العدد 30 - السبت 05 أكتوبر 2002م الموافق 28 رجب 1423هـ

سورية والعراق ... ومرحلة ما بعد صدام

عين على ما يحدث ... وعين على الوضع الراهن

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

يبدو الموقف السوري من الموضوع العراقي في صورته الظاهرة موقفا شديد الوضوح، إذ تقف دمشق في خندق معارضة الحرب الأميركية ـ البريطانية المحتملة على العراق، داعية إلى إيجاد حلول دبلوماسية لمعالجة الموضوع العراقي، وهي تذهب إلى الأبعد من ذلك في موقفها باتجاه الدعوة إلى فك الحصار عن العراق، واستعادته إلى محيطه العربي والدولي.

والموقف السوري حيال العراق يستند إلى سياق من المعطيات السياسية والاقتصادية سواء ما اتصل منها بالجانب الأيدولوجي، أو بالجانب المصلحي، وكلاهما أمر مهم في واقع السياسة السورية الراهنة، إذ تسعى سورية نحو تعزيز مكانتها السياسية في العالم العربي، وتعمل من أجل تقوية اقتصادها الذي يعاني من مشكلات حقيقية.

غير أن السوريين وهم يقفون موقفهم من العراق، يدركون حدود هذا الموقف في أنه لن يتجاوز المعارضة السياسية للحرب المحتملة، وصولا إلى التصويت في مجلس الأمن ضد أي قرار بالهجوم على العراق، إضافة إلى الامتناع عن تقديم أية مساعدات، أو دعم للمجهود الحربي الذي يستهدف العراق عبر الأراضي أو الأجواء السورية، وهذا هو الحد الأقصى. إذ ليس لدى سورية قوة تجعلها قوة تمنع الحرب أو تتصدى لها.

وتطرح هذه الوقائع والمعطيات مستقبل الموقف السوري في الموضوع العراقي، إذ أن معارضة الحرب الأميركية ـ البريطانية على العراق وأهدافها في إطاحة نظام الرئيس صدام حسين، لا ولن تمنع سورية من التعامل مع نتائج تلك الحرب، وهو أمر يجعل من الموقف السوري، يفتح عينا على ما يمكن أن يحدث في العراق، مقابل عين أخرى يفتحها على الوضع العراقي الراهن.

فالعراق هو الجار العربي الأكبر لسورية، وهو في المعنى الدقيق للكلمة يشكل عمقا استراتيجيا لبلد لديه الكثير من التحديات الداخلية والإقليمية السياسية والاقتصادية، كما أن العراق يشكل صلة الوصل بين سورية وإيران أقوى حلفائها في العالم الإسلامي، وهو تحالف بدا شديد المتانة على مدى ربع قرن مضى، ولا شك في أن تغييرات عراقية لا تكون سورية حاضرة فيها، ستجعل من العراق عنصر إضعاف لسورية وسياساتها واقتصادها، خصوصا في ضوء التحديات الماثلة والمحيطة بها.

ويبدو أن مخاوف دمشق من المستقبل العراقي، هي التي جعلت السياسة السورية تحافظ على علاقة مقبولة مع المعارضة العراقية، وقد وجدت في دمشق سندا قويا على مدار سنوات طويلة، قبل أن تتأثر تلك العلاقات بصورة محدودة مع تطور علاقات دمشق السياسية والاقتصادية مع بغداد منذ العام 1998، وهو أمر وجد بعض نتائجه في تطور سلبي مع بعض جماعات المعارضة العراقية ورموزها على نحو ما حصل في طرد مشعان الجبوري من دمشق بعد إقفال صحيفته «الاتجاه الآخر» قبل أشهر. ولكن لم تتأثر بصورة سلبية علاقات دمشق مع فصائل المعارضة الرئيسية وخصوصا الحزبين الكرديين اللذين يقودهما جلال طالباني ومسعود بارزاني، ومثلهما حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية إضافة إلى الحزب الشيوعي العراقي.

ومثلما بدا «مقبولا» سكوت المعارضة العراقية عن تقارب دمشق ـ بغداد لأسباب سياسية قدرتها المعارضة في حينه، فإن سكوت دمشق بدا «مقبولا وربما مطلوبا» حيال التقارب الأخير بين جماعات المعارضة العراقية والإدارة الأميركية وبحثهما المشترك في مستقبل العراق في اجتماعات واشنطن الشهر الماضي وما تبعها من خطوات.

إن السيناريو المرسوم لمستقبل العراق بعد صدام حسين، يقوم على فكرة إقامة تحالف لقادة يمثلون المجموعات الاثنية والدينية الأساسية في العراق، يحكمون البلاد بصورة جماعية حتى إجراء الانتخابات لاستيلاد نظام جديد، ولا شك في أن بين هؤلاء القادة سيكون عدد من أصدقاء دمشق، الأمر الذي سيحفظ لسورية حضورا في لوحة النظام المقبل في بغداد، وعلى رغم أنه من السابق لأوانه توقع حجم الحضور السوري وفاعليته في نظام الحكم العراقي المقبل، فإن مجرد الحضور سيكون أمرا مهما لابد أن تعمل دمشق على رعايته وتطويره، ليس من أجل المصلحة القومية فقط، بل من أجل دعم قدرة سورية على مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية التي تواجهها

العدد 30 - السبت 05 أكتوبر 2002م الموافق 28 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً