بات واضحاً باعتراف الجمعية البحرينية للشفافية أن الانتخابات المنصرمة هذا العام أفضل من سابقتها في العام 2006، وهي من وجوه عدة أفضل من التي جرت في العام 2002.
هي أفضل هذا العام من حيث المساحة التي أتحيت للمراقبين للعملية الانتخابية، كما أن النتائج أظهرت عدم وجود تفاوت كبير وغير معقول في عدد الأصوات بين المراكز العامة والمراكز الفرعية الأمر الذي طمأن القوى السياسية والمواطنين، خصوصاً مع التجربة المُرَّة للمراكز العامة وتأثيرها السلبي على أصوات قوى المعارضة في العام 2006.
«نزاهة العلمية الانتخابية» هذا العام - مع وجود ملاحظات مهمة - ستعلن عنها الجمعية البحرينية للشفافية في النصف الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل يكشف ضمن دلالته المهمة تطوراً سياسياً انعكس بشكل كبير ليس على مستوى إدارة العملية الانتخابية في الجانب الرسمي فقط، بل حتى على مستوى الحراك السياسي الحاصل قبل وأثناء العملية الانتخابية وطبيعة الخطاب السياسي المتداول.
لقد كنت شاهداً كإعلامي على «الخط البياني» الذي يحكم خطاب ولغة القوى السياسية منذ انتخابات العام 2002 ومروراً بانتخابات العام 2006 وصولاً إلى الانتخابات الحالية في 2010 وأستطيع أن أقول إن البحرينيين تعلموا الكثير في غضون فصلين تشريعيين من عمر التجربة النيابية (نحن نتكلم عن 8 سنوات فقط)، ونحن نأمل بأن يكون لتقادم التجربة دوراً في تحصينها ونموها وتطورها ورقيها على مستوى الخطاب والممارسة. فإذا كانت التجربة الأولى في العام 1973 قد تعثرت بعد سنتين من انطلاقها بسبب ظروف شابتها سنوات تأسيس الدولة، فإن البحرينيين اليوم مصممون قيادة وشعباً على إنجاح المشروع الإصلاحي والدفع به إلى الأمام.
في العام 2002 كان خطاب القوى السياسية في المعارضة (وعد، الوفاق، وأمل) متمسكاً في موقفه المتحفظ من المشاركة بسبب المسألة الدستورية خصوصاً وتوزيع الدوائر والقضايا الأخرى المنبثقة عنها... كانت المعارضة مصدومة ومرتبكة بدستور 2002 والتطورات العجلى التي أغرقت المشهد بمفاجئات غير متوقعة وبالتالي كانت ذهنية المعارضة وقتها رافضة لكل هذه التحولات التي تفرد الحكم بها بعيداً عن روح المشاركة الشعبية التي شاعت منعطف فبراير/ شباط 2001 وبالتالي كان الخطاب السياسي لقوى المعارضة متوجساً وقلقاً وكان كمن يخشى الخوض في رمال متحركة، وسادت في تلك الفترة نبرة تخوينية تضمنتها التلافيف الكامنة في الخطاب السياسي تجاه من اجترح المشاركة في البرلمان وظهرت مصطلحات تدمغ الخارجين على كلمة الموقف الشعبي والعلمائي بـ «خيانة دماء الشهداء» والخروج عن «الحس المشترك» الذي ينتجه العلماء.
في العام 2006 تقرر قوى المعارضة المشاركة في العملية الانتخابية لتدخل الوفاق ووعد وأمل، لكن الوفاق تنفرد بحصة فوز قوامها 18 (صاروا 17 بعد فك الارتباط المدوِّي لعزيز أبل)، ولأن التجربة هي الأولى لقوى المعارضة، فقط كان الخطاب العام، مغرقاً في الخصوصية المذهبية، ويتحلى بقدر لا تخطئه الأذن الواعية من العنف الرمزي ولهذا شاع في الخطاب الإعلامي والشعبي «الكتلة الإيمانية» و»الخارجون على عباءة العلماء» والحق أنها عبارات ألصقت بالوفاق ولم تصدر عنها.
في العام 2010 اختلف الوضع برمته، إن كان على مستوى اللغة المتداولة للقوى السياسية الفاعلة، أو على مستوى طبيعة الحراك السياسي لها، واتسم المشهد بمزيد من الانضباط ووضوح الرؤية والثقة بالنفس وبات المتنافسون «إخوة» والإشاعات - إلا ما شذ - لم تجد لها سوق رائجة، والخطاب الديني - مهما بولغ في حجم تدخله لحرف قناعات الناس - كان مهذباً جداً وموضوعياً جداً وإنسانياً جداً، خصوصاً تجاه من قرروا منافسة الوفاق في دوائرها وهذه علامة مضيئة في تطور حياتنا السياسية والاجتماعية يجب أن تقدّر وتثمن.
الآن، وبعد أن كشفت الانتخابات عما في جعبتها من مفاجئات وأسفر النيابي عن لثام وجوه أعضائه الأربعين، فإن الأمل يحدونا كشعب أن ننتظر منكم ما نستحقه من وعود أطلقتموها وشعارات كانت متناغمة مع تطلعات وآمال وأحلام المواطنين... فهل سيثبت نوابنا الكرام أنهم قادرون على محكات تطور التجربة ونموها مثلما تطور الخطاب السياسي البحريني؟
نتمنى
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 2977 - السبت 30 أكتوبر 2010م الموافق 22 ذي القعدة 1431هـ
اهلا بالزميل السابق
يعجبني ثروتك اللفظية وعبارتك السهلة في توصيل المعاني الصعبة
ولكن
عودة للمقال فالملاحظات على الانتخابات من حيث الشكل قد لا تذكر وليست محل نقاش وتجربة ناجحة
وكما تمنينا أن نعيش ديمقراطية صادقة المضمون بحيث يملك البرلمان المنتخب سلطة التشريع والرقابة الحقيقتين
حتى يصدق ما تكتبون عن اننا نعيش الديمقراطية
أخوك أبو محمد
بهلول
الوعود التي أطلقت نوعان ، نوع على اللافتات و في داخل الخيم الإنتخابية لإستهلاك الناخبين ، و النوع الآخر غير معلن و هي عبارة عن تعهدات بالسير على النهج المرسوم و إلا فإن مصالحكم الإقتصادية و التجارية في مهب الريح يا (( مستقلون))