نقف اليوم مع ذكرى يوم القدس العالمي، الذي أعلنه الإمام الخميني في آخر جمعة من شهر رمضان، لندعو إلى تعبئة العالم العربي والإسلامي، لإنتاج الموقف الذي يخطط للمواجهة الشاملة للاحتلال الصهيوني، على مختلف المستويات الثقافية والسياسية والأمنية، لعودة كل فلسطين إلى أهلها، وأن لا يقتصر الحديث عن القدس ليُتحدث بعد ذلك عن تسوية لوضعها الديني أو السياسي، لأن القدس ليست مدينة في الحساب الجغرافي، بل هي الرمز والعنوان للقضية الفلسطينية التي هي أمّ القضايا العربية والإسلامية، كما هي رمز لكل مقدّس يُدنَّس، ولكل موقع تُنتهك حرمته من احتلال ويواجه قهراً وطغياناً.
ولا ينبغي لهذا اليوم أن يتحوّل في وجدان المسلمين إلى مجرد مناسبة للتظاهرات والاحتجاجات والخطابات التي تنتهي بانتهائها، ولا هذا ما أُريد منه عندما أطلقه الإمام الخميني (قده)، بل هو تخطيط مدروس للمرحلة القادمة، ليستفيد من كل عناصر القوة الموجودة وهي كثيرة، ويعمل على معالجة نقاط الضعف التي بالإمكان معالجتها.
إننا نعتقد أن العمل من أجل القدس يستدعي تقديم كافة أشكال الدعم للمقاومة الإسلامية والفلسطينية، وكل جهد للتحرير، لأن لغة المقاومة هي اللغة الوحيدة الذي يفهمها هذا العالم الذي لا يحترم إلا الأقوياء.
وفي هذا الجو، لا بد من توجيه التحية للعملية الجهادية التي حصلت في الضفة الغربية، والتي أكدت على عدم قدرة العدوّ على الفصل بين العمل الجهادي في غزة والضفة الغربية، والتي تؤكد على بقاء فلسطين ساحة واحدة للعمل على مواجهة غطرسة الكيان الصهيوني ومشاريعه.
وليس بعيداً من القدس نطل على الوضع العربي والإسلامي الذي يحاول التفلت من قيود المستكبرين والمحتلين في أكثر من موقع وخصوصاً في أفغانستان والعراق، حيث يعجز هؤلاء عن تأمين الاستقرار لجنودهم، وحيث بدأت عملية التراجع الأطلسي التي ستتوالى فصولاً، والتي يصاحبها انتقام متواصل من هؤلاء وممن عمل على خدمتهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من المدنيين الأبرياء، عبر استهدافهم من طائرات العدو ودباباته، أو من خلال التفجيرات الوحشية الهمجية التي باتت تلاحق العمال والطلاب وروّاد المساجد في العراق على وجه التحديد، من دون أن تنطلق - إلى الآن - مواقف حاسمة من المواقع الإسلامية خصوصاً، لتعلن براءة الإسلام من هؤلاء وأفعالهم، وتوجِّه المسلمين إلى عدم الانجرار وراء دعوات التكفير للمسلمين الآخرين التي يدعو إليها البعض، والتأكيد على أن ذلك لا ينسجم مع الإسلام ومع تعاليم رسول الله (ص) الذي قال: «المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه».
ومن المؤسف حقاً أن هذه العمليات الإجرامية تتم في الوقت عينه الذي تزداد فيه مأساة المسلمين في باكستان بفعل الفياضانات التي شردت الملايين من دون أن تنطلق قوافل المساعدات الإسلامية لرفع الحيف وكاهل الجوع عن الآلاف المؤلّفة، والملايين الكثيرة من جيوش الفقراء والمستضعفين هناك...
وإننا بهذه المناسبة، نجدد الدعوة إلى ضرورة الوقوف مع الشعب الباكستاني للتخفيف من آلام المستضعفين فيه وعذاباتهم، الذين لا يجدون المأوى وسبل العيش الكريم، ولنتذكّر قول رسول الله (ص): «من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»، «من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم».
أما في لبنان، فإن الأمور تزداد تعقيداً في ظلّ هذا الضجيج الذي يُراد له أن يتحول إلى دخان سياسي يحجب الرؤية عن كثير من المشاريع الدولية الوافدة على البلد والمنطقة تحت عناوين المحاكم الدولية التي باتت سيفاً مسلطاً على كل من تسوّل له نفسه الخروج عن دائرة الطاعة الأميركية، والالتحاق بركب المقاومة والممانعة، ورفض التوطين والدفاع عن الحقوق العربية والإسلامية المشروعة، وعلى رأسها حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه المسلوبة...
إننا - وأمام هذا الوضع الجديد الذي يُراد فيه للمقاومة أن تبقى في موقع الدفاع عن نفسها - ندعو جميع المعنيين للخروج من دائرة إطلاق النيران السياسية والإعلامية عليها، وتوجيه تلك النيران إلى العدو الذي يتربّص بالبلد، ويتحضّر للإيقاع باللبنانيين في لعبة الفتنة الكبرى التي يمارس فيها البعض دور إشعال عود الثقاب في ألعاب نارية لا يعرف مدى خطورتها، أو يتعامى عن ذلك بطريقة غير مسئولة نجد فيها الكثير من الرعونة والخفّة.
وإننا في الوقت الذي نشد فيه على أيدي كل الذين يعملون على وأد هذه الفتنة التي يراد لها أن تستعر من خلال الذين يسوّقون لها تحت عناوين مختلفة. نقول للجميع: ألا يكفي لبنان كل هذه المعاناة الاقتصادية والسياسية والأمنية حتى نشغله بفتن تحرق أخضره ويابسه؟! ومتى يهتم المسئولون بكيفية إخراج هذا البلد من واقعه الذي يعاني منه، بدلاً من الغرق في التجاذبات التي لم تنتج إلا تشنجاً وتوتراً يستفيد منه كل الذين لا يريدون خيراً بهذا الوطن؟!
أيها المسئولون: كونوا الأمناء على هذا الشعب الذي أعطاكم زمام القيادة لتصلوا به إلى شاطئ الأمان، فقد آن له أن يشعر بوجود دولة لها كل عناوين الدولة، لتشعره بالأمن والأمل بالمستقبل الواعد له ولأولاده.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد حسين فضل الله"العدد 2920 - الجمعة 03 سبتمبر 2010م الموافق 24 رمضان 1431هـ
تحياتي
رحم الله ابيك وحفظ الله
يا ابو هاشم
آل طوق
بارك الله فيك سيدنا
الموت لإسرائيل
الموت للصهاينة
الموت لليهود