهرة مقبلة على درب الاصلاحات الديمقراطية والتحديث الشامل التي يقودها بكل حنكة واقتدار من خلال المشروع الإصلاحي الذي شكل دعامة أساسية لكل مشاريع التطور والنهضة في المملكة على كافة المستويات، منذ توليه مقاليد الحكم في العام 1999.
وهي الرؤية التي تمتد للمستقبل بعيد الامد من خلال استراتيجية البحرين (2030) والتي تضع توجهات ورؤى البحرين التنموية للمستقبل وفق خطة محكمة واستنادا على العدالة والتنافسية وتحقيق أكبر قدر من التنمية المتوافقة مع ما تشهده البلاد من تجربة ديمقراطية رائدة تحت قيادة جلالة الملك.
وكما هو معروف، فتتعدد أطر التواصل بين مصر ودول الخليج على كافة المستويات، غير أن العلاقات المصرية/ البحرينية تكتسب خصائص ومرتكزات خاصة تجعلها مثالاً يُحتذى به على الصعيدين الثنائي والمتعدد الأطراف. فتاريخ مصر الفرعوني والبحرين الدلموني يحفل بالعديد من المحطات المضيئة في شتى المجالات وعلى كافة الأصعدة أساسها التواصل والمحبة بين قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين والمصلحة العربية المشتركة مما جعلها نموذجا يحتذى به في العلاقات العربية، فضلا عن تنسيق المواقف وتطابق الرؤى في التعامل مع قضايا الأمتين العربية والإسلامية وذلك انطلاقا من علاقات الصداقة والأخوة الوطيدة التي تربط الرئيس محمد حسني مبارك وجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
وبينما لا يمكن لمصر ان تنسى مساهمات البحرين الفاعلة في مساندة المواقف المصرية في شتى المجالات على مر العصور، وخصوصاً إبان حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973. فإنها لا يمكن ان تنسى ان القيادة السياسية في مملكة البحرين كانت في مقدمة القيادات التي حرصت على متابعة الحالة الصحية للرئيس مبارك إبان إجرائه للجراحة في ألمانيا في شهر مارس/ آذار من هذا العام، والاطمئنان على تعافيه وتماثله للشفاء، وليس هناك دليل على عمق العلاقات الأخوية بين جلالة الملك حمد والرئيس مبارك خير من حجم زيارات جلالته لمصر. فقد قام خلال هذا العام فقط بثلاث زيارات، كان آخرها في 30/ 9، حيث بحث جلالته مع الرئيس حسني مبارك والمسئولين بجامعة الدول العربية الموضوعات المطروحة على جدول اعمال القمة العربية الاستثنائية التي عقدت في شهر أكتوبر الماضي في الجماهيرية العربية الليبية إضافة الى القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وعلى الجانب المصري، فمنذ اسبوعين فقط، كانت زيارة الرئيس حسني مبارك الى مملكة البحرين، كمسك ختام لجولته الخليجية التي شملت الامارات العربية المتحدة ودولة قطر، والتي صرح فيها الرئيس مبارك، أن الخليج العربي امتداد لأمن مصر، وأننا نحرص على تحقيق استقرار البحرين في إطار أمن الخليج، كما أطلع فيها الرئيس مبارك أخيه جلالة الملك على نتائج زيارته للامارات وقطر.
وفي ذات السياق، لا يمكن ان ننسى زيارة الدعم والمؤازرة التي قام بها الرئيس مبارك الى مملكة البحرين في 16 فبراير/ شباط من العام الماضي، والتي استغرقت عدة ساعات، كان الهدف منها تأكيد الدعم وإعلان التضامن مع مملكة البحرين أمام اي مساس باستقرارها وأمنها، حيث مثلت هذه الزيارة صورة من صور التلاحم القوي ودلالة بليغة على عمق العلاقات الأخوية والتاريخية بين البلدين الشقيقين.
ان العلاقات المصرية - البحرينية برعاية القيادتين الكريمتين تتشعب وتتعدد دوائرها على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي والاعلامي.
تنطلق مصر والبحرين من رؤية موحدة إزاء قضايا المنطقة، حيث يشددان على ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل والتعامل في هذه القضية وفق معايير موحدة تطبق على الجميع دون استثناء كما يدعمان نضال الشعب الفلسطيني المشروع من أجل إنهاء الاحتلال وإقامة دولته المستقلة ويعملان بشكل دؤوب من أجل الحفاظ على سيادة العراق واستقلاله السياسي وعروبته ووحدة وسلامة أراضيه كما يدعمان الجهود المبذولة من أجل تهدئة الأمور في إقليم دارفور وحث المجتمع الدولي على تقديم الدعم المطلوب لحكومة السودان لتعزيز قدرتها على مواجهة الأوضاع في الإقليم.
وعلى صعيد التعاون بين البلدين، تأتي دورية انعقاد اللجنة المصرية - البحرينية المشتركة، بالتناوب بين عاصمتي الدولتين، حيث تعقد دورتها التاسعة في شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري على مستوى وزيري خارجية البلدين، بالاضافة الى وجود لجان أمنية وعسكرية مشتركة بين البلدين.
وقد تجسدت الجهود المخلصة والصادقة من قبل جلالة الملك لدعم العلاقات الثنائية بين البلدين، وحرص جلالته الكبير على الدفع بها الى آفاق غير محدودة، من خلال تفضل جلالته بمنح قطعة ارض لبناء مركز تجاري دائم للمنتجات المصرية بالبحرين، وذلك خلال لقائه العام الماضي بوزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط، على هامش انعقاد اللجنة المصرية - البحرينية المشتركة بالبحرين.
كما أن مصر والبحرين ترتبطان حاليا بست اتفاقيات و14 مذكرة تفاهم و6 برامج تنفيذية للتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاعلامية والثقافية والتعليمية والسياحية والصحية والزراعية والعمالية والقضائية والبيئية وسوق المال فضلا عن بروتوكول للتعاون في مجالي النقل الجوي والطرق والجسور.
يتخذ التعاون الاقتصادي بين مصر والبحرين أشكالاً متعددة ومتنوعة تشمل تقريباً جميع أوجه النشاطات التجارية والاستثمارية والتنموية والسياحية، كما تشهد حركة التبادل التجاري بين البلدين نمواً متزايداً، حيث بلغ حجم التجارة البينية بين مصر والبحرين أكثر من 100 مليون دولار العام 2009، وبلغت الصادرات المصرية للبحرين 26 مليون دولار، (يناير/ كانون الثاني - أغسطس/ آب 2010)، كما بلغت قيمة الصادرات البحرينية لمصر 43 مليون دولار (حتى نهاية أغسطس 2010) كما ارتفعت قيمة الاستثمارات البحرينية في مصر إلى ما يزيد عن 1.7 مليار دولار، ومازالت الجهود مستمرة على الجانبين لزيادة تلك الأرقام بما يتماشى مع مستوى العلاقات بين البلدين الشقيقين.
تسعى مصر دائما لمد جسور التعاون الثقافي والتواصل الفكري مع البحرين، ولم تدخر وسعا بأن تنقل الخبرة المصرية في توثيق التراث الحضاري والثقافي من خلال بروتوكول تعاون وقع بين البلدين للعناية بالتراث الحضاري العربي والاسلامي والثقافي بين مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع لمكتبة الاسكندرية ومركز الشيخ عيسى الثقافي بالبحرين، كما ترحب مصر دائما بإرسال عدد من الخبراء المصريين للمساهمة في مجالات التنمية التي تشهدها البحرين في كافة المجالات.
وفيما يتعلق بالتعاون الإعلامي بين البلدين، فقد تم التوقيع على البرنامج التنفيذي للتعاون بين وزارة الإعلام المصرية ووزارة الثقافة والإعلام بمملكة البحرين للفترة من (2009 - 2011)، بهدف تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الإذاعة والتلفزيون، التدريب والتأهيل الإعلامي، إلى جانب تشكيل لجنة إعلامية مشتركة، فضلا عن توقيع بروتوكول للتعاون الاعلامي بين الهيئة العامة للاستعلامات في مصر ووزارة الثقافة والاعلام البحرينية في ديسمبر 2009 للتعاون في مجال الإعلام الداخلي والتنمية المجتمعية، وتبادل الخبرات والمعلومات في مجال الاعلام الخارجي وخدمات المراسلين.
هذا وتحافظ مملكة البحرين في علاقاتها على المستوى الدولي ثنائياً أو في الاطار متعدد الاطراف على سياسة المهادنة وتحقيق المصالح المشتركة، خصوصا مع القوى الصديقة على الساحة الدولية، فالتعاون القائم بين البحرين والولايات المتحدة، يتبلور في تفعيل اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، والاستفادة من الخبرات الامنية والعسكرية الأميركية في تحقيق أمن الخليج، هذا فضلا عن التعاون الثنائي بين البحرين وعدد من القوى الغربية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا في الميادين السياسية والاقتصادية والأمنية وهو توجه سياسي يمليه اعتبار البحرين العمق الاستراتيجي لهذه القوى، وليس ثمة شك، فإن هذه السياسات البحرينية الحكيمة تنعكس أيضا على الاطار متعدد الأطراف، من خلال سعيها المستمر لتعزيز ديمقراطية العلاقات الدولية وتعزيز دور المملكة في القضايا الفاعلة داخل وخارج الأمم المتحدة، ناهيك عن القيام بدور الدولة الصغيرة ذات الامكانيات الكبيرة والتي تلعب دورا فاعلا في شتى تعاملاتها المتعددة الأطراف وتتبوأ مكانة متميزة على الساحة الدولية، وما من دليل على ذلك مثل رئاستها للجمعية العامة خلال العام 2005/ 2006 وعضويتها مرتين بمجلس حقوق الانسان.
يتواصل كل ما تقدم، مع الرؤى التعاقدية المتمثلة في تصديق مملكة البحرين على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مما كان له أكبر الأثر في اللحاق بالركب الحضاري وتهيئة المملكة لعلاقات تجارية خارجية بشكل أوسع ويسير في الطريق الصحيح وينسجم مع التوجهات الدولية، وخصوصا في مجال نزع السلاح والبروتوكولات الاضافية.
إنني أجد نفسي في نهاية المطاف أمام نظام سياسي فريد وتجربة ديمقراطية رائدة في المنطقة برعاية جلالة الملك، اعتمدت على سياسة التوازن والحفاظ على الثوابت والمبادئ في بلورة المواقف الداعية إلى تحقيق التضامن العربي والاسلامي، ولهذه السياسة دور كبير في حفظ أمن واستقرار البلاد... فمبارك لنا البحرين، وحمداً للبحرين مليكها.
إقرأ أيضا لـ "محمد أشرف حربي"العدد 3023 - الأربعاء 15 ديسمبر 2010م الموافق 09 محرم 1432هـ