العدد 3 - الأحد 08 سبتمبر 2002م الموافق 01 رجب 1423هـ

الحزب الديمقراطي يضغط لفتح ملفات الرئيس وأوراقه

تفليسات الشركات الأميركية الكبرى وعلاقتها بإدارة الحزب الجمهوري

عبدالعزيز أبل comments [at] alwasatnews.com

.

الولايات المتحدة الاميركية، المعروفة بانها دولة القانون والمؤسسات وبان احدا، مهما تكن منزلته، لا يمكن له ان يتجاوز الرقابة التشريعية او ان يعبث بها او ان يحول دون التحقيق في قضية كبرى تمس هيبة الدولة الكبرى المسيطرة على مقاليد العالم، اليوم تواجه ازمة في داخلها، تتصل بعلاقة الادارة التي يرأسها الرئيس جورج دبليو بوش بعدد من الشركات الكبرى.

تعرضت احدى هذه الشركات لظروف مالية ادت الى اعلان افلاسها، واتضح انه خلال الفترة التي سبقت اعلان الافلاس قامت الادارة بجهود لمساعدتها على تجنب ذلك.

هذه المعلومات وغيرها مما يتعلق بالموضوع تضمنها التحقيق الاتي.

شركة «إنرون» التي اعتبرت تفليستها ثاني اكبر تفليسة تشهدها الولايات المتحدة في تاريخها، تأسست في مدينة هيوستن في ولاية تكساس النفطية، في العام 1985، اي منذ ما يقارب 17 عاما فقط. ووصلت الى المرتبة السابعة بين اكبر شركات الطاقة الكهربائية في الولايات المتحدة، كانت تشتري الطاقة الكهربائية من المنتجين وتقوم بتزويد المستهلكين بها. وادى نجاحها الملحوظ في هذه العملية الى اكتسابها ثقة كبيرة في اسواق المال الاميركية.

لكنها نظرا لتوسعها الكبير قامت بعمليات غير قانونية محاسبيا وذلك بهدف اخفاء قرض يبلغ 500 مليون دولار. ويتضح من تقارير وتحقيقات اجرتها مؤسسات اميركية رسمية ان احدى مؤسسات التدقيق الكبرى تعاونت مع شركة «إنرون» في اخفاء الحقيقة.

ومنذ العام 1997، قامت شركة «إنرون» بتضخيم حجم ارباحها بما يتجاوز 580 مليون دولار اميركي. لكن ذلك لم يدم طويلا اذ اضطرت في الربع الثالث من عام 2001 لاعلان خسارة كبيرة بلغ مقدارها 638 مليونا.

كذلك تراجع احد المستثمرين عن شراء شركة «انرون» بغرض قدمه لادارتها بلغ 804 بليون دولار.

هذه التطورات المتلاحقة تعرض سهمها الى انخفاض مدوي خلال سنة واحدة فقط، فبعد ان بلغ قيمة السهم الواحد 80 دولارا في العام 2000 انخفضت قيمته نهاية 2001 الى اقل من دولار.

هذا الانخفاض اثار اسئلة وادى الى فتح تحقيق واسع عندما اقدمت ادارة الشركة على طلب الحماية من الدائنين، الذي تقدمه القوانين السائدة في الولايات المتحدة وهو بمثابة اعلان رسمي عن التفليسة.

فرض هذا التحطم المدوي للشركة تدخل وزارة العدل الاميركية لبحث احتمال وجود خديعة للمساهمين او السلطات.

وخلال التحقيق الذي قامت به وزارة العدل والكونغرس الاميركي تبين ان عددا من الاداريين التنفيذيين لشركة «إنرون» قام ببيع حصصه من اسهم الشركة وحقق دخلا بلغ بليون دولار عندما كانت قيمة السهم مرتفعة.

في وقت منعت الادارة العاملين في المراتب الدنيا من التصرف في اسهمهم وطلب منهم الانتظار فترة من الزمن بحجة اجراء التدقيق السنوي.

في هذا السياق اثيرت اسئلة عديدة عن العلاقة بين الشركة والادارة الاميركية من جهة وشركة التدقيق الخارجي التي كانت مسئولة عن تدقيق حسابات الشركة سنويا واعلان صحة المعلومات المتعلقة بالحسابات وتطمين المستثمرين والموظفين.

شركة التدقيق

وجاء اسم شركة «ارثر اندسون» التي تقوم بتدقيق حسابات إنرون، ضمن التحقيقات التي اجرتها السلطات الاميركية. ويقول المحققون الفيديراليون ان العاملين على تدقيق حسابات «إنرون» والتابعين لشركة «ارثر اندرسون» تلقوا تعليمات مكتوبة بتاريخ 12 اكتوبر/ تشرين الاول 2001 بالتحقيق من اية وثيقة ذات صلة بعملية التدقيق بإستثناء «اوراق العمل». وانه خلال فترة امتدت اسابيع قام العاملون في «إرثر اندرسن» باتلاف الوثائق المعنية. من هنا طالب المحققون الفيديراليون والمسئولون في الكونغرس والعمال بحقوق التقاعد فلم يجدوا اثرا للكثير من الاوراق والوثائق والرسائل الاكترونية.

وتبين التحقيقات ان المسئولين في «ارثر اندرسن» ثابروا على تذكير العاملين في التدقيق على إتلاف الوثائق ذات الصلة وذلك في فترة امتدت لاسابيع عديدة قبيل اول استدعاء لهم من قبل هيئة الامن والتحويل الفيديرالية والتي حدثت بتاريخ 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001. واعترفت شركة التدقيق في بيان نشر رسميا بان موظفيها اتلفوا وثائق مهمة وعددها غير معروف.

ولم يعرف ما اذا كانت التعليمات باتلاف تلك الوثائق جاء ضمن التعميم الذي وزع على العاملين يوم 12 اكتوبر 2001. وتقول مصادر مقربة من شركة التدقيق ان مضمون التعميم صحيح لكنها تحجم عن تأكيد ذلك.

ويتساءل بعض العاملين في مجال التدقيق عن الكيفية التي تمكنت بها «إنرون» من اخفاء ديونها التي اودت بها الى هذا المصير. وتبين ان الشركة كانت تقوم بادراج الديون تحت بنود مختلفة في موازنيها العامة. كما انها دخلت ضمن شراكات وهمية اتاحت لها اخفاء الديون تحت بنود الاتفاق الاستثماري، حين كانت هذه الشراكات الوهمية تدار من قبل المدراء التنفيديين في «انرون».

موقف شركة

التدقيق ومشكلاتها

شركة «ارثر اندرسن» التي تدقق الحسابات تقوم بدورها ببحث عن اسباب حدوث التجاوزات المالية وتسعى لابعاد الاتهامات عن نفسها. وتتلخص وجهة نظرها بانها لا تضع سياسة محددة للفترة التي ينبغي لها ان تحتفظ فيها بالوثائق المدققة. او تحديد نوعية الوثائق التي يتوجب عدم التخلص منها والى اي حين.

وفي هذا الصدد يقول المتحدث باسم «لجنة التجارة والطاقة» في مجلس النواب الاميركي كون جونسون ان «الذهنية التي تحكم الامر فيما يتعلق بهذه الوثائق انك ان لم تكن بحاجة لاية وثيقة فتخلص منها». ولكن موقف رئيس اللجنة ذاتها بل توزن، وهو جمهوري من ولاية اريزونا، يختلف قليلا اذ يقول «ان كل واحد اتلف وثيقة بفعل الغباء لابد ان يفصل من عمله... لكن كل من اتلف وثيقة بهدف افشال التحقيق يجب ان يقدم للمحكمة».

لكن مشكلة ارثر اندرسن تتوقف عن تعقيدات «انرون» بل تتعداها الى تفليسة شركة وولد كوم التي تدقق حساباتها ايضا وتقول: «ارثر اندرسن» ان ما حدث «لوولد كوم» ليس مشكلتها وانها تعرضت للخديعة وعدم تقديم معلومات دقيقة حالت دونها واكتشاف الخلل.

موقف الادارة الأميركية

ادارة الرئيس بوش تسعى من جانبها لابعاد مشكلة شركة انرون عن سجلاتها السياسية خصوصا وان الادرارة الاميركية الجمهورية تواجه العام الجاري استحقاقات الانتخابات في مجلس الشيوخ وتحرص على عدم تداخل الصورة.

وتشير التقارير التي تتداولها اوساط واشنطن، ان العلاقة بين الرئيس الاميركي وبين رئيس مجلس ادارة «انرون» تمتد لسنوات طويلة وتعود للأيام التي كان فيها بوش حاكما على تكساس. وتبين من عدة رسائل تبادلها بوش ورئيس إنرون وكينيث لي ان علاقة صداقة حميمة تربط بين الرجلين وان بوش قدم خدمات للشركة عندما كان حاكما للولاية.

وتبين احدى تلك الرسائل ان الرئيس دعم اقتراحا قدمته «إنرون» لتزويد ولاية فيلادلفيا بالطاقة ويقول كينيث لي في رسالته لبوش «اني اقدر لك كثيرا اتصالك بحاكم ولاية فيلادلفيا توم ريدج قبل ايام، وانني لعلى ثقة بان ذلك الاتصال كان له اثر ايجابي في الطريقة التي تم التعامل فيها من قبلهم مع اقتراحنا».

لكن السجلات تظهر ان «انرون» لم تفز بما اقترحت في نهاية الامر وان العطاء ارسي على شركة اخرى.

وفي العام 1998 اظهرت رسالة اخرى ان «انرون» طلبت من بوش انذاك، ان يكتب الى رئيس لجنة المالية في مجلس النواب الاميركي بل ارجر، بخصوص فاتورة ضرائب فيديرالية اقترحت «انرون» اجراء معينا بشأنها. وتظهر جميع تلك الوثائق ان بوش كان وثيق الصلة بالشركة وعمل وسيطا لصالحها، ويقول الناطق باسم البيت الابيض سكوت ماكليلان: ان كل هذه الوثائق قديمة وان الرئيس بوش اشار اليها فيما سبق وليس فيها من جديد.

من جانبه سعى نائب الرئيس ديك تشيني لدى السلطات الهندية لدفع دين للشركة لاقامة مشروع كهربائي في الهند بكلفة 64 مليون دولار اميركي.

واثار موضوع الدين المذكور مع سونيا غاندي لدى زيارتها البيت الابيض في يونيو/ حزيران 2002 وبعد شهور بدأت مشكلات «ايرون» المالية بالظهور.

وتقول إنرون: انها لم تطلب من نائب الرئيس الاميركي التدخل لدى السلطات الهندية لتسديد كلفة المشروع، وان الامر لا يتعدى الاشارة اليه في المذكرة المقدمة منها للادارة الاميركية وان ما قام به نائب الرئيس الاميركي مبادرة شخصية منه ليس الا.

ويقول الديمقراطيون في الكونغرس ان الشركة استفادت من نشاط الرسميين في الادارة. ويمارس هؤلاء ضغطا على الادارة الجمهورية لتقديم المعلومات ذات الصلة بعلاقة الادارة بالشركة.

اما الادارة الاميركية وعلى لسان نائب الرئيس فتقول: ان تسليم الاوراق المتعلقة بما يفعله الرئيس او نائب الرئيس هو امر يخص الرئاسة، وان ما يطلبه الكونغرس عبر مكتب الحسابات العامة، وهو ذراع الكونغرس للرقابة، امر يتجاوز صلاحيات هذا المكتب الذي يختص في التدقيق في امور المؤسسات التابعة للكونغرس فقط ولا يجوز له التدقيق في شئون الرئاسة.

يقول نائب الرئيس في مقابلة اجرتها معه شبكة (سي. ان. ان) عن الموضوع «قدمنا لهم كل المعلومات حول المبالغ التي صرفت وكيف تم صرفها. وما يطلبونه هو معلومات حول الاجتماعات التي عقدتها كنائب للرئيس. وهم يريدون قائمة بجميع الاشخاص الذين قابلتهم وماذا دار في اللقاء وما هي النصائح التي تلقيتها. واعتقد، وهذا ما يشاركني فيه الرئيس ايضا، ان القبول بهذه الطلبات سوف يخلق سابقة من نوعها. ان ما يقوله الديمقراطيون ان نائب الرئيس لا يمكنه عقد لقاءات سرية او لقاء اي شخص من دون ان يعلم مكتب الحسابات العامة. اننا ندافع عن مبدأ استقلالية المكتب البيضاوي الذي يعاني من اضعاف لصلاحياته منذ 35 عاما من قبل الكونغرس، اننا لا نعتقد بانه لمجرد وجود ضغط سياسي يتوجب علينا ان نضحي بمبادئ جوهرية واساسية».

واضاف نائب الرئيس الاميركي في المقابلة نفسها: «ان احدا ليس له دعوى، وان الادارة الاميركية لم تقدم خدمات خاصة لشركة انرون، وما حصلت عليه هذه الشركة لا يختلف عما نالته الشركات الاخرى».

مشكلات جديدة

للادارة الأميركية

ولا تنتهي مشكلات الادارة الاميركية عند هذا الحد. فما ان انتهت عاصفة شركة «انرون» حتى تفجرت فضيحة شركة «وولد كوم» التي فاقت تفليستها حجم تفليسة «انرون». فشركة «ورلد كوم» التي تبلغ اصولها حوالي 103,8 بليون دولار اميركي في نهاية الربع الاول من عام 2002 اظهرت حساباتها انها تعاني من فقدان مبلغ 3,8 بليون دولار اميركي يعرف مصيرها ومن جانب اخر تعاني الشركة من ديون تبلغ في الاجمالي 103 ملايين دولار اميركي يحل موعد ما مقداره 75 بليون دولار منها العام المقبل.

ويذكر ان شركة «ورلد كوم» التي تتخصص في خدمات «الانترنت» بلغت اوجها وحققت نموا سنويا بلغ 20 في المئة. وقدرت قيمة الشركة بحوالي 150 بليون دولار حيث كانت قيمة السهم الواحد 16,15 دولارا اميركيا.

واصابت شركة «ورلد كوم» الادارة الاميركية بضربة في الصميم كانت الاخيرة و اهتزت جراء اعلان تفليسة «انرون» وقامت «ورلد كوم» بتهمة الاحتيال واخفاء معلومات مالية. وستكون «ارثر اندرسن» المتخصصة في التدقيق المالي موضع مساءلة ايضا كونها المدقق الخارجي لهذه الشركة. و سمحت اجراءات المحاسبة المتبعة بالنسبة لهذه الشركة والمدققين الخارجيين للادارة اخفاء الخسائر واظهارها كأرباح. واظهرت حسابات الشركة ايضا تقديم قرض بمبلغ 366 مليون دولار اميركي لرئيسها السابق لانقاذ اسهمه فيها من وضع اليد عليها بسبب ديونه المتراكمة. ردة فعل الادارة الاميركية على اخبار تفليسة «ورلد كوم» جاءت جادة، اذ اعلن الرئيس الاميركي انه سيكون حاسما مع شئون الشركات الكبرى في الولايات المتحدة، لان هذه التطورات تجعل الاستثمارات موضع خطر. لكن المحللين يقولون ان ردة فعل الادارة جاءت في اعقاب احاديث عن ان الرئيس الاميركي لم يكن بعيدا عن فعل هذه الممارسات عندما كان مسئولا تنفيذيا لاحدى شركات النفط، قبل دخوله عالم السياسة. وان الممارسات الرهينة للشركات الكبرى الاميركية التي تخالف القانون واجراءات المحاسبة ومتطلبات الشفافية ليست امرا جديدا في عالم الاعمال الاميركية. ولكن حجم الافلاسات المعلنة مقدمة الشركات الكبرى لرجال السياسة من دعم وما تحصل عليه في المقابل من خدمات، سلط الضوء على مستوى غير لائق من الفساد المالي.

وفي اطار التحقيقات الجارية لظروف افلاس «ورلد كوم» باعتبارها اكبر تفليسة مالية في تاريخ الولايات المتحدة حتى الان، امتنع الرئيس التنفيذي للشركة والمسئول المالي فيها عن الادارء باية كلمة امام لجنة تحقيق انشأها الكونغرس الاميركي وذلك تمسكا بحقهما في عدم الكلام، هذا الحق الذي يمنحه لهما التعديل الخامس على الدستور الاميركي الصادر عام 1776 الذي يسمح بعدم تجريم الذات والامتناع عن الكلام عند التحقيق.

خبير اقتصادي بحريني

إقرأ أيضا لـ "عبدالعزيز أبل"

العدد 3 - الأحد 08 سبتمبر 2002م الموافق 01 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً