العدالة في الإسلام
عندما نراجع مفهوم العدالة في الإسلام، ولاسيما في ثقافة وأدبيات مدرسة أهل البيت (ع) نجد أن للعدالة دوراً أساسياً في التنمية الاقتصادية، والآن نشير إلى ذلك إشارة إجمالية:
أ ـ العدل في القرآن:
يعد العدل ـ حسب الرؤية الإسلامية ـ أحد أصول الدين ويشكل أساس وفلسفة الأصول الأخرى. وبحث العدالة في المجتمع الإسلامي ودورها في التنمية والحياة له جذور أصيلة في القرآن الكريم، فالقرآن بيّن العدالة بشكل شامل وأشار إلى مفهوم: العدل، العدل التكويني، العدل التشريعي، العدل الأخلاقي والعدل الاجتماعي. كما أكد العدل وعمقه في نفوس المسلمين.
ويرى القرآن الكريم أن نظام التكوين وخلقه قائم على أساس العدل والتوازن «قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى». كما اعتبر القرآن الحق الملازم للعدل أساس الخلقة، واعتبر مقام التدبير الإلهي مقام القائم بالعدل.
والعدل وفق الرؤية القرآنية ملاك وميزان الخالق في تدبير أمر خلقه. كما إن الحكم بالعدل والقسط في جميع مجالات حياة الإنسان أحد الأهداف الأساسية لبعث الأنبياء (ع)، والغاية النهائية لجميع الأديان الإلهية. كذلك فتحقق العدل هو أحد وظائف الأنبياء. بل إن أوامر الله تعالى قائمة بالعدل والإحسان. والقرآن حينما يأمر جميع الناس بالعدل يشدد على المؤمنين بذلك، وقد اعتبر القرآن الكريم العدل صفة الإنسان الخلوق الذي يعتمد عند الآخرين. كما أجاز القرآن القتال من أجل رفع الظلم وإبادة الظالمين. بل إن إقامة العدل واجبة حتى لو أدت إلى المواجهة مع العدو.
والعدل هو الأساس في الثواب والعقاب يوم القيامة.
إذاً فالعدل في نظر القرآن هو الأساس لجميع أصول الدين وفروعه من التوحيد حتى المعاد، ومن النبوة إلى الإمامة ثم الزعامة، ومن آمال الفرد إلى أهداف المجتمع، وبعبارة أخرى إن العدل توأم التوحيد، وركن المعاد، وهدف تشريع النبوات، وفلسفة الزعامة والإمامة، ومعيار كمال الفرد، ومقياس سلامة المجتمع.
فالقرآن ذكر (16) آية حول العدل تختص بالعدل الاجتماعي.
ب ـ العدل في الروايات:
تحدثت الروايات كثيرا عن أهمية وقيمة وضرورة تطبيق العدالة في المجتمع الإسلامي. بل اعتبر الإمام علي (ع) العدل حياة، وإقامته إحدى الوظائف الأساسية لأي حكومة. والحكومة الأفضل هي الحكومة القادرة على تطبيق العدل.
يقول الإمام علي (ع) في عهده إلى مالك الأشتر: «لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متتعتع»، ويقول: «وأيم الله لأنصفنَّ المظلوم من ظالمه ولأقودن الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق وإن كان كارهاً».ويوصي ولده الحسن (ع): «... وبالعدل على الصديق والعدو».
ويقول الإمام الصادق (ع): «العدل أحلى من العسل». ويقول الإمام الرضا (ع): «عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة قيام ليلها وصيام نهارها».
ج ـ العدالة في السيرة العملية للإمام علي (ع):
للعدل في تاريخ الإسلام وحياة المسلمين دور متميز، ولاسيما في حياة الرسول (ص) وحياة الأئمة (ع). أما حكومة الإمام علي (ع) فكانت مثالاً للعدل بمفهومه القرآني. ولم يرضَ بالخلافة والرئاسة إلا من أجل استقرار العدل. وقد تحمل من أجل ذلك مصائب وآلاماً كثيرة. وقد أصرَّ أن يعود بالمجتمع الإسلامي إلى عهد الرسول الأكرم (ص)، فأكد إرجاع الأموال التي أخذت ظلماً وعدواناً إلى بيت المال، وطالب بالمساواة بين المسلمين وغير ذلك، حتى قيل إنه (ع) قد (قتل في محرابه لشدة عدله). مما تقدم نستنتج أن العدالة الاجتماعية هي المطلب النهائي والهدف الغائي، فيجب أن تسعى جميع المشاريع إلى تحقيق هذه القيمة الإلهية. فلا يمكن لأي تخطيط أو استراتيجية أو تكتيك في إطار الإسلام أن يتخطى هذا المبدأ في بعده السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي. والإعراض عن هذا المبدأ تحت أي عنوان، وإن كان لأجل التنمية الاقتصادية، يعد أمراً مخلاً ومرفوضا إسلامياً. وقد دلت التجارب التاريخية، ـ كما ستدل على ذلك مستقبلا ـ أن العدالة والتنمية الحقيقية والسعادة الشاملة لا تتحقق إلا في ظل العدالة الاجتماعية للإسلام.
العدد 2968 - الخميس 21 أكتوبر 2010م الموافق 13 ذي القعدة 1431هـ