العدد 3011 - الجمعة 03 ديسمبر 2010م الموافق 27 ذي الحجة 1431هـ

بركان شحة المياه اليمني

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سوف تتجه أنظار عشاق الكرة الخليجية نحو صنعاء لمتابعة المباراة النهائية بين الكويت والسعودية بعد تأهل الأولى إثر فوزها على العراق، بركلات الترجيح، وفوز الثانية على فريق الإمارات واحد - صفر. المتابعون لوقائع دورة خليجي 20، والمشاركون فيها، لم يكونوا يخشون شيئاً على تلك الدورة سوى هجمات مباغتة يشنها تنظيم «القاعدة»، كي يفسد أجواءها. وسط لجة الرغبة في النجاح، والخوف من «القاعدة»، تناسى الجميع، بمن فيهم اليمنيون أنفسهم، أن مبارياتهم تقام فوق بركان خامد يهدد بانفجار أزمة مياه حادة ومتفاقمة تحاول الدولة اليمنية أن تتصدى لها منذ عقود. فالكل عارف بأزمة المياه في اليمن، وتحديداً صنعاء، هذه المدينة التي لاتكف عن منافسة دمشق في كونها أقدم مدينة مأهولة في العالم إذ يتجاوز عمرها، وفقاً لتقديرات الخبراء، 2500 عام، لكنها أيضا شحيحة بمصادر مياهها، مكتظة بعدد سكانها.

وتشكل شحة المياه والنقص في تعويض المهدور، أو حتى المستخدم أكثر الأزمات حضوراً، والأشد تعقيداً بين تلك التي تواجه البلاد. فكما تقول العديد من الدراسات المستقلة، لا تتعدى «حصة الشخص الواحد من المياه سنوياً 2 في المئة من المتوسط العالمي، ومن المتوقع أن تصبح صنعاء أول عاصمة في العالم تواجه نفاد المياه». وهذه المشكلة ليست بالطارئة على اليمن، وتعود جذور العمل من أجل السيطرة على موارد المياه من أجل التخفيف من حدتها، حسب المستشار بالشركة التقنية الألمانية غيرهارد ليختنتايلر «إلى سبعينيات القرن الماضي».

وتمارس الاستخدامات السيئة لمصادر المياه دورها في مفاقمة تلك الأزمة، وقد أشار إلى ذلك تقرير أصدر البنك الدولي في العام 2003 حذر فيه من احتمالات تفاقم أزمة المياه في اليمن، جراء الاستخدامات السيئة للمياه المتوافرة، إذ تصل «النسبة المهدورة من المياه إلى ما لا يقل عن 40 في المئة.». وتؤدي شحة المياه وسوء إدارتها، إلى تلوث نسبة عالية منها، وقد نقل تقرير آخر صدر في العام ذاته، انعكاسات ذلك التلوث الناجم عن الهدر على انتشار الكثير من الأمراض الوبائية، إذ إن «75 في المئة من السكان مهددون بالإصابة بأمراض منقولة عن طريق المياه تتسبب في وفاة 55,000 طفل سنوياً. كما أن ثلاثة ملايين شخص من سكان البلاد البالغ عددهم 21 مليون نسمة مصابون بالتهاب الكبد نتيجة استهلاك مياه غير نظيفة».

ولا يخفي المسئولون في اليمن مخاوفهم التي تثيرها مشكلة شحة المياه في البلاد، ووقوفهم عاجزين عن إمكانية التوصل إلى حلول بشأنها، فنجد باحثاً من مستوى الخبير في علم الطبوغرافيا، وأحد العاملين في وزارة الزراعة والري في اليمن خليل المقطري يؤكد على أن «الوضع المائي في البلاد تدهور بسبب عدم وجود استراتيجية فعالة تنظم هذه المسألة، مضيفاً بأن «كمية المياه المستهلكة سنوياً تصل إلى 3.5 مليارات متر مكعب، 93 في المئة منها تصرف في الزراعة و6 في المئة في الاستهلاك المنزلي و1 في المئة في الصناعة. وتبلغ كمية المياه العذبة المتجددة 2.5 مليار متر مكعب سنوياً وبذلك تكون الفجوة بين المياه المستهلكة والمياه العذبة المتجددة مليار متر مكعب سنوياً، وبالتالي فاليمن سيحتاج إلى 4.6 مليارات متر مكعب بحلول العام 2025 عندما يكون عدد سكان البلاد قد تضاعف، محذراً من «أن معدل استهلاك الفرد من المياه في اليمن يصل إلى 125 متراً مكعب في العام ومن المتوقع أن ينخفض إلى 62.5 متراً مكعب بحلول العام 2025، مضيفاً أن معدل استهلاك الفرد من المياه عالمياً يصل إلى 1500 متر مكعب سنوياً». وتشير الكثير من الدراسات إلى «أن كمية المياه الجوفية التي يتم سحبها سنويا تصل إلى 3.5 مليارات متر مكعب. بينما قدرت كمية المياه المتجددة بـ2.5 مليار متر مكعب».

وللعلم فإن اليمن تقع ضمن «قائمة الدول الأربع الأشد فقرا في الموارد المائية على مستوى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعالم» . ويعتبرها البنك الدولي «كإحدى أفقر دول العالم مائياً»، رغم كل مساعي الدولة للخروج من هذه الأزمة المحدقة بالمواطن والخطط التنموية على حد سواء. فقد وضعت الدولة استراتيجية وطنية لحل مشكلات المياه يتم تنفيذها على مرحلتين :الأولى، هي خطة خمسية 2005-2009 ، والتي تركز على رفع قدرات العاملين في قطاع المياه، والثانية 2010- 2015 «.

وترى وزارة التخطيط والتنمية في «الرؤية الاستراتيجية لليمن حتى عام 2025»، بأن « المخزون المائي الجوفي المتاح في كل الأحواض بما يقارب (20) بليون متر مكعب، وطبقاً لمعدل الاستهلاك الحالي فإن اليمن سيستنزف نحو 12.02 بليون متر مكعب في العام 2010، وهو ما يؤدي إلى أن المخزون لن يكون كافياً إلا لسنوات قليلة».

في الوقت ذاته، يرى تقرير حديث أصدرته منظمة الأغذية والزراعة العالمية «الفاو» قال إن متوسط حصّة الفرد في اليمن من المياه المتجددة في اليمن تبلغ نحو 150 متراً مكعباً في السنة فقط مشيرة إلى أن هذه الحصة لا تمثل سوى 10 في المئة مما يحصل عليه الفرد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والبالغة 1250 متراً مكعباً بينما المتوسط العالمي لحصة الفرد من المياه 7500 متر مكعب أي نحو 2 في المئة لحصة الفرد في اليمن».

ويفيد تقرير جديد، صدر مؤخراً ويحمل عنوان «تحت الضغط: الصراع الاجتماعي العنيف على الأرض والمياه في اليمن»، بأن «العنف الدائر في اليمن نتيجة الصراع على الأرض وموارد المياه الشحيحة يحصد أرواحاً أكثر مما يحصده التمرد و (الإرهاب) والحركات الانفصالية مجتمعة»، في إشارة إلى الحرب القائمة بين الدولة والقبائل الحوثية.

كما سبقت الإشارة تنام صنعاء اليوم فوق فوهة بركان شحة المياه الخامد، لكنه القابل للانفجار في أية لحظة، وبخلاف البراكين التقليدية، فإن بركان المياه، عندما ينفجر، تصبح إمكانات التحكم في حركته وتجاهها في غاية الصعوبة، وقد يؤدي إلى انفجارات اجتماعية وسياسية كما أشارت بعض التقارير.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3011 - الجمعة 03 ديسمبر 2010م الموافق 27 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:57 م

      أحسنتم

      مقالات جيدة.. ولكن حبذا لو تم التطرق إلى الوضع المائي في البحرين وهل سنعاني نحن أيضا من مشكلة .. خصوصا أن منسوب النفط في تناقص كما نسمع.

    • مواطن مستضعف | 5:29 ص

      لِمَ يا ترى؟

      بسم الله الرحمن الرحيم
      عوفيت يا أستاذي الفاضل
      في الوقت الذي يعلن فيه العلماء الفلكيون عن توصّلهم لإكتشاف الماء –بكميات كبيرة- بأحد أقمار المشتري ...
      نجد أنّ العلماء الآخرون يعجزون عن توفير المياه على "بعض مناطق" سطح الأرض .. لِمَ يا ترى؟
      لا أخالها سوى السياسة اللعينة للبشر.

اقرأ ايضاً