العدد 2916 - الإثنين 30 أغسطس 2010م الموافق 20 رمضان 1431هـ

مساوئ التراشق بالصفات والتنابز بالألقاب

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

شهد عقدا الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي مرحلة غنية بالحوارات بين القوى السياسية العربية، عبر عنها الكثير من الكتابات ذات المنحى «الاجتهادي»، المترافقة مع ترجمات للكثير من المؤلفات الكلاسيكية للفكر التنويري الغربي. تأثر بذلك الأفراد والمفكرون، على حد سواء، مع الأحزاب والتنظيمات السياسية. ولَّد كل ذلك حالة سياسية/ فكرية صحية نجحت في تسليط الأضواء على الكثير من الأقلام الشابة، البعض منها كان منتمياً حزبياً، وبعضها الآخر حراً غير منضو في أي من الأحزاب. من بين هؤلاء، وعلى مستوى الأفراد يمكن تسمية كتاب، ومترجمين، من أمثال وليد الخالدي، وفواز طرابلسي، والياس مرقص، والعفيف الأخضر، وسعد الدين إبراهيم، ومنير شفيق، وآخرين.

وعلى المستوى التنظيمي، كانت هناك الأحزاب التي انسلخت من أرحام الحركات الأممية والقومية. وبوسعنا هنا الإشارة إلى الحزب الشيوعي العراقي - اللجنة المركزية، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الاتحاد الاشتراكي، بقيادة المهدي بن بركة في المغرب، المجلس الثوري في حركة فتح. باقة من التنظيمات السياسية، وكوكبة أخرى من الأقلام الشابة المتمردة، الرافضة للفكر التقليدي الراكد، والباحثة سوية عن ايديولوجية جديدة قادرة على وضع حد لحالة التمزق الفكري التي كانت تجتاحها.

شكلت تلك الظاهرة حالة إيجابية في مجملها، وما يدفعنا إلى إطلاق الصفة الإيجابية، وبكل ثقة، عليها وخلال المرحلة التي سادتها، هو أنها كان من المتوقع لها أن تشكل في محصلتها، وعلى المستوين الفردي والتنظيمي، محاولة جادة تضع حركة التحرر الوطني العربية على الطريق الصحيح الذي كانت تبحث عنه. رفعت تلك الحالة حينها تساؤلات مصيرية كبرى عبرت عنها علامات الاستفهام التي شابتها، والتي لاتزال حتى يومنا هذا تبحث عن إجابات شافية لها. لقد وجدت الحركة السياسية العربية يومها نفسها أمام تحديات جدية تمس جوهر الفكر الذي كانت تتبناه تنظيمات تلك الحركة، من مستوى: هل هناك أمة عربية؟ هل هناك عناصر لمقومات وحدة عربية؟ هل يستطيع الفكر القومي أن يحل مشكلات العرب الكبرى، ومن بين أهمها «التأسيس لمدخل صحيح لتناول الصراع العربي الإسرائيلي»؟ هل باستطاعة المدرسة الشيوعية التقليدية أن تعين «المناضلين العرب» على معالجة قضاياهم الفكرية والسياسية؟ تمرد المفكرون العرب حينها على مدارسهم القومية التي عبر عنها ساطع الحصري وميشيل عفلق، وبالقدر ذاته على مؤسساتهم الشيوعية التي كانت تدور في فلك المدرسة السوفياتية. ومن يراجع أوراقه القديمة اليوم ربما يكتشف أو يصدم بأن هناك الكثير من أمثال تلك الأسئلة ماتزال تحلق فوق رؤوسنا، وتلح علينا رغم مضي ما يقارب من نصف قرن على إثارتها.

رغم كل تلك الإيجابيات، لم يخلُ الأمر من سلبيات، وسلبيات مرة بمرارة العلقم، رافقت تلك الحالة، والتي يبدو أنها أطلت برأسها قبل أن تأخذ تلك الحالة المدى الذي تستحقه، والفترة الضرورية التي تحتاجها، كي تتبلور بشكل صحيح، فتنضج على نار هادئة، حيث هبت عليها رياح عاتية شديدة مباغتة وضعتها في قائمة المحرمات وأغلقت الباب أمام اجتهاداتها، فتحولت هي وحاملو مشاعلها إلى فئات شبه معزولة، جراء ادراج الفكر الذي تنهل منه في فئة الممنوعات، منذ أواخر السبعينيات. لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل ازداد سوءاً، وبدأت الأوضاع في التدهور، وربما التردي، عندما بدأت القوى السياسية تلك تتآكل من الداخل، وتحولت الحوارات الباحثة عن إجابات كبرى إلى مهاترات كلامية وتراشق بالتهم، وتنابز بالألقاب التي تقذف جزافاً، ودون الحاجة للوقوف، أو حتى التريث، قبل تبادلها بين منظمات الفكر الواحد، أو حتى في نطاق التنظيم السياسي ذاته. محصلة تلك السحابة السوداء التي تظللت بها الحركة السياسية حينها، هطول أمطار ملوثة قاتمة روت نزعات الانشقاقات المتتالية والتجنحات المستمرة التي تعرضت لها تلك الحركة، التي امتدت لتشمل التكوينات السياسية العربية ذاتها، وكان أفضل وصف لها ما جاء على لسان الممثل الكوميدي السوري دريد لحام حين أطلق صيحته «اليمن أصبحت يمنان».

جاءت تلك الحالة على الصعيد القومي العربي، عندما كان العرب، وهم لايزالون أيضاً، في أمس الحاجة إلى أوهى شكل من أشكال العمل الجبهوي الواسع المرن، الذي كان يمكن أن يحمينا من تلك الانشقاقات التي عرفتها الحركة الفكرية/ السياسية العربية، وتدهورت الحالة، وبدلاً من أن تصبح الاختلافات تربة خصبة للاجتهادات، أدى التباين في الأفكار إلى تشرذمات خصت الحركة الفكرية، ومزقت القوى السياسية على حد سواء.

وإن كان لنا أن نقرأ الدروس، ونتعظ من التجارب، ونحن اليوم نستشعر اندلاع حرب جديدة سلاحها التراشق بالاتهامات، وعدتها التنابز بالألقاب، فليس هناك أفضل من أخذ العبر من ذلك المصير الذي آلت له حركة التحرر العربية الذي أشرنا له أعلاه.

ما ينبغي أن نقرأه اليوم، أنه على المستوى القومي لم يستفد أحد من ذلك التراشق أكثر من العدو القومي الذي كان يفترض أن تناضل ضده تلك الحركة، والذي هو دولة العدو الصهيوني.

بالتالي، وعلى المستوى البحريني المحلي اليوم، على من يتراشقون ويتنابزون أن، ودون أي تردد، يعيدوا النظر فيما يقومون به كي لا يكتشفوا، لكن بعد مضي نصف قرن من اليوم، أن عدوهم المشترك، وليس أحداً سواه، هو المستفيد الكبير من تلك الحرب الدائرة بينهم.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2916 - الإثنين 30 أغسطس 2010م الموافق 20 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • السيد فيصل علي | 3:48 ص

      الشتم و السب = أصحاب الفكر الاقصائي

      لا شلك أن السب و الشتم هو أساليب الفكر الاقصائي اليذين لا دين لهم سوى مصالحهم الشخصية الرخيصة غير الشرعية ، الستم و الشتم أساليب الطفيلين الذين تربو وتنمو بطونهم من الحرام على تلفيق التهم بالآخرين ، على تخوين الناس ومدح أنفسهم . قاتلهم الله أنى يؤفكون .

    • زائر 3 | 9:34 م

      لا يرانا أحد كما لا يراهم أحد وقد يكون لهم عذرهم ولنا العذر الذي هو انكي من العذر بالجهل

      أشعر بالعار لان النائب وهو الشخص الذي كانت غاية أحلامه منصب موظف حجوزات تذاكر لشركة طيران فهو يستحق ان يُحاكم ان يفزع لا ان يفزعنا نعم يا النائب يامن تملصت من الوطنية أشعر بالعار أشعربالقرف أشعر كأني أريد ان أتقيأك وخاصةعندما رفعت لكم الملفات التي طالب بعض المواطنين الإنصاف قمتم بعقد الصفقات مقابل منافع وتبادل مصالح فكان لتوظيف أبناءكم وتمجيد أقاربكم وتقديم قرابات الولاء والطاعة في مقابل عرض من عروض الدنيا

    • زائر 2 | 9:30 م

      بعض النواب فقدوا هيبتهم ولم يعد لهم كلام موزون أو بصر وبصيرة ومصالحهم الخاصة فوق كل شى

      أشعر بالعار لان النائب وهو لا يخلص لدم ولا يستذكر نسبا لأمة ويتصرف كموظف أرشيف أو كأمين مخزن زاغت مفاتيحه جاءت به الصدفة إلي كرسي البرلمان انتهي بنا الي مقلب نفايات وبواقي فساتين وبقايا صور وأكواب مهشمة
      وتراب يثقل القلب وجعلنا نشعر بالخجل فقد حول علونا خفضا ونزل

    • زائر 1 | 9:23 م

      أشعر بالعار عندما الغراب ينعق بم لا يسمع

      القومية هي ما تشربته الروح وانعكس على النية الصادقة في خدمة الوطن وخير دليل على بعض ممثلي الشعب المنتخبين وهو الذي لا يملك من
      من الوطنية مؤهلاتها فلا فوائض عقل ولا زاد من بصيرة ولا حسن بالسياسة ولا شرعية حتي بالخطأ أو بالباطل فلا هو ذو رؤية ولا هو ديموقراطيا بل هي الصلافة المحض وتناحة الروح وجلافة اللغة والتصريحات المفرطة في الغياب الذاهل علي طريقة البتاع ده وأصبح للنواب راس بحيث أخذوا ينتابعون كل ما يكتب عنهم في الساحة العربية\\\\ مع تحيات Nadaly Ahmed

اقرأ ايضاً