العدد 2975 - الخميس 28 أكتوبر 2010م الموافق 20 ذي القعدة 1431هـ

العدالة في التنمية الاقتصادية (مقارنة بين الإسلام والغرب) (3)

علي المحسني open [at] alwasatnews.com

العدالة والتنمية في المفهوم الغربي

إن سيادة السلطة العلمانية في الغرب، واعتماد مركزية الإنسان ببعده المادي، الذي أفرز تفسيرات مادية وأحادية للتنمية مع التركيز على مقدار الفائدة في أغلب النظريات، أدى كل ذلك إلى اختزال خصائص ومؤشرات التنمية إلى عوامل اقتصادية ومادية مجردة. فنظريات التنمية التي كتبت في منتصف القرن العشرين اعتبرت (معدل إجمالي الإنتاج الوطني، الدخل السنوي، الثروات، الرفاه، التصنيع التخصص، الهجرة إلى المدن، وأمثال ذلك) مقياساً للتنمية، في حين استبعدت القيم الإنسانية والإلهية، كالعدالة، ولاسيما العدالة الإسلامية، في ذلك، بل إن بعض المفكرين يشكك في قدرة العدالة والمساواة على تأمين السعادة والحرية للإنسان. فـ (اجورث) ومن دافع عن رأيه كانوا يشككون ويقولون، نحن لا نعلم الحقيقة، هل أن المساواة والعدالة تحققان سعادة اكبر؟

إن إحدى المشكلات التي تواجه العدل في التنمية الغربية هي تعدد ما يفهم من مصطلح العدالة، ويمكن أن نقول: إن الخلاف الواقع بين الفلاسفة السياسيين ـ سواء الفلاسفة الكلاسيكيين أو المحدثين ـ بشأن العدالة ناشئ من الاختلاف في مفهوم العدالة لديهم. فالعدالة تعني عندهم أحد المعاني التالية:

1 ـ المساواة.

2 ـ الكفاءة.

3 ـ الحاجة.


الحرية والعدالة في ظل الدولة

يرى بعض المنظرين في حقل التنمية، وأكثرهم من الليبراليين الجدد كـ (فريدمان) و(هايك) و(نوزيك) ان العدالة الاجتماعية ـ وبالأخص العدالة الاقتصادية التي تقوم الدولة بتطبيقها ـ تتعارض مع الحرية. ميلتون فريدمان يعتقد أن الحكومة أقوى معيق للحرية الفردية، لان تأمين الحرية يلازم تفكك السلطة وباعتقاده أقوى معيق للحرية الفردية، لأن تأمين الحرية يلازم تفكك السلطة وباعتقاده أن توزيع القدرات الاقتصادية يلزم منه إضعاف سلطة الحكومة. ويعتقد أيضاً أن المجتمع الذي يطالب بالعدالة يضحي بالحرية مع عدم ضمان تحقق العدالة. لهذا لم تعد الدولة في الاقتصاد الرأسمالي تؤكد المساواة الاقتصادية المؤسسة على العدالة على حساب الحرية الفردية، وإنما يتحقق ذلك في ظل مركزية السلطة بيد الدولة.

ويعتقد (فردريش هايك) أيضاً أن تدخل الدولة في الاقتصاد تحت ذريعة العدالة الاجتماعية في التوزيع سيكون سبباً لاتساع جهاز الضغط الحكومي، مما يعرض الحرية الشخصية للخطر. وفي رأيه أن سلوك الإنسان وحده هو الذي يقرر كونه عادلاً أو لا، ولا يمكن أن نحكم على وضع معين ليس للإنسان فيه أي تدخل انه عادل أو غير عادل. ويعتقد بما أن أعمال الفرد لا تتحكم في توزيع الثروة في المجتمع، فلا يمكن أن نصف التوزيع بأنه عادل أو غير عادل. لان حركة السوق هي التي تتحكم بتوزيع الثروة وليس سلوك الإنسان. إذاً لهذا السبب فأي إجراء يتخذ مجدداً بخصوص التوزيع يُعد عملاً عبثياً يحد من حرية الفرد في المجتمع.

أما (روبرت نوزيك) أحد أبرز الفلاسفة الليبراليين الجدد ومن المدافعين عن الدولة، فيعتبر هذا الموضوع طوبائيا ويهاجم دور الدولة في تأمين العدالة الاجتماعية في التوزيع. ويعتقد أن السوق هو الذي يفرض نظام الدولة، لذلك فهو ينتقد نظرية الفيلسوف الانجليزي (راولز) في العدالة. ونظرية (راولز) كما ذكر (نوزيك) تقول: إن ثروات المجتمع هي نتاج التعاون الاجتماعي، لذا يجب أن توزع بشكل عادل. أما الثروة برأي (نوزيك) فهي نتاج عمليات نظام السوق المعقدة، فلا تعد هذه الثروة مالاً للجميع حتى يقال بعدالة التوزيع.

فالثروة الموجودة في ضوء هذه النظرية هي حصيلة المبادلات الحرة والجهود الشخصية. وهذا أمر عادل بحد ذاته. ويعتقد (نوزيك) أيضاً أن جميع النظريات المنادية بالعدالة كمبدأ مفروض، لا تراعي حرية الفرد.


المصالح الشخصية والاجتماعية

ظهرت الليبرالية الحديثة بعد أزمة الحربين العالميتين، وبالخصوص الحرب العالمية الثانية، كردة فعل لإيجاد دولة الرفاه، أما بلحاظ تاريخ الفكر، فان جذور الليبرالية تمتد إلى حركة الفكر الليبرالي القديم. وبعبارة أخرى إنها تريد إحياء الليبرالية القديمة بلباس جديد. ويتبنى الفكر الليبرالي أصالة الفرد أو حرية الفرد. فالحكومة في العقيدة الليبرالية هي مؤسسة مهمتها تأمين هذه الحرية.

ومن الأفكار الأخرى للعقيدة الليبرالية حرية التبادل التجاري على أساس نظام القيمة، مع منع تدخل الدولة في شئون السوق.

إن وظائف الحكومة برأي الاقتصاديين المدافعين عن الرأسمالية، بالأخص (آدم سميث) هي فقط المحافظة على النظام الداخلي وإنجاز بعض الخدمات والاحتفاظ بقدر من المؤسسات العامة. وتحقيق المصالح الشخصية هو افضل طريقة لتأمين الحاجات الاجتماعية. ويقول: حينما يتابع الفرد مصالحه بنفسه يتمكن من تسيير مصالح جميع المجتمع بشكل افضل. ومجموع مصالح الأفراد، بعضهم مع بعض يؤول إلى تأمين مصالح المجتمع. إذاً فالمصالح الشخصية المفتوحة والمتنافسة داخل المجتمع افضل طريق لحماية مصالحه. ومن هنا تداخلت الليبرالية مع الاقتصاد الرأسمالي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

إن للفكر الاقتصادي الليبرالي جذورا في مذهب الفائدة (Utilitarianism)، فالهدف من قيام الدولة في رأي (جرمي بنتام)، مؤسس مذهب الفائدة وفيلسوف الليبرالية في القرن الثامن عشر، هو هدف عام لجميع حياة البشر، أي تأمين الرفعة والسعادة واللذة العامة. فعلى الدولة أن تسعى لتأمين اكبر سعادة للشعب لكي تستطيع أداء وظيفتها بصورة أحسن. وأعمال الفرد وسلوكه إنما تكون صحيحة إذا كانت سبباً لزيادة السعادة والفرح، أي توافر اللذة واختفاء الألم والعذاب. والعدالة في رأي مؤيدي هذا المذهب تتحقق بحصول الخير والسعادة للجميع، وبعبارة أخرى، إن الفرح هو مقياس العدالة.

وإذا أردنا أن ندرس ما ينطوي عليه الاقتصاد الليبرالي من تناقض فعلينا أن نرجع إلى أفكار وآراء أصحاب مذهب الفائدة. فإحدى الصعوبات التي تواجه هؤلاء هي أنهم يعتقدون أن الهدف النهائي هو السعادة واللذة وليس الحرية. مع أن السعادة واللذة قد تتحقق بالضغط والاستبداد لكن على حساب الحرية. أي بإمكانهم ضمان سعادة الآخرين من دون حاجة إلى رضاهم. إذاً فالحكومات القوية قادرة على تحقيق ذلك.

والخلل الآخر في هذه النظرية هو أن (بنتام) يعتقد أن الإنسان موجود عقلاني بأكمله، لكن لم يبين ما معنى العقلانية، هل هي مراعاة المصالح الشخصية أم مراعاة المصالح العامة. والمهم هنا أن نعرف كيف أن مراعاة المصالح الشخصية تؤمن المصالح العامة بنفسها.

ثم إن (بنتام) لم يبين لنا طريقاً عقلانياً لرفع التعارض الذي يقع عادة بين السعادة الشخصية والسعادة العامة.

ولم تنفع محاولات المفكرين الذين جاءوا بعده في حل التناقضات التي أخلّت بنظرية الفائدة. فـ (جون ستيوارت) لم يحقق أي شيء في هذا المجال، وإنما أضاف إلى تناقضات هذا الفكر تعقيدات جديدة.

العدد 2975 - الخميس 28 أكتوبر 2010م الموافق 20 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً