العدد 30 - السبت 05 أكتوبر 2002م الموافق 28 رجب 1423هـ

هموم المواطن كما وردت في بريد «الوسط»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كثيرة هي الرسائل التي وردت «الوسط»... حتى قبل أن تصدر، ومن بعد صدورها ازدادت كثرة وتنوعا، ولكن هناك مجالات شكلت إجماعا عاما، وهناك ما شكل همّا خاصا... وما بينهما يقف الشعر والخاطرة والمساهمة الأدبية وحتى التعليق على ما تنشره «الوسط»، معها أو ضدها، مما يعكس حيوية القضايا المطروحة وما تلامسه من أوتار حساسة في القلوب.

إلى من تتجه الرسائل؟

أكثر الرسائل تتجه إلى وزارات التربية، الإسكان، الصحة، العمل. ومن خارج هذه الوزارات تبرز لنا الجامعة منافسا رئيسيا لوزارات الخدمات الأربع المذكورة. ويجمع هذه الرسائل حبل متين ـ ولا أقول خيط رفيع ـ من الشكوى والألم والمعاناة والألم النفسي المكبوت طوال سنين، يريد أن يتنفس كالبركان المضغوط، وإذا لم يجد المواطن القناة الرسمية المستعدة لسماع شكواه والأخذ بخاطره ولو بكلمة طيبة، (لا تنس أن البحريني طيب إلى درجة الذوبان في كوب الكلمات اللينة) فإذا لم يجدها فإن النتيجة شيوع مثل هذا الشك العميق الطويل العريض، وبروز حال من القطيعة النفسية بينه وبين الجالس خلف المكاتب أو الطاولات الرسمية.

من جهة أخرى عندما لا تعالج القضايا بصورة صحيحة وجذرية ومدروسة، فإنها ستتراكم وتُغرق كل من يتصدى لها في أي وقت. والدليل هذا الكم الهائل من الرسائل الناقدة والشاكية والذامة لوزارة التربية والتعليم، فهي صاحبة نصيب الأسد، مع أن المرء قد يظن للوهلة الأولى أن وزارة العمل هي صاحبة الكأس الأوفى، خصوصا مع وجود نسبة كبيرة من العاطلين، الذين كانوا أول من تقدم الصفوف في بداية الحركة الشعبية في العام 1994 كما يعلم الجميع، ومن أمام أبوابها تفجرت الحوادث.

أغرب واوجع رسالة

على أن أغرب رسالة تلقتها «الوسط»، وهي مرتبطة بوزارة التربية والتعليم، يمكن أن تعكس ما وصلت إليه حال المواطن مع هذه الوزارة العتيدة، التي وصفها أحدهم بأنها «دولة داخل الدولة». ولا أريد أن أتحدث عما يلاقيه خريجو الجامعات من معاملة في أروقة الوزارة، فالكل يعلم ذلك، ولكن هذه الرسالة تختزل هموم الخريجين الذين يمثلون خلاصة البلد وزهرة أبنائه الذين صرف عليهم الوطن أو الأهل تلك الأموال الطائلة على مدى سنين، ونهايتهم الاصطفاف في طوابير البطالة والانتظار.

الرسالة لم نتسلمها بالبريد العادي أو الإلكتروني، وإنما جاءتنا «سكينة» وهي تحملها، وجلست معنا لأكثر من نصف ساعة، وشرحت لنا ضرورة نشر رسالتها بصورة عاجلة لكي يتسنى لها الحصول على الوظيفة كما وعدوها، وإذا قرأت مقتطفات منها ستعرف الحكاية:

«لقد تسرعت في الحكم عليكم يا وزارة التربية، لأنكم محل ثقة الجميع، وتراعون الأولوية في التوظيف، ولم تضيّعوا حق أي مستحق، وأنا أستسمحكم العذر فأنا لم ألجأ إلى كتابة مشكلتي عبر الصحيفة إلا لحاجتي الماسة، وأنا لم أرد من ذلك إثارة الموضوع، وإنما حل مشكلتي، وأتمنى من الوزارة أن تقبل مني العذر. كما أتقدم إلى جميع العاملين في الوزارة الموقرة بالشكر الجزيل، وأخص منهم الأستاذ ... (الاسم مذكور ومشهور طبعا عند كل المراجعين، حذفناه لئلا نُتهم بالتشهير) على ما قدّمه لي من مساعدة».

ولأن سياسة إذلال المواطن بهذه الطريقة ليس مما نرتضيه، فإننا رفضنا نشر رسالة سكينة على رغم توسلها وحاجتها إلى الوظيفة، ولئلا تفرض كسياسة على المساكين والبائسين، ونرجو أن تقبل منا عذرنا في حرصنا على أن يبقى رأسها مرفوعا.

الأسماء المستعارة

هناك ظاهرة تلاحظها على رسائل القراء الواردة، وهي التستر تحت أسماء مستعارة. وإذا كان ذلك مفهوما أيام سيادة قانون «أمن الدولة»، فإنه يدفع إلى التساؤل عما وراء هذه الظاهرة: هل مازالت آثار ذلك القانون سارية في العروق؟ أم أنها رغبة في رمي الكرة على الصحيفة بإرسال الأخبار غير الموثقة أو غير الدقيقة و«أنتم وشغلكم» أم أن هناك جانبا آخر؟ لعل علماء النفس أو الاجتماع يفيدوننا بالتوضيح! ونحب ان نوضح انه كما يحق للقارئ نشر آرائه، فمن حق الصحيفة التأكد من هويته، فلابد من ذكر الاسم والعنوان ليتسنى لنا التأكد من صحة المحتوى قبل النشر.

مشكلات شخصية جدّا

من الرسائل التي تصل إلينا ما يحمل هما صغيرا جدا، ولا يهم غير صاحبه. مثلا مريض تخانق مع طبيبه (والحمد لله أن المسألة لم تصل إلى درجة الضرب واللكم واستخدام فنون الكاراتيه!) ويريد أن ننشر شكواه. امرأة أخرى «تأذت» لحجز موعد لها في العيادة، وتريد أن تشتكي على تلك الممرضة. ولو تتبعنا مثل هذه القضايا لما انتهينا من طباعة الصحيفة حتى منتصف الليل. كما أن الكتابة عنها لن تحلها، لأن الحل بيد طرفين، فنحن أبناء مجتمع واحد، كان من مميزاته ذلك التراحم والتكافل، وهي ميزة انسحبت من حياتنا كما انسحبت كثير من القيم الجميلة، والنتيجة هي هذه الأخبار التي نسمعها بين الفينة والأخرى وتتسابق الصحف إلى نشرها وكأنها «سبق صحافي» مع أنها من الأخبار التي تدمي القلوب.

أطول رسالة

من هذه الرسائل الشخصية من يلح أصحابها على نشرها، فيسرد عليك صاحبها قصة حياته في صفحات، ويصرّ على نشرها كما هي من دون حذف، متصورا أنها ستكون أكثر تأثيرا على «صانع القرار»، سواء كان وزيرا أو مديرا أو ... بحيث يرق لحاله ويعطف عليه ويغيّر رأيه. وإذا حاورته بأنه ليس هناك في هذا الزمن من هو مستعد لقراءة قصة طويلة من عدة صفحات، خصوصا إذا كان كبيرا، وان نهاية رسالته ستكون الإهمال، فإنه يغضب منك وكأنك تريد له الهلاك!

رسائل ومكالمات

عندما تناولنا بعض الموضوعات الحساسة، انهالت علينا رسائل داعمة، فما ان ننشر عن التأمينات أو القروض أو الجامعة أو التربية، حتى تنهال علينا رسائل تحمل المضمون ذاته، تؤيد ما نشر ويشهد أصحابها بتعرضهم للمشكلات أو المعاناة نفسها. وفي ذلك دلالة على ان الحالة ليست فردية وانما هم جماعي يعيشه آخرون وفي أحيانٍ كثيرة نتلقى الكثير من المكالمات الهاتفية تصب في الاتجاه نفسه، فنستمع لمحدثينا ونعيش همومهم، من باب «من فرج عن اخيه هما فرج الله همه»، واحيانا نواسيهم بكلمات تحمل لهم بعض السلوى. وعندما شكى لنا احدهم انتظاره بيتا من الاسكان منذ عدة سنوات، اجابه احد الزملاء قائلا: «والله العظيم انا مثلك ماعندي بيت ولا قطعة ارض»!!!

رسالة ضد الاسيويين!

من الرسائل الملتهبة... وصلتنا رسالة إلى «الوزارة المعنية... انتبهوا»... في نداء حار لردع «هؤلاء العمال الذين يسيحون ويهيمون ويهربون من كفلائهم، إلى متى لا يحاكم الهارب؟ الا يكفي استهتاره بقوانين المملكة؟».

رسائل للتسويق

على أن أكثر ما يثير الاستياء هي تلك الرسائل التي تردنا من بعض الأشخاص الذين يهوون مراسلة كل الصحف والمجلات والدوريات والتلفزيونات، وهي هواية لم تكن موجودة على أيامنا أو أيام آبائنا كما أعتقد، ولكنني اكتشفتها من خلال متابعتي لهذا الكم الهائل من الرسائل كل يوم. وأتصور أن هذه الرسائل المنسوخة تسيء إلى الأداء الصحافي وتمنع من إعطاء المستحقين فرصة التعبير عن آرائهم، فضلا عما تسببه من إرباك عندما تجد الصحف نفسها تنشر الرسالة نفسها للكتّاب أنفسهم، وكأنهم فرسان المناخ! من هنا فإن الرأي الأصوب إهمال مثل هذه الرسائل التي يسترخصها أصحابها بمثل هذه الطريقة.

من أجل دولة المؤسسات

يسترعي الانتباه ذلك الاتجاه الذي تتخذه بعض الرسائل في التوجه إلى أعلى القيادات السياسية، طلبا لتوفير مسكن أو علاج أو معونة أو ما شابه. ولهذه المسألة جوانب كثيرة ذات مدلولات مهمة: فهي أولا تتعارض في الصميم مع فكرة «دولة المؤسسات» التي يتحدث الجميع عنها ويطمحون إلى الوصول إليها. وإذا استمر ذلك فلن يصل إليها حتى أحفادنا.

ثانيا: إنها ليست من مصلحة الحاكم ولا المحكوم، ولا المواطن ولا الوطن، إنها سياسة متعبة للطرفين. لا توفر حلا، وإنما تؤجل الحلول إلى أجل غير مسمى، وتتراكم في ضوئها المشكلات، مهما كانت النوايا حسنة.

ثالثا: إنها أكبر دليل على وجود خلل كبير في أجهزة الدولة العصرية، يعوقها عن أداء وظيفتها الأساسية في تسيير حياة المواطن وتسهيل معاملاته اليومية. فإذا لم يحصل المواطن على حاجته بالطرق المعتادة، فإنه سيلجأ إلى طرق أبواب الوزراء والمديرين والوكلاء، وما أغنى هؤلاء عن ذلك فيما لو كانت الأمور تجري بحسب آلية ذاتية الحركة ووفق نظام يُحترم فيه المواطن ويشعر فيه بأنه في دولته التي تؤدي له حقوقه مقابل ما يقدم إليها من واجبات. ثم انه ليس من العملي او المعقول طرق ارفع الابواب والطلب منها القيام بما يفترض ان تقوم به وزارات الدولة واجهزتها ومؤسساتها، وذلك من صميم وظائفها ومهماتها التي انشئت من اجلها، ونطالبها بحل مشاكلنا من ايجاد مسكن حتى حل العراك بين المرضى والاطباء

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 30 - السبت 05 أكتوبر 2002م الموافق 28 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً