لقد تم تناول اللجان الإشرافية قبل شهر من الزمان بكثير من الموضوعات، طبعاً أقصد التناول السلبي تارة بالتشكيك وأخرى بالتساؤل عن حياديتها، وصولاً إلى المراكز الفرعية والعامة ومن سيراقب هذه اللجان والانتخابات ولماذا عدم السماح للمنظمات الدولية بالمراقبة.

ما يعنينا من كل ذلك هو خلاصة عمل هذه اللجان والقائمين عليها من قضاة ورؤساء نيابة ومستشارين وموظفي تقنية المعلومات، الجنود المجهولين وغيرهم الكثير.

لقد دأب البعض في الفترة السابقة بالتلميح بأن المعارضة مستهدفة هي ومن يناصرها من جمعيات سياسية وناخبيهم ومن ينظر إليهم ومن يفكر بهم ومن يحبهم في الله ومن يذكرهم بالمجالس العامة والخاصة. ومن جهة أخرى الاعتقاد بأن بعض الجمعيات التي يطلق عليها الموالاة من قبل المعارضة، ستكون في مأمن على مقاعدها ومرشحيها، مع العلم أن هذه اللجان مكونة من كيان يجب الوثوق به، ألا وهو القضاء لحياديته وما أدل على ذلك عندما قامت وزارة البلديات بإزالة بعض لافتات المرشحين لما تحمل من عبارات رأت أنها غير مطابقة لمعاييرها، فقال القضاء كلمته وذلك بحكمه لصالح المرشحين وتم إعادة هذه اللافتات.

كما أن هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك حين أعتقد بأنها ستقوم بالتضييق على المرشحين الذي يعتقد البعض بأنهم ليس على «الموود» بالنسبة للسلطة وأقصد هنا جمعية «الوفاق» لنفاجأ بأن هذه الجمعية تحصل على جميع الدوائر التي شاركت بها وبأريحية.

هنا لا نقصد الحسد أو الامتعاض ولكن ما أردنا الوصول إليه هو الوقوف عند التصريحات الاستباقية آنذاك، التي باتت تشكك بكل شيء لتبرير الخسارة إن حدثت.

إن كفاءة هذا اللجان وحياديتها هي التي أوصلتنا إلى قراءة النقلة النوعية التي وصل إليها الفرد من وعي بممارسة حقه الدستوري في الاختيار، هذا بجانب مفاجأة نتائج انتخابات 2010 سواء ما خسرته الجمعيات السياسية أو ما حققه المستقلون، حيث أثمرت هذه الانتخابات ما وصلت إليه ثقافة ووعي الناخب التي تعد تطبيقاً لأحد أنماط حرية التعبير عن الرأي الذي يظنه علينا البعض، إذ يختلف الناخب الواعي عن الناخب المتعصب فالأول يجيد التصويت والاختيار حسب رغباته أما الثاني فهو يكرس التعصب والتحيز الذي لا ينسجم مع ثقافة الانتخابات المدنية.

أن الانتخابات ليست الهدف الأول والأخير في النظم الديمقراطية الناشئة، بل أن العملية السياسية في هذه النظم تستدعي التعاطي مع الانتخابات معياراً من بين مجموعة من المعايير والمبادئ، ينبغي أن تتوافر في المواطن والمجتمع لتكون القاعدة السليمة التي تبني عليها العملية الانتخابية، وتنظم في رحابها، وإن لم يشمل التغيير جميع التيارات السياسية، ففي المجمل كسب المواطن عدم الخوف من عملية التجديد، حيث ما عانينا من إشكاليات وتعقيدات سياسية في الفترة السابقة، يؤشر خللا واضحا في تلك المبادئ. وتم تصحيحه بالمعيار الحقيقي للانتخابات التي تفرز الأصلح والأنفع وذلك بوعي المواطن بحقوقه التي ضمنها له الدستور، وما تعنيه الديمقراطية كنظام حكم وثقافة للمجتمع.

إن كل ما تقدم لا يعني التشفي بمن خسر أو تهنئة من وصل أو من حافظ على مقاعده، فالهدف من هذه القراءة هو استنباط ما وصل إليه الناخب وأسبابه، فالمنطق يقول على جمعية «المنبر والأصالة» التي خسرت جزءاً من مقاعدها بات لزاماً عليها معالجة الأسباب التي أدت إلى ذلك، و»الوفاق» وإن حققت النجاح المرجو لها يجب أن تتخلى عن التصريحات الاستباقية التي لا تخدم المسيرة السياسية، مرة بالتعلل بالمطابخ السرية ومرة بالتشكيك بالمنافسين ومرة بالمراكز العامة ومرة بالرقابة على الانتخابات.

لقد أثبتت الانتخابات حياديتها وشفافيتها بمن فيها المراكز العامة التي أسهمت في تخفيف الضغط على المراكز الفرعية، وباعتقادي أن «الوفاق» لا تشك بذلك وإن لم تصرح به، حيث كنت بحديث مع النائب محمد المزعل في الدائرة الخامسة بالعاصمة، إذ كنت أحد المراقبين فسألني عن رأيي في عمل اللجنة وشفافيتها بدائرته فقلت له يجب أنت الذي يجيب على هذا السؤال فأجاب بأن اللجنة كانت حيادية وشفافة ومتعاونة!، ولا علم لي إن كان هذا الاعتراف من نشوة الفوز أو الحقيقة التي لا يصرح بها أحد من هذه الجمعية.

بعد كل ما تقدم إذا كانت هناك كلمة يجب أن تقال وفي العلن من قبل الجمعيات السياسية وفي مقدمتها «الوفاق» هي توجيه الشكر إلى القضاء واللجان الإشرافية والقائمين عليها، ووزارة الداخلية والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون التي أبهرت دول المنطقة والصحافة الخارجية بالمركز الإعلامي وبتغطيتها الحية.

ولتعلموا أن الكاسب الأبرز من كل ذلك هو المواطن والجمعيات الحقوقية الحيادية، التي قامت بمراقبة الانتخابات من خلال كم من المراقبين يغلب عليهم الطلبة الجامعيون والشباب، كسبوا الخبرة من خلال تجربتهم الرقابية على المراكز الفرعية والعامة.

وهنا نقول هناك من يحتاج إلى ثقافة زرع الثقة والبناء عليها وإن يبني توجهاته على أساس المصلحة الوطنية على بقية المصالح الشخصية والقبلية والطائفية.

حفظ الله البحرين العربية من كيد الكائدين.