العدد 3012 - السبت 04 ديسمبر 2010م الموافق 28 ذي الحجة 1431هـ

أين القاهرة التي كنت أعرفها؟

سلوى المؤيد comments [at] alwasatnews.com

.

أول ما يفاجئك عندما تدخل مدينة القاهرة الازدحام الشديد في شوارعها الواسعة... وعدم التزام السيارات النظام في سيرها... فيتدافع السائقون بسياراتهم خارج مسارهم للوصول إلى أهدافهم... ما يضاعف من الإحساس بالإرهاق العصبي لدى الناس بسبب هذه الفوضى المرورية...

أما المواصلات العامة التي كانت وسيلة الطبقة المحدودة في التنقل فقد أصبحت سيئة وغير منتظمة في أوقات وصولها ما حدا بالناس إلى ركوب باصات صغيرة خاصة تسمى «الميكروباص» فتراها منتشرة في شوارع مصر مكدسة بالأشخاص. ينزل فيها الناس من محطة إلى محطة... وعليهم أن يدفعوا جنيهاً ونصفاً في كل محطة للركوب في ميكروباص آخر... وبعض الموظفين يحتاجون للذهاب إلى أعمالهم ركوب ثلاثة باصات يومياً.

لنتصور إذاً معاناة هؤلاء وسط هذا الزحام الذي لا يطاق... وهم بحاجة إلى العمل في أكثر من وظيفة لكي يواجهوا غلاء المعيشة المتزايد مع انخفاض الرواتب... يكفي أن نعلم أن خريج كلية الطب يحصل على راتب في بداية تخرجه يبلغ 600 جنيه مصري  شهريا (40 دينار بحريني شهريا)... ماذا يكفي هذا المبلغ الضئيل في مواجهة ارتفاع الأسعار المتزايد في مصر...؟ هذا يعني أن يعمل هذا الطبيب في مستشفى خاص إلى جانب عمله في المستشفى الحكومي.

هذا بالنسبة للطبيب، أما أي خريج لكلية أدبية يعمل في الحكومة فإن راتبه لا يزيد عن جنيه... كيف يعيش الموظفون في هذا المجتمع الذي انتشر فيه الفقر والبؤس بشكل مهول يصل إلى في المئة من سكانه ح سب ما قرأته في إحدى الجرائد المصرية؟

ومن المؤسف اختفاء الطبقة المتوسطة تدريجياً بسبب غلاء المعيشة المتزايد الذي أصبح لا يكفي متطلبات حياتهم الأساسية...

إن ما ألاحظه في مصر طبقة واسعة جداً من الفقراء والمعدمين إلى جانب تدهور الطبقة المتوسطة لتلحق بالطبقة الأقل من المتوسطة والأقرب إلى الفقر... والطبقة الثرية هي طبقة رجال الأعمال الصغار والكبار والكبار جداً.

إن تدهور الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مصر أمر لا يتناسب مع ما تتمتع به من ثروات متعددة... فهي تملك النفط والمعادن والزراعة... إلى جانب السياحة وثلثي آثار العالم ودخل قناة السويس... إلى جانب طقسها الجميل الجاف في معظم أيام السنة.

فأين يذهب دخل مصر الاقتصادي؟... لماذا لا تضع الحكومة خطط إسكانية واقتصادية واجتماعية وتعليمية للنهوض بهذا الشعب الطيب المسالم المرحب بضيوفه بروحه البشوشة.

إن مصر تملك المقومات الاقتصادية والثقافية لتكون دولة متقدمة... فماذا يحدث الآن ونحن نراها تتراجع حضارياً إلى الوراء بدل أن تسير إلى الأمام؟

صحف المعارضة تؤكد أن سبب ذلك يعود إلى عدم وجود الديمقراطية في هذه الدولة... وعدم إرساء نظام المؤسسات... وانتشار الرشوة والفساد والبيرقراطية في الإدارات الحكومية.

إن ما يؤلمني حقاً كعربية تزور مصر كثيراً لحبي لها، أن أرى تدهور السلوك الأخلاقي اليومي للمواطنين بشكل عام... وكأنهم يعيشون في حالة فوضى نفسية وأخلاقية سببها عدم تواجد قانون يطبق على الجميع بطريقة عادلة... كما أن عموم المواطنين أصبحوا في حالة شديدة من التوتر اليومي إلى درجة يضرب بعضهم بعض لأتفه الأسباب.

أحد الأشخاص المحترمين قال لي عن تجربة مر بها وآلمته كثيراً... عندما رأى أربعة أشخاص خرجوا من الميكروباص وأخذوا يضربوا بوحشية صاحب سيارة خاصة لأنهم اعتقدوا أن سيارته اصطدمت بسيارتهم... ربما دون أن يقصد... ولم ينقذه من مصيره السيئ إلا وجود هذا الشخص الشجاع الذي صرخ فيهم بأعلى صوته... فهربوا تاركين هذا المواطن مربوطاً والمؤسف أن الناس كانت تشاهد المنظر دون أن يتدخلوا لإنقاذ هذا المواطن المسكين عندما انهار باكياً بعد أن فك رباطه هذا الشخص... فهل هذا سلوك لأشخاص مرتاحين؟ أم أنه التوتر والتعب النفسي المستمر ونتائجه السلبية الذي نتج عنها زيادة جرائم القتل الناجمة عن الغضب في مصر في السنوات الأخيرة.

لم ألحظ هذه الأمور بالمقدار الذي لاحظته هذه المرة في زيارتي لمصر... لم تعد الابتسامة وإطلاق النكات التي تعتبر من مميزات الشخصية المصرية متواجدة... أرى وجوه مرهقة من تدهور الخدمات العامة لهم... حتى حي الزمالك الذي كان من

أرقى المناطق السكنية في مصر... أصبحت شوارعه قذرة بشكل يملأ النفس بالألم والحسرة على ما وصل إليه هذا الحي الذي كان راقياً ومثالاً في النظافة.

لقد درست في مصر أربع سنوات وشهدتها نهاية الستينيات وبداية السبعينيات... وكانت الحياة ممتعة بها... لم يكن هناك زحام بهذا الشكل... ولم تهمل نظافة القاهرة كما رأيتها في آخر زيارة لي إليها... كان ينبغي على الدولة أن تقوم ببناء جسور وشوارع أكثر خلال السنوات الماضية لتفادي ازدحام السيارات الشديد في الشوارع... أو أن تقوم بتحديد عدد السيارات لكل أسرة بما تحتمله شوارع مصر الحالية... لقد استغرقت ساعتين ونصفاً للوصول إلى مصر الجديدة من مدينة 6 أكتوبر... بينما كنت أصل إليها من قبل في ساعة إلا ربع عندما كانت الشوارع متوسطة الازدحام... لا أدري كيف سيحل المسئولون هذه الأزمة الشديدة؟ لكن من الضروري حلها وحل مشاكل النظافة وتطبيق القانون في الشوارع مع توفير مواقف للسيارات من خلال المباني القديمة، حيث يتم تحويلها بعد هدمها وبنائها من جديد كمواقف للسيارات... لكي تخفف من زحام السيارات الواقفة في هذه الأحياء... فيرتاح المصريون وغيرهم من المقيمين بها ويخف الضغط اليومي على أعصابهم.

وأخيراً كمواطنة عربية محبة لمصر أرى أن مدينة القاهرة بحاجة إلى رعاية كاملة من المسئولين لتكون مدينة راقية مثل المدن الأوروبية والخليجية لكي يقبل السياح على زيارتها... ويستطيع سكانها قضاء شئونهم اليومية دون إرهاق وتوتر.

إن مصر لديها الكثير من الثروات وكل ما أتمناه أن يضع المسئولون بها خطة قومية لعشرين سنة قادمة من أجل تطويرها في جميع المجالات... والاهتمام بنظافتها وتدريب المواطنين عن أهمية النظافة وإنها من أوائل ما يدعو إليه الدين الإسلامي، حيث اعتبرها الله سبحانه بأنها علامة على الإيمان... لا أداء الفروض الخمسة فقط... مع التخلص من الروتين والبطء في الإجراءات الحكومية التي لا تشجع من يريد الاستثمار في مصر... وتطوير الرواتب بأسلوب يتناسب مع أسعارها الحالية... ليكون المواطن مطمئناً مرتاح النفس لحاضره ومستقبله

إقرأ أيضا لـ "سلوى المؤيد"

العدد 3012 - السبت 04 ديسمبر 2010م الموافق 28 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 12:53 م

      مصر

      تستحق أفضل من حكومة حسني مبارك

    • زائر 7 | 11:22 ص

      البحرين ايضا يا اخت سلوى

      ليست فقط القاهرة التى تغيرت فيها الوجوه المصرية الطيبة والمرحه التى عرفناها ببشاشتها وخفة دمها ولكن حتى بلدنا يا اخت سلوى اصبحنا لا نرى فيها الا وجوه عابسه ومتجهمة ومتوتره لما حل بها من دمار ديموغرافى واجتماعى وبيئى وتسلط وسلب حقوق مادمنا سائرين على خطى الاستشارة المصرية

    • مواطن مستضعف | 7:51 ص

      إجابات سريعة!!

      بسم الله الرحمن الرحيم
      عوفيتِ يا أخت "سلوى"
      و لتأذني لي بالإجابة على تساؤلاتك:
      -أين يذهب دخل مصر و(البحرين) الإقتصادي؟
      -الجواب: في جيوب المترفين و المتنفذين.

      لماذا لا تضع الحكومة (المصرية/البحرينية) خطط اسكانية واقتصادية واجتماعية وتعليمية للنهوض بهذا الشعب .....
      -الجواب: لأنها لو فعلت ذلك, فسيعيش الشعب باستقرار و أمان واطمئنان, و سينمو و ينتج و ينجز الكثير, و ذاك لعمركِ هو أسوأ ما تمقته الحكومة.

    • زائر 6 | 7:48 ص

      تحضر

      "تدريب المواطنين على النظافة" جملة تكشف جل ما شاهدته الكاتبة. النظافة جزء من التحضر في بلدان العالم و الله آه على أفلام مصر القديمة

    • عبدالعزيزالقادم | 7:20 ص

      لدي الجواب سيدتي .... (2)

      وبعد ذلك كله الوقوف بين يدي المنتقم الجبار لكل من ظلم وقصر وتكبر وتجبر .. ارأيتي كيف أنهم أغبياء لايرون ابعد من طرف انوفهم الا ترين انهم خسروا الدنيا وخسروا الآخره وهل بعد ذلك غباء اكثر واثري وأكبر منه .. وللعلم فهذه النوعيه من البشر حتي اهلهم واقرب الناس لهم سينسونهم ولن يترحموا عليهم ويتمتعوا بما جمعه بغباءه لغيره وهو حينها يعيش في قبرة تحت لعنة السماء ولعنة أهل الأرض ... ليس هناك مبالغه فيما ذكرت فملايين البشر تعاني وتبكي وتتألم وتموت بفضل بركة وجهد وقذارة الأغبياء .

    • عبدالعزيزالقادم | 7:19 ص

      لدي الجواب سيدتي .... (1)

      إذ كان المسئول والمسئولين معه لايرون أبعد من مقدمة إنوفهم فكيف تطمحين وتحلقين بعالم الخيال والأماني مع هذه الفئه الصغيره صغر أرنبة إنوفهم وأعني بالصغر صغر المقام والقدر والقيمه والإنتماء والأمانه والعقل والوعي والنضج والرجوله وكل ماله علاقه بالرجال كالرجال الذي صنعوا اوطانهم والرجال الذين صنعوا التاريخ .. هذه الفئه لايرون ابعد من طرف انوفهم لأنهم ذاتيين لايهمهم وطن ولا أرض والهم كله للمنصب والنفوذ والرصيد ونماءه هنا وهناااك .. التاريخ لن يرحمهم والناس لن ترحمهم والقبر لارحمة فيه لغاش لرعيته ..

    • زائر 5 | 12:34 ص

      البحرين في طريقها الى شرب الكأس نفسه الذي شربه اخواننا المصريين

      في التسعينات الواحد نا يقطع الطريق من المحرق الى الدراز في 10 دقائق فقط ولا ابالغ الآن في ساعة الى ساعة وربع ، نحن في دولة خليجية لا تكبر حي من احياء مصر او كما قال السادات دول الخليج كشك من مصر او الهند ،كيف وصل الحال بنا الآن ؟ خلال عقد من الزمان فكيف بنا 2030 ؟؟ فهل اعددنا شىء للمسقبل ؟؟ لو من حال الى اسوء !!؟ وهذه الايام بيننا ، والطبقة المتوسطة في البحرين تقلصت وربما انتهت ،لانه تحول الكثير منا مثل اخواننا المصريين الى الشقق لانه لا يمكنه بناء بيت

    • زائر 4 | 11:23 م

      أين البحرين التي كنت أعرفها؟

      يبدو لي من المؤشرات الحالية لنا في البحرين بأننا نسير في هذا الاتجاه يؤدي لنرى البخرين كالقاهره حاليا".. أتمنى أن لا يكون ذلك.. حتى لا يجيء كاتب بعد عقد من الزمان ويقول " أين البحرين التي كنت أعرفها؟ "..

    • زائر 3 | 10:53 م

      فاعتبروا .. يا أولي ....!

      أتمنى أن يقرأ (بعض) الأطباء و المدرسين المصريين لدينا في البحرين هذا المقال، هؤلاء الذين تجدهم نقشوا ريشهم و صار يتكلمون معنا من طرف انوفهم بل ان الطبيب منهم لا يكلف نفسه ان يتحرك من كرسيه لفحص مريض بل عندما تذهب له يخاطبك دون ان ينظر اليك بل يتشاغل بورقة او ملف او النظر الى الجدار وكأنك لا تستحق حتى اهتمام نظرته! والغريب انهم يتذمرون و يشتكون.. ناسين ومتناسين انهم لو بقوا في مصر لكان حالهم كحال هؤلاء الذين تكلمت عنهم السيدة الكاتبة.. أعود وأقول (بعض) هؤلاء .. رغم ان البعض كثير!!.

    • زائر 2 | 10:35 م

      جيل مبارك

      ان شاء الله الجيل المبارك الثاني يضع الخطط القومية ذات الخمسين عام في جميع المجالات

    • زائر 1 | 10:29 م

      الشرم

      روحي شرم الشيخ ...

اقرأ ايضاً