على الرغم من أنني اتخذت قراراً بعدم متابعة أي من مسلسلات الدراما الرمضانية، إلا أن الدراما الإعلامية الحاصلة في البحرين أرغمتني وأرغمت معي الكثيرين من البحرينيين على أن تكون لياليهم وأيامهم الرمضانية «درامية» رغم أنوفهم. فإن اختبؤوا خلف «باب الحارة» ستلاحقهم أخبار الاعتقالات، وإن أغمضوا أعينهم عن «زهرة وأزواجها الخمسة» ستجبرهم المقالات الطائفية والتحشيدية على أن يفتحوا عيونهم دهشة. وإن حاولوا الهرب من « ذاكرة الجسد» فستخرج أحلام مستغانمي ضاحكة من بين أوراق روايتها الرائعة التي تحولت إلى مسلسل لتذكرهم بأن الهروب مستحيل مادام الإنسان «يحمل ذاكرته على جسده»، أو يحمل آلام وطنه مكشوفة ومنشورة على صفحات الجرائد كل يوم.
إننا نعاني من مأزق إعلامي في البحرين، تتجلى أبعاده وتتضح معالمه كلما تأزم الوضع السياسي والأمني. ففي ظل أي وضع سياسي متأزم لا نجد من الإعلام المحلي إلا تخندقاً واصطفافاً، فهذا يهجم على ذاك ويطالبه بتحديد مواقفه، وذاك يدافع عن نفسه بهجوم جديد. وجميعنا نتفرج على مسلسل درامي رمضاني من إنتاج محلي تفوق على نفسه، وتفوق على الكثير من المسلسلات الدرامية المنتجة محلياً أو حتى عربياً والتي أغرقت شاشة تلفزيون البحرين بها نفسها.
لطالما رددنا بأن حرية التعبير والصحافة كانت من أهم المكتسبات التي حصل الشعب البحريني عليها نتيجة للمشروع الإصلاحي لجلالة الملك، حتى أن البعض ذكر بأن الدور الذي قامت به الصحافة في عهد الإصلاح وحرقها للمراحل لتدعيم نفسها يتجاوز ما قام به المجلس النيابي كمكتسب آخر في عهد الإصلاح. ولكن على ما يبدو والحال كما هي اليوم فقد تراجع هذا المكتسب الإعلامي خطوات كثيرة ومهمة وخطيرة في نفس الوقت، فأين هي حرية الكلمة والتعبير عندما يتخندق كل كاتب في صف وكل ما يفكر فيه هو الهجوم على الصف الآخر؟
وأين هي خدمة الحقيقة عندما تمتد أعمال العنف إلى الجسم الصحافي أيضاً ليتعرض مدير تحرير إحدى الصحف «مهما كانت مواقفها» لاعتداء عليه؟
إلى أين وصلنا بصحافتنا اليوم؟ والجميع يهرب من هذه المهنة التي استباحها كثير ممن لا يقدر قيمة ومسئولية أن يحمل قلماً لينفث حبره سماً في وجوه الناس.
يزداد الأمر تعقيداً والانتخابات المقبلة على الأبواب، فكيف يمكن أن نضمن نزاهة وسائل الإعلام وشفافيتها وحياديتها مما يجري، في الوقت الذي وصلت فيه الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم من تجريح وسب وقذف، حتى شُغِل الناس وشغل الصحافيون وشغل الرأي العام بمتابعة مسلسل تقاذف الكرة بين أطراف بعينها عن الاستحقاق الانتخابي وقضاياه. ومع التشرذم الحاصل في الجسم الصحافي الذي لا يجمعه كيان فعلياً، لم يعد هناك رجاء أصلاً في إصدار ميثاق شرف للانتخابات يلتزم به العاملون في وسائل الإعلام، فكيف يوقع الجميع على ميثاق واحد ولكل مقياسه المستقل والمختلف جداً حول «شرف المهنة». ولو وجد هذا الميثاق فسيكون كسابقه «صورياً»، فنحن في مرحلة غلبت فيها خدمة قناعات وسائل الإعلام وأجنداتها على خدمة الحقيقة التي هي أساس العمل الصحافي نظرياً وليس عملياً مع الأسف.
الوضع الإعلامي في البحرين خطير ويحتاج إلى وقفة جادة، وكما هي الصحافة مرآة للمجتمع، فإن هذا الوضع المتأزم والمتشنج إعلامياً هو انعكاس طبق الأصل لما يجري في المجتمع، يغذي التأزم ويزيد التشرذم بل ويستفيد منه، وهو وضع ليس صحياً على الإطلاق، ولن يعود بالفائدة على أي طرف من الأطراف حتى لو ظهر العكس مرحلياً. فنتائج الدراما الإعلامية الحاصلة سيحفر عميقاً في قلب الوطن. فقريباً ينتهي شهر رمضان ويغلق باب الحارة وتتزوج هند صبري «اللي عايزة تتجوز»، لكن دراما الإعلام في البحرين لن تنتهي، وجميعنا نتفرج مشدوهين
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 2914 - السبت 28 أغسطس 2010م الموافق 18 رمضان 1431هـ
طفاش
بس نسيتي ما ذكرتي طفاش اللي مطفشنا ومفشلنا. ياله الوضع المحلي كله طفاش في طفاش.
العقلاء هم صنف واحد فقط في نظر السلطة
وهؤلاء العقلاء هم فقط من يوافقون السلطة ويزينون لها أعمالها دون اعتبار أما أي طرف يحاول أن ينقد نقدا بناءا فليس من العقل في شيء
لذلك يجب على كل الناس موافقة السلطة في تقوم فهي تملك كل الحق وليس لديها أي خطأ فيما تقوم به. هل هذا من العقل احتكار المنطق في جهة وحدة وهل هذه الجهة معصومة لكي لا تعير اهتماما لباقي الناس الوطن للجميع وما يسؤ للوطن مسؤلية الجميع والعقل مقسم على كل الناس وليس محتكرا عند احد لذلك تجاهل العقلاء من باقي الناس سوف يؤدي الى وضع اسوأ
عشنا وشفنا
صح الله لسانك .. والله ماكتبته جميل ميستحق القراءه اكثر من مره ؟ لان هذا كلام العقلاء والصح لان ما يصح الا الصحيح , الله يحفظ البحرين أمنه مستتبه وتعرف البحرين بطيبتها وطيبة اهلها ك(السابق) وانشالله كلها سحابة صيف وتنجلي .. شكرا مره ثانيه على المقال الذي هو اكثر من رائع .
أبو جالبوووووت
(إننا نعاني من مأزق إعلامي في البحرين، )
لأن الإعلام حكر على طائفة واحدة ، وهذا ما يمكنهم أن يقدموه من ثقافة .
ثقافة الرقص و الطبول و الغناء الصاخب و الممثلين المتكلفين و المقدمين الدمى !!
صحفيون كثيرون مأجورون في هذا "الوطن"
صحفيون كثيرون مأجورون في هذا "الوطن"، بل إن صحيفة كلها مبنية على تحجيم دور بعض الجمعيات، وذلك في حملة منظمة، حيث يذكرون الأشخاص بأسمائهم خلافاً للأمانة الصحفية، لكن الجميع يعرفون خط هذه الصحيفة