نهر النيل كان قبل حقبة الاستعمار الغربي للكثير من شعوب هذه المناطق الإفريقية مصدر توحد وفخر لكل تلك الشعوب، لكن بعد انتهاء عصر الاستعمار الغربي المباشر عن البعض وبقائه في بعض تلك المناطق بشكل غير مباشر، حدث أن قام المستعمر مثلاً بالتوقيع على معاهدة أو اتفاقية تقاسم للمياه بين الجمهوريات التي استقلت عنه مثل مملكة مصر العربية والسودان وبين بريطانيا العظمى ممثلاً عن تلك الشعوب الإفريقية المطلة على نهر النيل أو التي يجري نهر النيل داخل أراضيها التي لازالت ترزح في حينها تحت مظلة استعماره لها، ووقعت الدولة المستعمرة وهي هنا بريطانيا العظمى اتفاقية تقاسم مياه نهر النيل مع مملكة مصر والسودان في العام 1929 وجمهورية مصر العربية العام 1959، تلك الاتفاقيات خولت مصر أن تحصل على حصة ثابتاً من مياه النيل تصل إلى 95 في المئة من الموارد المائية أي بحصة تصل إلى 5/55 مليار متر مكعب من مياه النهر، وكذلك يبلغ نصيب جمهورية السودان وفق هذه الاتفاقية نحو 5/18 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل بمعنى أن كلاً من جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان يحصلان معاً
على ما مقداره 87 في المئة من مياه نهر النيل، لكن بتاريخ 14مايو/ أيار 2010 وقعت أربع دول من حوض النيل نالت استقلالها بعد العالم 1960 وهي جمهورية إثيوبيا الاشتراكية، وجمهورية أوغندا وجمهورية رواندا وجمهورية تنزانيا اتفاقية سميت حينها بـ «الاتفاقية الإطارية» حول إعادة تقاسم مياه نهر النيل العظيم وفقاً للمعطيات الجديدة على أرض الواقع مع التذكير بأن نهر النيل والذي يعد أكبر أنهار القارة الإفريقية قاطبة، تلك الاتفاقية كانت محل نقاش ومفاوضات كثيرة ومتعددة لمدة فاقت 10 (عشرة أعوام) بين 9 دول تطل على حوض نهر النيل العظيم (Nile Basin) تم توقيعها في مدينة عنتيبي بجمهورية أوغندا شرق القارة الإفريقية رغم غياب دولتين كبيرتين من دول حوض النيل وهما جمهورية بوروندي، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن دولتي المصب وهما جمهورية السودان، وجمهورية مصر العربية قاطعتا هذا الاتفاق ولم يحضراه لأنهما يعترضان بشدة على هذا الاتفاق الجديد على تخوف من أن مثل هذا الاتفاق الجديد سوف يقلص من حصتهم في مياه نهر النيل العظيم وهذا الاتفاق الجديد لم يشر إلى كمية الأمتار المكعبة التي سوف تستلمها كلٍ من دول حوض النيل، لكنه (أي الاتفاق الجديد) نص على إلغاء الاتفاقيات السابقة بهذا الخصوص خصوصاً اتفاقية العام 1929، والعام 1959 وهذا الاتفاق الجديد سمح للدول المتشاطئة أن تستخدم المياه بالكميات التي تراها دون الإضرار بالدول الأخرى حول حوض النيل، كذلك ينص الاتفاق الجديد على إنشاء مفوضية لحوض نهر النيل تكلف بتلقي كل المشاريع المتعلقة بالنهر مثل «قنوات الري والسدود والجسور» ودراستها، والتخطيط لها، ومن ثم رفضها وإقرارها على أن يكون مقر هذه المفوضية في مدينة «أديس أبابا» عاصمة جمهورية إثيوبيا الاشتراكية وتضم ممثلين عن التسع الدول التي يمر بها نهر النيل، ويؤمل وزراء المياه في الدول المعنية التي وقعت ذلك الاتفاق بخلاف الدول التي لم توقعه على أن الاتفاق سوف يرضي الجميع ويبعد شبح حرب مياه عن المنطقة ودولها.
جمهورية مصر العربية متمسكة بهذه الاتفاقيات التي وقعتها في حينها مع المستعمر البريطاني عندما لم تكن هناك دول حول حوض نهر النيل، الآن الواقع يقول إن هناك الكثير من الدول ظهرت للعلن ولم تكن موجودة خلال توقيع الاتفاقيات السابقة وهذه الدول أصبحت دول ذات سيادة حالها حال كل الدول كذلك يعتقد على نطاق واسع أن الاستفتاء الذي سوف يجري في يوم 9 يناير/ كانون الثاني من العام 2011 في جنوب جمهورية السودان وفقاً لاتفاقية (نيفاشا) سوف يؤدي لبروز جمهورية جديدة على المسرح الدولي يقال إنها ربما تحمل اسم «جمهورية النيل»، لأن الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية هي ومعها بقية القوى الجنوبية المسيطرة على مقاليد الأمور في تلك المنطقة المسيحية لا يرغبون عند إنشاء دولتهم الجديدة في الجنوب السوداني في اسم يذكرهم بجمهورية السودان الحالية أو يذكرهم بأنهم كانوا يوماً ما جزءاً من شعب جمهورية السودان، ظهور هذه الجمهورية الجديدة أيضاً سوف يزيد من المشاكل الحالية التي تعاني منها منطقة دول حوض نهر النيل لأن هذه الجمهورية الجديدة أيضاً سوف تطالب بحصتها من مياه نهر النيل وذلك لعمل بعض البنى التحتية التي سوف تحتاجها للنهوض بواجباتها كدولة حيال تسيير الحياة اليومية لشعب تلك الجمهورية، فهل تأخذ حصتها من حصة جمهورية السودان الحالية البالغة (500/18 مليار متر مكعب) أو أن تطالب هي أيضاً بعقد اتفاقية جديدة لتقاسم مياه نهر النيل من جديد، خصوصاً أنه يعبرها من الجنوب إلى الشمال قبل دخوله أراضي جمهورية السودان والتي سوف تتقلص مساحتها بعد استقلال الجنوب وبروز تلك الجمهورية الجديدة من 500/2 مليون كيلومتر مربع حالياً لتصبح بعد استقطاع الجنوب على نحو 700/1 مليون متر مربع، علماً بأن مساحة الدولة الجديدة يفوق 800 ألف كيلومتر مربع.
كذلك أفادت الأنباء أن جمهورية إثيوبيا الاشتراكية تقوم حالياً بعمل بعض السدود على جوانب نهر النيل العظيم لسد النقص في بعض مناطقها وللتقليل من خطر المجاعة التي تعاني منها الكثير من شعوبها، التي يمر بها بموارد مالية إيطالية وخبرات إسرائيلية الحوادث التي ذكرناها تمثل المشاكل التي تعاني منها بعض الأنهار الدولية، وخصوصاً نهر النيل العظيم، نحن نعتقد بأنه لولا تدخلات الدول المستعمرة سابقاً وحالياً في هذه المواضيع وغيرها لما حصل الذي حصل بين الإخوة الأفارقة المحيطين بحوض نهر النيل العظيم، هي التي أجّجت تلك المشاكل وأبرزتها للعلن، إن قواعد «قانون الأنهار الدولية والعرفية التي تقرر أن الدول المطلة على أي نهر دولي وهو الذي يمر بأكثر من دولة ليس من حقها أن تقوم بتصرفات في الجزء الذي يمر في أرضها ربما أو يمكن أن يؤثر على سلامة الملاحة أو أن يؤثر على مصالح الدول الأخرى مثل إقامة الجسور أو السدود أو أي شي يمكنه أن يلحق ضرراً بباقي الدول التي تشاطئها نفس النهر»، الآن توجد الكثير من المشاكل بين الدول التي تنبع منها بعض الأنهار وتصب في أراضي دولة أخرى مثل نهر النيل العظيم لكون تلك الدول لم تكن دول بمعنى الدول في العام 1929 عندما وقعت مملكة مصر العربية اتفاقية تقاسم المياه مع الدولة المستعمرة لتك المنطقة من القارة الإفريقية وهي بريطانيا العظمى لكن بعد مرور كل هذا الوقت وزوال الاستعمار المباشر عن معظم تلك الشعوب وأصبحت تلك الشعوب تمتلك زمام أمرها وقد تزايد أعدادها وشعبها مما أوجب معه على كاهل حكومات تلك الدول من الزيادة المطردة في استهلاك المياه سواء لتغذية شعوبها أو للاستخدامات الأخرى مثل الري والزراعة والصناعة، لذلك نحن نعتقد حتى وإن كانت القاعدة القانونية تقول «إن العقد شريعة المتعاقدين»، إلا أن الواقع الجديد الحالي يقول إن أطراف العقد الذي وقع في العام 1929 لم يعد لهم وجود في هذا الوقت، فمثلاً لا توجد سيطرة بريطانية مباشرة أو غير مباشرة على شعوب تلك المنطقة التي تحيط بحوض نهر النيل العظيم أو المنطقة التي ينبع منها نهر النيل، حيث هناك اليوم دول لها استقلالها ومعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، كذلك طرف الاتفاقية السابقة وهي مملكة مصر، لم تعد هي أيضاً قائمة بعد بروز الجمهورية في العام 1952.
لكل تلك الأسباب نحن نعتقد بأنه يتوجب على الدول التسع أو العشر بعد الانتخابات في جنوب السودان العام 2011 المطلة على نهر النيل أن تتباحث لإيجاد اتفاق جديد يرضي جميع الدول ويكون بعيداً عن التهديدات المتقابلة وبعيداً أيضاً عن سلطة الدول الاستعمارية ويكون فيه مصلحة إلى شعوب كل هذه الدول، نحن نعتقد أنه حالياً ووفقاً للأوضاع الدولية الحالية لا تستطيع لا جمهورية السودان ولا جمهورية مصر العربية أن تفعل أي شيء لوقف ما ترغب في عمله دول الحوض، خصوصاً إذا أصرت دول المنبع على الولوج إلى اتفاقية جيدة لا ترتضيها هاتين الجمهوريتين وذلك لعدة أسباب، منها أن مصر بعيدة جداً من دول المنبع ولا تستطيع منع تلك الدول من إقامة السدود أو الجسور أو عمل ترع جديدة على ضفتي نهر النيل العظيم داخل حدود تلك الدول، إلا أنها (أي جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان) بإمكانهما إقناع الدول الأخرى المحيطة بحوض نهر النيل العظيم أن تعمل لهما بعض المشاريع الأخرى التي تلبي متطلباتهما من المياه بالاعتماد على مياه غير قادمة من حوض نهر النيل، خصوصاً أن لهذه الدول مصادر مياه أخرى غير نهر النيل مثل الأمطار الاستوائية وأمطار الثلوج على قمم جبال إثيوبيا وأوغندا بخلاف جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان اللتان تعتمدان بشكل أساسي على مياه نهر النيل بشكلٍ قوي ومباشر، كذلك لهاتين الجمهوريتين عبرة بالذي حصل عندما حدث خلاف كبير بين الدول المحيطة ببحر «الخزر» وجمهورية إيران الإسلامية، ففي السابق كان هناك اتفاق موقع بين «الإمبراطورية الإيرانية» والاتحاد السوفياتي السابق ينظم تقاسم مياه وشواطئ ذلك البحر المغلق، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العالم 1991 وحصول الشعوب المطلة على ذلك البحر على استقلالهم طالبوا باتفاقية جديدة لترتيب توزيع المياه والشواطئ عليهم بحصص تكون مختلفة عن تلك التي كانت موقعة في السابق بين «الإمبراطورية الإيرانية» والاتحاد السوفياتي السابق وقد حصل بالفعل التوصل إلى اتفاق جديد أصبح مقبولاً من كل الأطراف بتلك المنطقة.
إقرأ أيضا لـ "أحمد سلمان النصوح "العدد 2906 - الجمعة 20 أغسطس 2010م الموافق 10 رمضان 1431هـ