يقول علماء السياسة إن السياسة الخارجية للدولة هي انعكاس صادق وأمين لسياستها الداخلية، كما يقولون إن السياستين الداخلية والخارجية هما تعبير عن الحقائق الموضوعية لكل دولة، والتي تشمل تاريخها، وحضارتها، وثقافتها، واقتصادها، وطبيعة شعبها، وحكمة قيادتها، ومدى اختيارها لمن يعبرون عن هذه السياسة.
لقد تذكرت هذه المعاني التي درسناها في مبادئ العلوم السياسية منذ ما يقارب من خمسين عاماً مضت، وأنا أطالع صحيفة «الشرق الأوسط» يوم السبت 21 أغسطس/ آب 2010، حيث نشرت تصريحات لوزير خارجية مملكة البحرين الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، والتي اتسمت بسمات ثلاث: الصدقية في القول، الصراحة في التعبير، والوضوح في المعاني. إذ قال الوزير وألخص ما ذكره: «إن البحرين لن تسمح باستخدام أراضيها لضرب أية دولة كانت، وإن وجود قاعدة أميركية على أراضي بلاده لا يعني أن المنامة ستسمح باستخدامها لشن هجوم على إيران أو غيرها». وأضاف الوزير: «ان الاتفاقات التي أبرمتها البحرين مع عدد من الدول منذ عقود طويلة هي اتفاقات دفاعية، ولا تتضمن بنوداً لاستخدام الأراضي البحرينية انطلاقاً لمهاجمة دول أخرى، وأن هذه القواعد العسكرية لا توجد بها أساساً أسلحة هجومية». وأضاف: «ان البحرين يهمها ألا تكون هناك أي حرب جديدة بالمنطقة، لقد أنهكتنا الحروب التي واجهتها المنطقة خلال العقود الثلاثة الماضية، وتوجيهات جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بأن أراضي البحرين لن تستخدم إلا للدفاع عن أراضيها فقط، ووفقاً لآليات العمل المشترك مع أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي»، ورداً على سؤال ذكر: «انه في كل زياراته لطهران فقد أكد لهم الموقف البحريني الرافض لأي ضربة عسكرية ضد إيران». وأضاف الوزير: «لكن بلاده لن تقف موقف المتفرج في حالة تعرضها لأي اعتداء»،واستطرد بأن «الاتفاقات العسكرية التي أبرمتها البحرين مع دول غربية هدفها كان ولايزال الحفاظ على أمن وسلامة الخليج كممر مائي مهم وشريان رئيس للاقتصاد العالمي... وأنه لولا وجود القوات الدولية بالمنطقة لأصبح خليجنا مثل خليج عدن لا يوجد فيه أبسط مقومات الأمن والاستقرار».
ونتساءل، ما هي الرسائل التي تحملها هذه التصريحات لوزير الخارجية؟ وفي تقديري أنها تحمل خمس رسائل واضحة:
الأولى: للقوى الدولية صاحبة الوجود في الخليج بما في ذلك في البحرين، بأن دول الخليج العربي لن تسمح باستخدام أراضيها للعدوان أو شن حرب ضد أحد.
الثانية: إن المنطقة عانت من الحروب في العقود الثلاثة الماضية، وهذه نصحية لدعاة الحرب ولدعاة العنترية والتهديدات المستمرة بأن مثل هذه التصريحات لا تفيد أحداً.
الثالثة: إن البحرين مع دعوتها للسلام وحرصها عليه، فإنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تعرضت للاعتداء. وهذا بلاشك حق طبيعي كفلته مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وخصوصاً المادة (5) الخاصة بحق الدفاع الفردي والجماعي في حالة وقوع عدوان.
الرابعة: تأكيد الموقف الخليجي المتناغم مع بعضه بعضاً بقوله «موقف دول الخليج واضح بأنها ضد أي توتر بالمنطقة ولا ترغب في أي حرب جديدة تعيدنا لدوامة الماضي».
الخامسة: رسالة مقارنة بين نتائج وجود القوات الدولية في الخليج العربي وبين عدم قوات دولية في خليج عدن، وان الوجود الدولي في الخليج العربي حقق الأمن والاستقرار بخلاف حالة القرصنة في خليج عدن.
ولاشك أن ما ذكره الوزير البحريني يعبر بصدق عن سياسة البحرين منذ استقلالها، فهي لم تعتدِ على أحد، ولم تصدر تهديدات ضد أحد، وهذا انعكاس لطبيعة التراث والتاريخ البحريني عبر العصور، فهي حرصت على إقامة حضارة في عهد دلمون والحضارات اللاحقة، كما حرصت على الدفاع عن أراضيها عندما تعرضت للعدوان في عصور أخرى، ولكنها لم تسعَ إلى التوسع والسيطرة والهيمنة بدعاوى تاريخية أو ثقافية أو اقتصادية أو غير ذلك من الدعاوى التي تطرحها الدول المختلفة في مشارق الأرض أو مغاربها.
وهذه السياسة الخارجية البحرينية عبر عنها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة منذ تسلمه السلطة العام 1999، من خلال التأكيد على مبدأ الحل السلمي للخلافات بين الدول سواء دول صديقة أو دول شقيقة، وبالانفتاح على القوى السياسة الداخلية التي كانت لها مواقف ضد نظام الحكم، والقيام بزيارات كثيرة لدول الخليج العربية عامة، والدول الصديقة ودول الجوار المهمة، وكانت إحدى تلك الزيارات لإيران العام 2002، مما فتح آفاقاً جديدة في علاقات الدولتين.
من هنا نقول ونؤكد ما ذكره علماء السياسة والعلاقات الدولية إن السياسة الخارجية للدولة هي انعكاس صادق وأمين لطبيعة شعبها وروح وحكمة قيادتها وحنكة وخبرة من يديرون دفة السفينة الدبلوماسية. وهذا ما عبر عنه وزير خارجية مملكة البحرين الشيخ خالد بن أحمد وبوضوح وصراحة وسلاسة وصدقية.
ومنذ بضعة أيام في مناسبة اجتماعية، سألني أحد السفراء الأجانب عن احتمالات حرب ضد إيران، وعن موقف البحرين، فقلت له إنني لا أعتقد بأن ثمة احتمالات للحرب ضد إيران لان مخاطرها بالغة، وإن الرئيس أوباما ليس من رؤساء المغامرات ولا العنتريات، وهو حريص على العمل من أجل السلام، ولعل ذلك ما دفع لجنة جائزة نوبل لمنحه الجائزة للسلام، على رغم قصر فترته في السلطة، ولكن اللجنة أدركت نواياه وتركيبته العقلية بعد أن عانى العالم من حروب شنتها الإدارة الأميركية السابقة. أما موقف البحرين ودول الخليج فهي دائما ترفض العدوان ولا توافق على استخدام أراضيها لشن حروب ضد أحد، فضلا عن شن حرب ضد دول جارة وصديقة، وأوضحت أنني أعبر عن هذا الرأي كمحلل وباحث في الشئون الدولية، وليس لي صفة رسمية في هذا المجال، ولذلك سعدت عندما وجدت بعد حديثي الشخصي هذا وزير الخارجية، وهو الشخص المسئول، يعبر عما توصلت إليه كباحث في الشئون الدولية.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 2909 - الإثنين 23 أغسطس 2010م الموافق 13 رمضان 1431هـ