التطلع للزعامة حق مشروع يتطلعه سوي الفطرة ذو الطموح والهمة العالية، فقد نزل في وصف عباد الرحمن (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) وهو حق مشروع يتطلعه المجتمع أمام المجتمعات الأخرى، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وهو حق مشروع تتطلعه الجماعات ضمن المجتمع الواحد، والدين الواحد والمذهب الواحد.
إنه تطلع محمود ومثمن لكل جماعة أرادت لنفسها ولمجتمعها الحياة والتقدم، إنها الزعامة والقيادة التي يبحث عنها كل عاقل، فهي تنسجم مع خلافة الإنسان في الأرض، وطلب إعمارها، ليكون من السابقين، ومن الأوائل والرواد وتنسجم مع طبيعة الحرص والخوف على الذات، والبحث لها عن أفضل المراكز والمواقع.
إنه التطلع الذي لا ينفك عن مراودة العقلاء واستنهاضهم، وتحريك مشاعرهم وتنشيط هممهم، - فما من إنسان عادي الطباع إلا وهو يطمح لتحسين وضعه، والوصول إلى مستوى أعلى مما هو فيه، فالطالب يطمح إلى إنهاء دراسته والتوظف، والموظف الصغير يطمح أن يكون كبيراً، والعالم المبتدئ يطمح أن يصبح مسموع الكلمة، والتاجر الصغير يطمح أن يكون أكبر تجار البلد، وهكذا، والكل يحب أن يطاع إذا أمر، ويجاب إذا تكلم وهذا أمر طبيعي وواقع ملموس- نظام الإدارة الدينية عند الشيعة الإمامية لمحمد فوزي.
وهناك فرق كبير بين حب الرئاسة وبين دفع القرآن للإنسان أن يكون إماما - فقد ندب الإسلام المسلمين للتسابق في الدرجات والمسارعة في الخيرات، وندب إلى أن يكون المؤمن - إذا استطاع - إماماً للمؤمنين وقائداً للمتقين، إلا أن هذا الطموح يختلف وحب الرئاسة أو الترؤس، فالأول مطلوب وشرعي، بينما الثاني مذموم ومهلك - نفس المصدر السابق.
ولا يعنينا الخامل المتقاعس الكسول الذي يوحي للآخرين أن الزهد والتواضع هو الذي يحول بينه وبين التصدي لقيادة مجتمعه وأمته، فالراحة تستحمض العنب فلا تسلك طريق الوصول إليه، ولا تنال لذته.
الذي يتجه له مقالي هذا، هو الطريق الذي نسلكه لتحقيق طموحنا وتطلعنا، فقد يوصلنا التطلع إلى صراعات اجتماعية إذا كان طريقنا إليه يمر على حساب الآخرين، ودون حفظ لحقوقهم، أو مراعاة لكرامتهم وموقعيتهم.
يقول المفكر زكي أحمد في كتابه الحركة الإسلامية ومعالم المنهج الحضاري - فكل فرد يحمل في داخله طموحاً قيادياً لكن كيف يتعامل مع هذا الطموح؟
الجواب: هنالك ثلاثة أصناف من الأفراد في طريقة التعامل مع الطموح القيادي:
الصنف الأول: يتحسس هذا الطموح في داخله، لكنه لا يعرف خريطة المواصلات للوصول إليه، فيتعثر في الطريق أو يتوقف عن المبادرة فيفشل.
الصنف الثاني: ينظر إلى الطموح ويعرف الخريطة المساعدة لذلك، لكنه لا ينطلق أو يتحرك ثم يتوقف، والسبب أن الوصول إلى درجة القيادة عملية شاقة، ومتعبة ومجهدة، وتحتاج إلى صبر وتحدٍ للمشاكل، وسعة صدر وتضحية، وبهذا نجد دائماً أن القيادات، هم القلة دائماً في كل المجتمعات الإنسانية.
والصنف الثالث: هو الذي يعيش الطموح القيادي في نفسه، ويعرف الطريق والخريطة وينطلق بجد واجتهاد ويصل إلى طموحه. وهذا النوع من الأفراد هم الأكثر نجاحاً في الحياة، والأكثر تقدماً وتطوراً فيها.
إن أغلب الصراعات الاجتماعية تبدأ حين تطرح الجهات المتعددة رموزها وقياداتها بحثاً عن الموقعية، وتطلعاً للزعامة، ولكن على أكتاف الآخرين، وعلى حساب التجمعات، وعلى رصيد الرموز والشخصيات القائمة، وبأسلوب ينحاز للهدم والتشويه دون البناء والتطوير.
والفرق كبير بين أن ترجِّح كفتك في الميزان بوضع حسناتك فيها، وبين ترجيحها بسلب حسنات الآخرين من الكفة المقابلة، فالأول طريق سليم لا غبار عليه، أما التصرف الثاني فهو الخطأ الفادح بعينه.
ويرى الكاتب السوداني حسن بشير في مقالته (التطلع للرئاسة) أن الآثار الجانبية للتطلع إلى الرئاسة بطرق غير مشروعة هي:
(1) ظهور التنازع في أمر القيادة داخل الصف.
(2) تناول القيادة بالجرح والانتقاد بصورة علنية.
(3) تبرير التصرفات غير الشرعية بصورة شرعية.
إن طرحاً يرى في كسر الآخرين وتحطيمهم انتصاراً للقيم والمبادئ التي يؤمن بها، هو طرحٌ لا يحسد عليه أتباعه، ولا يجني على مجتمعه سوى الصراعات والنزاعات، التي لا حدود لخسائرها من هدوء المجتمع وأمنه وقناعاته.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 2901 - الأحد 15 أغسطس 2010م الموافق 05 رمضان 1431هـ