قصة ثورنا الأبيض أوردها ابن المقفع في كتابه الشهير «كليلة ودمنة» وهي قصة رمزية سياسية تنطبق على وضع البلد العزيز «السودان» مع أميركا وعالمنا العربي بوضعه الواهن الضعيف.
فالسودان بلد عربي غني بثرواته المتنوعة؛ الماء، البترول، والمعادن، وغيرها من الثروات التي يقل مثلها في كثير من بلاد العالم.
والسودان - كذلك - بلد عُرف بمواقفه الشريفة من الصهاينة ومن سادتهم الأميركان، وفوق كل ذلك فهو البلد الذي يستطيع التأثير في بلاد إفريقية كثيرة تجاوره لو كان وضعه طبيعياً مستقراً، ومن أجل ذلك كله - وربما لأشياء أخرى - عملت أميركا بشكل رئيسي وبعض حلفائها على إضعاف السودان بطرق متنوعة كان من أخطرها تفتيته إلى دويلات من صنع أميركا لتتمكن أميركا في نهاية المطاف من تحقيق خططها في هذا البلد - خاصة - وفي إفريقيا - عامة. وها نحن نرى نتائج تلك الأفعال على وشك التحقق، كما رأينا بعض السودانيين الجنوبيين يرفعون الأعلام الأميركية وهم يتظاهرون لصالح الانفصال.
لا أريد هنا أن أتحدث عن مؤامرة لأن ما تفعله أميركا واضح للعيان، فهي تستغل مكانتها وإمكاناتها المادية للضغط على الحكومة السودانية بكل الطرق لكي تصل إلى أهدافها في فصل الجنوب - أولاً - ثم في فصل دارفور - ثانياً - حتى يتم تفريغ السودان من كل إمكاناته وليصبح بعد ذلك دولة هزيلة ربما تضطر لفعل ما سبقها إليه بعض الجنوبيين!
الأميركان الذين يتحدثون عن القيم والأخلاق والقوانين الدولية وسواها مما يرددونه باستمرار يضربون بكل ذلك عرض الحائط إذا تنافت هذه القيم والقوانين مع مصالحهم، وبطبيعة الحال مع مصالح «إسرائيل».
أليس من اللافت للنظر حرص أميركا الواضح على انفصال جنوب السودان عن شماله؟!
إنهم يتحدثون عن هذا الانفصال منذ مدة طويلة وكأنه واقع لا محالة! وفوق ذلك فهم يؤكدون بأنهم سيقفون مع الدولة الجديدة، بل - وأكثر من ذلك - لوحوا للبشير بإغراءات كثيرة إذا سمح بقيام الدولة الجديدة! ألا يحق لكل عربي أو مسلم أن يتساءل عن الأهداف الأميركية من وراء كل ذلك الحرص؟!
الاستفتاء اقترب كثيراً، ومع أن موضوع الاستفتاء كله كان لعبة قذرة لا تخضع لأي قانون إلا قانون القوة إلا أنه مع ذلك لن يتم بحسب الاتفاق عليه، وأميركا تعرف ذلك وتساعد عليه لأن المهم عندها هو الانفصال مهما كانت الظروف.
سلفاكير يهدد بعمل استفتاء منفرد إذا ما عطل حزب المؤتمر الاستفتاء المتفق عليه... لكنه قال: إنه لن يعلن الاستقلال من جانب واحد! ولست أدري كيف يتفق هذا القول مع ذاك؟!
سلفاكير وحزبه يسوّقون للانفصال، ويشجعون المظاهرات التي تدعو لذلك... لكنه في الوقت نفسه يقمع كل المظاهرات التي تقف مع الوحدة، كما أنه يقمع كل القادة الذين يتفقون معها أيضاً.
معظم الجنوبيين مع الوحدة لأن معظم مصالحهم في الشمال، وهم يدركون - أيضاً - أهمية الوحدة لكل السودانيين، لكن هؤلاء لا يكاد صوتهم يسمع بسبب الكبت الشديد الذي يتعرضون له، ولعل هذا الوضع هو الذي دفع الحكومة السودانية لاشتراط وجود ضمانات لنزاهة الانتخابات التي يتوقع أن تتعرض لتزوير واضح وبتأييد بعض القوى الكبرى!
زيارة سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لعاصمة الجنوب «جوبا» ثم إلى «الفاشر» عاصمة دارفور هل يمكن تصنيفها على أنها زيارة طبيعية؟!
الحديث عن تقسيم بعض الدول العربية حديث قديم، ولأهداف معروفة، والعدو من حقه أن يفعل كل شيء من أجل مصالحه، ولكن ما هو الدور الذي يجب أن تقوم به كل الدول العربية من أجل تحقيق مصالحها؟!
تقسيم السودان أصبح محققاً إلا أن يشاء الله، وهناك إرهاصات واضحة عن تقسيم مصر إلى دولة للأقباط في الجنوب وأخرى للمسلمين! والمتتبع لبعض تصريحات الأقباط خارج مصر، أو لآخر تصريحات الأنبا بيوشي الذي يدعي أن المسلمين ضيوف على مصر يدرك أن ما جرى في السودان مما لم يكن متوقعاً قد نراه في أكثر من بلد عربي!
الصمت العربي عما يجري في السودان أمر في غاية الغرابة، فالسودان في أشد الحاجة إلى موقف عربي داعم له لكي يحافظ على نفسه أمام كل الضغوط الهائلة من الأميركان وأتباعهم.
انفصال الجنوب سيجعل «إسرائيل» قريبة جداً من أكثر من بلد عربي، وسيكون لها القدرة على التحكم في بعض مياه النيل والضغط من خلالها من أجل تحقيق مصالحها... فكيف يسكت العرب على ذلك؟!
قوى معادية أخرى للعرب وللإسلام ستكون أكثر قدرة على إيذاء العرب من خلال دولة الجنوب التي ستعطيهم كل شيء لأن قادتها يدركون أنهم إنما قاموا على مساعدة تلك الدول ولن يستمروا إذا تخلت عنهم.
قصة الثيران الثلاثة مع الأسد أراها تتكرر اليوم! وأخشى أن يأتي اليوم الذي تقول فيه بعض البلاد العربية: ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض!
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 2958 - الإثنين 11 أكتوبر 2010م الموافق 03 ذي القعدة 1431هـ
الدور القادم
شكرا للكاتب والسؤال على من سيكون الدور مستقبلا ألا يجعل هذا الواقع المؤسف العرب يتحركون
طير نحس مستمر
عوفيت يا عزيزي
أميركا .. عدوة الشعوب .. مثيرة الحروب ..
يحل الخراب أينما حلت!!