أنهى أمس منتدى «حوار المنامة» أعماله في البحرين، وتبدأ اليوم في جنيف قمة مجموعة 5 + 1 مع إيران لبحث تحريك الملف النووي. وتتصادف قمة جنيف مع بدء أعمال دول مجلس التعاون الخليجي في أبوظبي التي ستناقش ملفات السياسة الخارجية والشئون الاقتصادية (الربط الكهربائي والتعاون التجاري) والتعاون الأمني والشئون العسكرية وأوضاع اليمن والسودان وفلسطين والعراق ولبنان والعلاقة مع إيران وغيرها من نقاط عالقة من بينها الاتحاد الجمركي والعملة الموحدة ومسألة الجزر الإماراتية الثلاث.
اللقاءات الثلاثة مترابطة في الجوهر لكونها تتطرق إلى قضايا متداخلة يصعب فصل جانبها السياسي عن الاقتصادي والثقافي عن الأمني. منتدى المنامة مثلاً توصل إلى طرح صيغة تسوية بشأن الموضوع النووي من خلال تعويم فكرة «إنشاء بنك للوقود النووي». وهذه الفكرة التسووية التي دعمتها إيران وتركيا والبحرين تقاطعت مع الاقتراح الذي وافقت الوكالة الذرية خلال اجتماعها في فيينا عليه بإنشاء «بنك للوقود النووي» ليشكل ذلك الملاذ الآمن للحد من مخاطر انتشار الأسلحة النووية.
فكرة «البنك النووي» أميركية وهي جاءت بناء على اقتراح واشنطن بتأسيسه بكلفة 150 مليون دولار حتى يعطى صلاحيات للإشراف على هذا الملف الحيوي بغية تجنب انحرافه باتجاه غير سلمي. وهذه الفكرة التي وافق عليها 28 من أعضاء مجلس حكام الوكالة الذرية يرجح أن تكون مدار بحث مع الجانب الإيراني خلال مفاوضات مجموعة 5 + 1 التي تنهي أعمالها غداً في جنيف.
الملف النووي وما يتفرع عنه من حقول تتصل بالأمن والاستقرار وتوازن القوة يشكل قاعدة الربط بين منتدى المنامة ولقاء فيينا ومفاوضات جنيف وقمة دول الخليج في أبوظبي. والاتفاق على فكرة «البنك النووي» يمكن أن يشكل المخرج العملي الذي يرضي كل الأطراف ويعطي ذريعة للتوصل إلى صيغة تضع دول منطقة الخليج مجتمعة في دائرة الاستقرار.
إيران التي وافقت على الفكرة مبدئياً يمكن أن تستفيد منها لرفع الحصار عن مشروعها النووي وإعادة فتح قنوات الاتصال مع الغرب لتأمين البدائل وتعويض الخسائر وضمان استمرار برنامجها السلمي من دون اصطدام مع الوكالة الذرية. ودول الخليج العربية التي دعمت الفكرة مبدئياً يمكن أن تستند على مشروع «البنك النووي» لتأمين حاجاتها للطاقة في المستقبل من دون خوف على خطة التنمية المستدامة واحتمال تعرضها لمخاطر أمنية تزعزع استقرار المنطقة. وأميركا التي تستعد لمواجهة تداعيات ما بعد التموضع وإعادة الانتشار العسكري قد تستخدم الفكرة خطة عمل مبرمجة تضمن لها عدم انهيار منظومة العلاقات الإقليمية في حال تعرضت دول المنطقة إلى الاختراق. كذلك تستطيع دول أوروبا الغربية الاستفادة من فكرة البنك باتجاه إعادة توظيفها في خدمة مشروعات مدنية تخطط القيام بها بالتعاون مع دول المنطقة. والفكرة أيضاً تعتبر مريحة للجانب الروسي - الصيني. موسكو يمكن أن توظفها لتقوم بمهمة الوكيل الدولي الذي يشرف على تأمين حركة مرور الوقود النووي (شراء وبيع) من دون حاجة لرخصة أميركية - أوروبية. وبيجين يمكن أن تعتمد عليها لإعادة فتح قنوات الاتصال مع طهران لتلعب دور الوسيط التجاري النفطي على مستوى التنقيب والتسويق.
فكرة «البنك النووي» مهمة بوصفها متعددة الوظائف وتلبي احتياجات الأطراف المتعارضة دفعة واحدة لكونها تشكل تغطية سياسية (معنوية) لمختلف الفرقاء في دائرة استراتيجية خطيرة للغاية. ولكن الفكرة الذكية لاتزال في بدايتها وقيد الدرس وتحتاج لبلورتها موافقات نهائية على خطتها وموازنتها وبرامج أعمالها وآليات تحدد صلاحيات الجهات المشرفة على تحديد المتطلبات وسرعة تلبيتها. كذلك تحتاج الفكرة إلى دفتر شروط تتعلق أوراقه بتلك البنود والمواد القانونية التي تلزم الأطراف القبول بها من دون قيود أو حواجز.
فكرة البنك في حد ذاتها يمكن وضعها على مستوى اتفاق إطاري يمهد الطريق لاحقاً إلى توسيع دائرة التفاوض بين إيران ومجموعة 5 + 1 وإدخال دول مجلس التعاون الخليجي بوصفها الطرف المعني مباشرة بالموضوع النووي واحتمال ضبطه تحت سقف دولي يشرف على تقنين جوانبه السلمية ومنع انزلاق مشروعات الطاقة نحو سباق تسلح إقليمي. دخول دول الخليج العربية إلى خط التفاوض مسألة ضرورية إضافة إلى كونها منطقية لأن المنطقة الخليجية هي معنية أكثر من غيرها بمسار المتغيرات سواء توصلت مجموعة 5 + 1 إلى تفاهمات مع طهران أو فشلت في التوصل. فالتفاوض في النهاية يتميز بصفة دولية - إقليمية ويشمل مجموعة ملفات من بينها موضوع النفط والأمن والاستقرار وحماية مصادر الطاقة وضمان الحدود إلى جانب الحرص على استمرار التنمية. وكل هذه الملفات متصلة الحلقات وتلتقي على سلسلة من الحقول المترابطة بما فيها تلك القضايا السياسية الحساسة التي تتعلق بالتوتر الساخن في قوس الأزمات من أفغانستان إلى العراق.
انتقال دول الخليج العربية من موقع المحايد أو المتفرج أو المراقب إلى لعب دور الشريك والمتابع لكل مجريات الأمور يعتبر من المطالب المهمة التي جاء على ذكر بعض عناوينها منتدى «حوار المنامة». فالشراكة العربية في سياق معالجة تطوير المنظومة الإقليمية ليست تطفلاً وإنما تعتبر من حقوق الجغرافيا السياسية في الخليج لكون دول المنطقة تشكل ركيزة نفطية - مالية تعتمد الكثير من الدول عليها لضمان الاستقرار النقدي. وهذا الموقع الافتراضي يمكن تطويره ليتحول إلى دائرة الشراكة الإقليمية الفعلية التي تتطلب مرجعيات محلية لا غنى عنها للدول الكبرى وما تمثله من مظلة دولية تحرص على عدم التفريط بها في مرحلة إعادة الانتشار والتموضع.
فكرة «بنك الوقود» ربما تشكل مناسبة دولية - إقليمية لإعادة طرح موضوع حق دول الخليج في لعب دور الشريك الذي يتابع مباشرة حركة الاتصالات والمفاوضات التي تعقد دورياً على هامش المتن من دون أن تكون المنطقة شاهدة على مجرى آليات التحول في المنظومة الإقليمية ومظلتها الدولية.
أمس أنهى منتدى حوار المنامة أعماله واليوم تبدأ مفاوضات جنيف بين إيران ومجموعة 5 + 1 التي تتصادف مع بدء قمة أبوظبي أعمالها. واللقاءات الثلاثة مترابطة في الجوهر لأنها تتصل مجتمعة أو منفردة بملفات مهمة تبدأ بالطاقة والأمن والتنمية وتنتهي بإعادة هيكلة منظومة العلاقات الإقليمية بناء على فكرة «بنك» لاتزال قيد الدرس ولكنها تشكل المخرج الذي يضمن توازن القوة ويفرض على الدول الكبرى احترام المصالح وعدم التفريط بحقوق الدول التي تطل مجتمعة على الخليج.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 3013 - الأحد 05 ديسمبر 2010م الموافق 29 ذي الحجة 1431هـ
يا حبذا
كم نتمنى فعلاً لو تنتقل دول الخليج العربية من موقع المحايد أو المتفرج أو المراقب إلى لعب دور الشريك والمتابع.