العدد 293 - الأربعاء 25 يونيو 2003م الموافق 24 ربيع الثاني 1424هـ

وهكذا يعامل «المحتلون الطيبون»!

روبرت فيسك comments [at] alwasatnews.com

ما حدث لم يكن أوضح منه تخطيطا ولا أكثر احتمالا مما حدث. فالبريطانيون هم المعدة الرخوة للإحتلال الأميركي، والرجال «الطيبون» الذين لا يرتدون القبعات ويقومون بدورياتهم فوق الدراجات الهوائية يجوبون خلالها أسواق البصرة. فلن يقوم أحد بجرح او إصابة البريطانيين، أصحاب الآليات الودودة في العلاقات العامة، وكل تلك الخبرة المكتسبة من ايرلندا الشمالية - إذا ما فكرت في الموضوع - ربما تكون قد انذرتهم في هجوم الأمس.

نحن البريطانيين دائما ما نميز بين أنفسنا وبين «هم»، والمقصود هو «الأميركيون»، ولكننا فشلنا في ادراك ذلك في بغداد، إذ ان العراقيين لم يصلوا إلى ذلك التمييز. وكل الرسائل الصادرة عن المقاومة الوليدة - من تصريحات البعثيين السابقين إلى رجال الدين الشيعة- كلهم تحدثوا عن «الغزو الأنجلو أميركي» أو «المحتلين البريطانيين والاميركيين». وعليه لم يكن من الصعب تخمين كيف تم التخطيط للكمين (الذي تعرض له الجنود البريطانيون). فالأميركيون من جانبهم كانوا يتخذون احتياطات كثيرة جدا، فهم يحيطون أنفسهم بدباباتهم ومدرعاتهم، ويحمون قصر احتلالهم الرخامي. ويطلقون النار على رماة الحجارة بحماسة الجنود الاسرائيليين، فلماذا إذا لا يتم استهداف حلفاء الأميركان الرخوين؟

طبعا هناك ردود فعل للرعب يمكن التنبؤ بها بالدرجة نفسها. لقد كان الهجوم «جبانا» و«حقيرا» ...وهي الصفات التي اعتدنا على إطلاقها على مئات الكمائن التي تعرض لها الجنود البريطانيون في بلفاست وأرماغ. وذلك ما كنا نطلقه ايضا على الهجمات التي كانت تستهدف الجنود البريطانيين في عدن وقبرص والملايو، وفي العام 1920 في ايرلندا وفي كينيا وفلسطين بعد ذلك. وسواء أدرك ذلك طوني بلير أم لا، فالسبب هو أننا نلعب مرة اخرى لعبة المحتلين الاستعماريين... وها نحن ندفع الثمن الآن.

والأمر نفسه كان في العام 1917. الجنرال سير ستانلي مود ادعى ان قوات غزوه البريطانية انما جاءت لـ «تحرير» الشعب العراقي وليس لاحتلاله، ولكن في خلال ثلاثة أعوام تعرض جنوده في كل مكان للرصاص وبالشدة نفسها التي تعرض لها الجنود البريطانيون الشباب يوم أمس الأول. ومازال مئات منهم يقبعون في مقبرة البوابة العسكرية الشمالية الكبرى في بغداد. ومع كل هذا التجاهل المرعب للتاريخ، فإن هذا الهجوم الاول على البريطانيين - الأقوى ضد قوات الاحتلال منذ غزو العراق الشهر الماضي - حصل فقط على بعد بضعة أميال من الموقع الذي شهد هزيمة الجنود البريطانيين في الحرب العالمية الأولى في كوت العمارة، إذ استسلم الجيش البريطاني بالكامل، وقد هدته الأمراض، إلى الأتراك العثمانيين، وهلك وهو يزحف إلى الشمال نحو الأناضول.

كيف يمكن أن يفعل ذلك بنا العراقيون إذا كنا قد جئنا لنحرّرهم؟ فذلك سيصبح موضوعا مكررا لا يمكن اجتنابه في اعقاب هذا الهجوم. فأعمال حرب العصابات، كما يعرف ذلك البريطانيون جيدا، انما هي الشكل الوحشي القاسي من الصراع. وهذه الحرب لا تميز المحتلين «الطيبين» عن المحتلين «الأشرار»، أو بين الأميركان الذين يطلقون النار على الأبرياء وبين تومي أتكنز بقبعته الناعمة ومعارفه - ألا يعود ذلك بنا إلى يوم «الأحد الدامي» في العام 1972 - بأنك إذ قتلت بريئا فانك ستعاني من ذلك؟

هذا الكمين رفع إلى السطح أيضا المزيد من الأسئلة: ألم يرسل هؤلاء الجنود البريطانيون إلى العراق للعثور على أسلحة الدمار الشامل؟ ومادام لم تظهر اية أسلحة من هذا القبيل منذ وصولهم إلى هناك فلماذا كان عليهم أن يموتوا هناك الليلة قبل الماضية؟

ينشر المقال بالاتفاق مع صحيفة «الاندبندنت» البريطانية

العدد 293 - الأربعاء 25 يونيو 2003م الموافق 24 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً