عندما تزوجت بظافر الابن البكر للفقيدة الغالية سلوى العمران في بيروت قبل ثلاثة عقود من الزمان ونيف كانت صديقاتي في الجامعة يمزحن معي قائلات: «كم أنت محظوظة، لن تذهبي إلى بحر واحد بل ستذهبين إلى البحرين، وكن يقلن لي «ولم تظفري بعمر واحد، بل ظفرت «بالعمران». ولكني لم أكن أتوقع أن يأتي يوماً أفقد فيه ليس أماً واحدة، بل اثنتين من الأمهات، أمي الأولى سعاد أبوراشد رحمها الله التي فقدتها منذ عشرين عاماً، والآن أفقد أمّاً ثانية، وهي أم زوجي السيدة سلوى العمران رحمها الله.
شمعة حياتنا انطفأت بغياب سلوى العمران. لقد كانت عنوانا مضيئاً لعائلة العمران، والبسمة المشرقة التي تبدد حلكة الليالي الظلماء، والبلسم الشافي لمعالجة المشكلات والصعاب. لقد كانت وجهاً صبوحاً لا تعرف قوارب اليأس مرافئه، وقلباً ذهبياً يزيده عمل الخير لمعاناً. كانت أما رؤوماً تجمع بين الجمال والأخلاق والحكمة وحسن التدبير، واللباقة والأناقة، والثقافة، وعفة اللسان، وحب الخير.
أفضالها علي لا تعد ولا تحصى، كنا صديقتين، وأثبتنا أن الحب المتبادل بين الحماة والكنة هو حقيقة وليس وهماً، وذلك بفضل خصالها الحميدة، وكياستها، ولباقتها، التي كانت مثار إعجاب الجميع.
لقد أخذت بيدي وأدخلتني إلى المجتمع البحريني من بابه العريض. وعرفتني على جميع صديقاتها ومعارفها. ومنذ أن تزوجت بولدها ظافر إلى أن داهمها المرض كنت رفيقتها ألازمها كظلها في معظم الأفراح والأتراح، والمناسبات العديدة الاجتماعية والثقافية، وكان الناس يعرفونني لمدة طويلة باسم «تشنة سلوى»، وكانت تعاملني بمحبة وعطف وتقدير، وكان الحب الذي يجمعنا، والذي جعلنا أكثر قرباً هو حب العمل في مجال الطفولة، وخاصة رياض الأطفال التي كانت مشغوفة بالاهتمام بها، والموضوع الذي كان يسيطر على أحاديثنا عندما كنا نجتمع سوية.
كان قلبها الكبير ينبض بحب عائلتها وأولادها وأحفادها، وكان حبها للوالد المرحوم الأستاذ أحمد العمران الحب الكبير بلا منازع، وكانت تدور في فلك أحمد العمران، وتنظم حياتها وأنشطتها الخيرية والاجتماعية والبيتية تبعاً لروتين حياته، وتتبع مواعيد نومه وأكله وشربه ودوائه بنظام عجيب، وكان الاهتمام به ورعاية شئونه الصحية دينها وديدنها.
لم تتدخل رحمها الله مطلقاً في شئون حياة أولادها وأحفادها، ولكنها كانت دوماً متواجدة عندما كانوا يحتاجونها. وكان حبهم الشديد لها قاسماً مشتركاً بينهم جميعاً، يقرب بينهم مهما ابتعدوا، ويؤلف بين قلوبهم مهما اختلفوا. كما اتسمت رحمها الله بحسن الإدارة والتنظيم، ولو كان حسن التنظيم والترتيب إنساناً لسمي سلوى العمران.
كما ربت الفقيدة الغالية الوالدة أم ظافر أولادها على حب الخير ومساعدة الآخرين، والعطاء اللا محدود، والصبر والثبات عند الشدائد. كما أورثتهم عشق العمل للعمل ذاته دون مقابل، وهو أكبر درس تعلموه من سلوى العمران.
ما هو السر الغريب يا ترى وراء الحب الكبير الذي يكنه لها أهل البحرين. أهي الابتسامة الجميلة التي كانت تزين محياها، أم هو القلب الذهبي الذي ينبض حباً، أم هو قدرتها المبهرة على التنظيم والترتيب أم هما التفاني والإخلاص في خدمة مجتمعها ووطنها البحرين؟، لابد وأنها جميع هذه الأشياء معاً.
شبهوها بصباح وهي صغيرة، ثم شبهت بمارجريت تاتشر وهي كبيرة. ولكن صورة «ماما سلوى» لأولادها، و»تيته سلوى» لأحفادها هي الأجمل في نظر عائلتها، تعكس جمالا داخليا يوازي الجمال الخارجي، بل يتفوق عليه.
كانت شعلة من الحيوية والنشاط، ارتبط اسمها بالعديد من الانجازات أهمها المساهمة في تأسيس جمعية رعاية الطفل والأمومة، ومعهد الأمل، والمساهمة الخيرية في دار يوكو لرعاية المسنين، والجهود الجبارة في صندوق الطالب، وتأسيس العديد من رياض الأطفال، التابعة للجمعية، وغيرها من المشاريع الخيرية والإنسانية الرائدة، التي استحقت من خلالها أن تكون من الرواد الأوائل في المجتمع البحريني في مجال العمل التطوعي، بل وأول رائدة في العمل الاجتماعي على مستوى دول الخليج العربية، وحصدت العديد من الجوائز والأوسمة على أعلى المستويات بكل جدارة واستحقاق.
لقد قهرت المرض ولم يقهرها، فعلى الرغم من مرضها الذي عانت منه نحو عشر سنوات ونيف احتفظت المرحومة الغالية بجمالها وهيبتها ووقارها وحب عائلتها وأهل البحرين لها حتى اللحظات الأخيرة من عمرها.
حبيبتي وأمي وصديقتي ومعلمتي ومثلي الأعلى أم ظافر رحمك الله آمين، شكراً لك على كل ما فعلته من أجلنا، ولن نفيك حق قدرك مهما فعلنا ومهما قلنا. ولسوف تبقى ذكراك خالدة في قلب عائلتك المحبة وأولادك وأحفادك، وأهل البحرين جميعاً، ولسوف تبقين الملهمة الأولى لنا في العطاء للوطن، والأنموذج الفريد للأم المثالية، والقدوة الصالحة للأجيال القادمة، ولسوف تبقى أعمالك الخيرة خالدة في كتاب الزمن مسطرة بكلمات من نور.
إقرأ أيضا لـ "جهان ابوراشد العمران"العدد 3009 - الأربعاء 01 ديسمبر 2010م الموافق 25 ذي الحجة 1431هـ