في فلسطين المحتلّة، تتواصل الهجمة الصهيونيّة على الفلسطينيّين، حيث يبلغ الإرهاب الصّهيونيّ حدوداً جديدةً في مساحات الاستيطان الممتدّة داخل القدس والضفّة الغربيّة، وفي الاعتداء على كنيسةٍ تاريخيّةٍ في القدس المحتلّة، وإحراقها من قِبَل المستوطنين، كدليلٍ إضافيّ على أنّ اليهود الغاصبين لا يفرّقون بين مسيحيّ ومسلم في عدوانهم الوحشيّ المستمرّ على الشّعب الفلسطينيّ.
وإلى جانب العدوان على الحجر والبشر، امتدَّت يد المستوطنين إلى الشَّجر في حقول الزَّيتون الّتي قطعها المحتلّون، مع إصرارهم على تجريف الأشجار المثمرة والتّاريخيَّة، في إطار سعيهم الحثيث لإخراج الفلسطينيّين من أرضهم، والضَّغط عليهم للاعتراف بيهوديَّة الكيان، إضافةً إلى الفتاوى الَّتي يطلقها الحاخامات، وآخرها فتوى «عوفاديا يوسف»، الَّتي حرَّم فيها بيع المنازل «للأغيار»، واصفاً العرب والمسلمين بالحقراء... ومن الطّبيعيّ ألا يثير ذلك كلّه حنق الإدارة الأميركيَّة والإدارات الغربيَّة الّتي تثير الحديث الدَّائم عمَّا تسمِّيه «الإرهاب الإسلاميّ»، ولا تنبس ببنت شفةٍ حيال الإجرام الصّهيونيّ الّذي يمثِّل المصداق لأبشع ألوان الإرهاب وأنواعه.
ولذلك، فإنَّ المطلوب من الشّعوب العربيَّة والإسلاميَّة، أن تبقى إلى جانب الشّعب الفلسطينيّ الّذي يسعى العدوّ للاستفراد به ليواجه مشاكله وحده، وأن تمدّه بكلّ إمكانات الصّمود، لتخفّف عنه أعباء المواجهة الكبرى الّتي يخوض غمارها منذ عقود، ويدفع فيها فاتورة الدّم عن الأمّة كلّها.
وفي موازاة الممارسات الإرهابيّة الصّهيونيّة، يبرز العمل الإجراميّ الّذي استهدف كنيسة سيّدة النّجاة للكلدان الكاثوليك في بغداد، كواحدٍ من أكثر الأعمال وحشيّةً، بكلّ ما يمثّله من عدوانٍ على الأبرياء، يرفض الإسلام التّعرّض لهم، ويؤكّد المسؤوليّة في حمايتهم وعدم العبث بأمنهم...
كما أنّ التّفجيرات الأخرى التي استهدفت الأحياء الشّعبيّة في بغداد، تمثّل رسائل دمويّة بالغة الوحشيّة، وهي في الوقت الّذي تحاول الدّخول على خطّ الاستقرار السياسيّ العراقيّ لتقويضه والالتفاف من خلاله على عمليّة تشكيل الحكومة، تمثّل عملاً وحشيّاً يتنكّر لمبادئ الإسلام وقيمه وأصالته.
إنَّ هذه الجرائم تشكِّل وجهاً من وجوه الاستجابة للرَّغبات الصّهيونيَّة ولأهداف العدوّ، في إشعال الفتنة الطّائفيّة أو المذهبيّة داخل الأمّة، وإثارة الانقسامات فيها، حتى تستنفد الأمَّة طاقاتها في الصّراع الدّاخليّ، وتستهلك إمكاناتها في الفتن المتنقّلة، لإحداث شرخٍ بين المسلمين والمسيحيّين، وبين المسلمين أنفسهم، فتستسلم أمام عدوّها التّاريخيّ، وتسقط أمام هجماته اللاحقة، وعدوانه القادم.
ونحن ننظر إلى هذه الاعتداءات من زاوية كونها عدواناً على الأمة وعلى المسلمين والعرب جميعاً، وعلى المفاهيم والقيم الإسلاميّة، ونؤكّد على علماء الأمّة، أن يُبرزوا الموقف الشّرعيّ الحاسم في هذا المجال، لقطع الطّريق على تلك الفتنة الّتي تستسهل سفك دماء المسلمين وغير المسلمين، تحت عناوين طائفيّة ومذهبيّة واهية، وتصرّ على صمّ آذانها عن كلام الله سبحانه وتعالى الّذي قال: «ولا تزر وازرةٌ وِزْرَ أخرى» (الإسراء: 15). وبالتّالي، نقول للّذين يهدّدون بتحويل كنائس المنطقة إلى مقابر، أن يتقدّموا ولو خطوةً واحدةً لقتال العدوّ الصّهيونيّ الّذي حوّل مساجد المسلمين في فلسطين المحتلّة، كمسجد بلال بن رباح، والحرم الإبراهيميّ، إلى مواقع تراثيّة يهوديّة، وقام بتدنيسها، وتنكّر لقرارات منظّمة الأمم المتّحدة للتّربية والتّعليم «اليونيسكو»، الّتي أقرّت بأنّ هذه المواقع هي مساجد إسلاميّة.
وإنّه لمن الخطورة بمكان، أن تعمل قوى الهيمنة والاحتلال في المنطقة على تفتيت الواقع العربيّ والإسلاميّ وتقسيمه عبر الحروب المتنقّلة والفتن المدمِّرة؛ من اليمن، إلى الصّومال وأفغانستان، مروراً بالعراق والسّودان... فيما تنطلق فئة من داخل الأمَّة، لتعين الاحتلال الأميركيّ والصّهيوني بطريقةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرة، ولتحرق الأخضر واليابس في التّفجيرات الوحشيّة الّتي تطاول الأبرياء الّذين حرَّم الله سفك دمهم، بصرف النّظر عن هويّتهم الدّينيّة أو العرقيّة أو المذهبيّة.
وكذلك، فإنّه لمن المخجل أن تنطلق الأصوات هنا في الدّاخل، لتتكامل مع الأصوات الأميركيَّة الّتي تدعو اللّبنانيّين إلى الخضوع لما يسمّى «التزامات دوليَّة»، والكلّ يعرف كيف تصدر القرارات الدّوليَّة ولحساب من، والّتي لا تراعي إلا مصالح الدّول المستكبرة والعدوّ الصّهيونيّ والمخطّطات الّتي تُرسم للمنطقة.
إنّنا ندعو اللّبنانيّين إلى التنبّه والحذر من المشاريع الدّوليّة الوافدة إلى البلد الصّغير، وعدم النّظر ببراءة إلى كلّ هذه القرارات الدّوليّة، وقد جرّبناها ولدغنا من جحورها، والمؤمن لا يُلدغ من جُحر مرّتين، وعدم الأخذ بجديّة الحديث عن عدم المساومة على لبنان، كما في الحديث الأميركيّ الّذي يحاول إيهام اللّبنانيّين بأنَّ الإدارة الأميركيّة حريصة على البلد، وهي الّتي لم تحرص إلا على أمن العدوّ، الّذي لا تتوانى عن مدّه بأحدث الأسلحة فتكاً، فيما تصعّد من حملتها على سوريا بزعم أنَّها تسهّل الطَّريق لتسليح المقاومة في لبنان.
إنّنا في الوقت نفسه، ندعو إلى التّفاعل إيجابيّاً مع كلّ المبادرات السّاعية لوأد الفتنة الدّاخليّة، وإبعاد شبح المشاكل الخطيرة عن لبنان، كالمبادرة السّوريّة ـ السعوديّة الّتي قد تشكّل نافذة الأمل لحلٍّ داخليّ يتمرّد فيه اللّبنانيّون والعرب على التّعليمات الأميركيّة والتّهديدات الصّهيونيّة، ليكون ذلك بمثابة النّموذج الّذي يمكن احتذاؤه على مستوى المنطقة، والّذي نريد له الامتداد إلى السّاحة العراقيّة بشكلٍ خاصّ.
وأخيراً، إنَّنا أمام شبح الجوع والحرب الاقتصاديّة الّتي تحاصر المواطنين من كلّ حدبٍ وصوب، في الارتفاع الجنونيّ لأسعار السّلع الغذائيَّة، وفي ظلّ التّعقيدات الكبرى لمشاكل المياه والكهرباء، وتصاعد أسعار المحروقات، نستغرب انكفاء الحكومة وهروبها من ساحة المشكلة الاجتماعيّة، وحتى عدم مبالاتها، كما نستغرب حديث بعض الوزراء عن رفض دعم مادّة المازوت على أبواب الشّتاء، بحجّة أنّ المستفيد منها هم التجّار... إنّ ذلك يمثّل خطيئةً كبرى، وهروباً من الدّور الّذي أخذته الحكومة على عاتقها، عندما تحدّثت منذ ولادتها عن أنّ الأولويّة لحركتها ستكون للمشاكل الاجتماعيّة...
إنّنا نسأل الحكومة اللّبنانيّة الّتي تختلف على بعض القضايا المطروحة وتؤجّل اجتماعاتها لحساباتٍ خاصَّة: لماذا لا يكون الإنسان هو العنوان لاتّفاقها، فإنّه رغم خطورة ما يُطرح في السّاحة وأهميّته، فإنّ المشكلة الاجتماعيّة تبقى تهدّد أمن كلّ إنسان، وتدخل إلى بيته وفي مدرسته وفي كلّ مواقعه، وعندما يصل الإنسان إلى اليأس، فلا تنفع بعد ذلك كلّ المواعظ الأخلاقيّة، وقد تسقط القيم أمام الجوع الكافر.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد حسين فضل الله"العدد 2983 - الجمعة 05 نوفمبر 2010م الموافق 28 ذي القعدة 1431هـ
خالد الشامخ : خاطره
عندما تقول:(نّنا نسأل الحكومة اللّبنانيّة الّتي تختلف على بعض القضايا المطروحة وتؤجّل اجتماعاتها لحساباتٍ خاصَّة: لماذا لا يكون الإنسان هو العنوان لاتّفاقها) ...لماذا يتهرب قتلة الحريري من المحكمة ؟؟؟