العدد 2897 - الأربعاء 11 أغسطس 2010م الموافق 01 رمضان 1431هـ

هل ساهم العرب في إنقاذ الكثيرين أثناء المحرقة؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

إلا أن هذه النتيجة تتجاهل الماضي.

لم يكن الغضب العربي تجاه اليهود موجوداً دائماً. وبالمثل، تعتبر العداوة اليهودية تجاه العرب جديدة نسبياً.

تعايش المسلمون واليهود، وكلاهما شعب سامٍ، بسلام نسبي لمدة ألف ومئتي سنة. ويحصل العديد من الناشطين على الجانبين الذين يعملون لرأب الصدع الذي ما فتئ يتّسع بين اليهود والعرب داخل إسرائيل وفي الضفة الغربية على التشجيع من قصص إيجابية عن التعايش عبر التاريخ.

لا يعي معظم الناس اليوم هذه الحقيقة وهذا الإرث. يجب أن تكون الروايات عن المسلمين الذين أظهروا الرحمة والتعاطف تجاه اليهود أثناء المحرقة معروفة بشكل أوسع، ولكنها تبقى مختفية لسبب ما.

في كتيب صدر مؤخراً عنوانه «دور الأشخاص المسلمين الأتقياء» يوثّق فياز موغال بفخر قصص مسلمين قاموا بحماية يهود في منازلهم ومزارعهم وأماكن عملهم أثناء المحرقة.

كان الأبطال الذين يصفهم الكتيب من عرب شمال إفريقيا وأوروبا الشرقية. ومن الأمثلة التي قدمها موغال مثال سيدعلي سكّات: «هرب ستون متدرباً يهودياً في تونس من معسكر عمل للمحور وطرقوا باب مزرعة سي علي سكّات، الذي خاطر بإخفائهم إلى أن تم إنقاذهم من قبل الحلفاء».

يجب ألا نستغرب ذلك، إذا أخذنا بالاعتبار وجود جالية يهودية مزدهرة في الشرق الأوسط حتى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، عندما أنهت التوترات المعاصرة تاريخاً من التعايش.

وفي العام 2006، نشر الباحث روبرت ساتلوف كتاباً عنوانه «بين الصالحين: قصص ضائعة من المحرقة في الأراضي العربية»، وضع الحقيقة حول التعاطف العربي في مضمونها الصحيح. وقد صرح في مقال له في «الواشنطن بوست» أن «العرب في هذه المناطق لم يكونوا مختلفين عن الأوروبيين. بينما استعر أوار الحرب حولهم، وقف معظمهم يتفرجون دون أن يفعلوا شيئاً. الكثيرون منهم شاركوا بشكل كامل وبمحض إرادتهم في اضطهاد اليهود، وساعدت قلة شجاعة منهم حتى على إنقاذ اليهود».

من الأهمية بمكان الاعتراف بهذه «الأقلية الشجاعة». ورغم أنها محدودة العدد، إلا أن أعمال بطولة كهذه تعتبر ملهمة، ويشكل نقلها وتوزيعها تعبيراً عن الأمل. ويتوقع أن تشجع قصص تصف أعمال الشجاعة الأخلاقية عبر الحاجز الديني النية الحسنة بين كافة الناس، وخاصة بين العرب واليهود.

لسوء الحظ، ومثله مثل أي قضية أخرى في الشرق الأوسط، يُنظر إلى سلوك المسلمين أثناء المحرقة عبر منظور الصراع العربي الإسرائيلي الذي يشوه الصورة. ويقوم الإعلام الغربي بتشويه الصورة بشكل إضافي من خلال إبراز جدل السياسيين العرب والإيرانيين المستمر والمحرّض، الذي ينكر المحرقة أو يقلل من قيمتها. ويخلق ذلك رسالة مفادها أن المسلمين معادون للسامية، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم الرهاب الإسلامي في المناخ الاجتماعي السياسي. نتيجة لذلك، يصل الكثيرون في إسرائيل والغرب إلى نتيجة أن تقارير الشجاعة الأخلاقية العربية أثناء الحكم النازي هي مجرد تضليلات في المضمون السياسي العصري المشحون بشكل زائد.

ليست هذه التقارير مضللة للانتباه. فحسب الكتب المقدسة اليهودية والإسلامية، يُعتبر إنقاذ حياة إنسان واحد إنقاذاً للبشرية بأكملها. إضافة إلى ذلك، فإن دعوة العرب للتفكر بالمحرقة خارج مضمون النزاع العربي الإسرائيلي يمكن أن يشكل عمل شفاء وإبراء لكل من العرب واليهود. يتوجّب علينا أن نذكّر أنفسنا أنه في القرن الماضي فقط، وضعت عملية بناء الدولة المتنافسة والوطنية المحمومة العرب واليهود في نزاع سياسي قاتل. كذلك كان للتلاعب الاستعماري بالجانبين دور رئيسي.

يعتبر العداء العربي تجاه اليهود في غالبيته سياسياً، وهو بشكل رئيسي نتيجة للمعاناة الفلسطينية والإذلال السياسي. وبالمثل، فإن العداء اليهودي والمسيحي تجاه العرب والمسلمين تذكي ناره أعمال الإرهاب من جانب قلة تؤثر على صورة الملايين.

يعبر كل من العرب واليهود عن مخاوفهم من العدو بهدف إضفاء مصداقية على سردهم الأخلاقي من خلال إشارات غير مناسبة ومبالغ بها للحقبة النازية. ويعمل بعض اليهود على عقلنة هياكل الاحتلال المعقّدة فيبنون جدراناً عازلة ونقاط تفتيش وحواجز لتجنب محرقة مستقبلية يدّعون احتمال حدوثها. بالنسبة لهم، يقوم بعض العرب بعقلنة أعمال العنف من خلال الادعاء بأنهم يعيشون تحت احتلال يشبه الاحتلال النازي.

إلا أن هناك أسلوباً آخر يمكن من خلاله رؤية تطبيق سرد المحرقة على يومنا الحالي. تخدم قصص عن مسلمين أنقذوا يهوداً من المحرقة العملية السلمية. أما الساخر والمتشائم الذي يتحدى أهمية هذه القصص فهو لا يرى النقطة المهمة: تشكّل هذه القصص الحقيقية أمثلة أخلاقية تحمل في طياتها احتمالات هدم بعض الجدران التي بنيت بين العرب واليهود.

أبطال اليوم الأخلاقيين هم هؤلاء العرب الذين يتجاوزون الكبرياء ليعترفوا بوجود إسرائيل، والإسرائيليون الذين يضحّون بالمستوطنات في الضفة الغربية من أجل تسوية نهائية للنزاع، واليهود الذين ينادون بالانسحاب الحدودي احتراماً للتطلعات الوطنية الفلسطينية، والفلسطينيون الذين يحددون أحلامهم بحقوق عودة لا حدود لها للمساهمة في الاستقلال الإقليمي.

يمكن مقارنة قصص الشجاعة التي حدثت قبل سبعة عقود بشجاعة العرب والإسرائيليين المعاصرين الذي تعلموا كيف يسامحوا، ويعملوا بجد ودون كلل لصنع السلام.

*معلّق عربي أميركي حول قضايا التنمية والسلام والعدالة، وهو السكرتير السابق للشرق الأوسط في اتحاد الكنائس العالمية ومركزه جنيف، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2897 - الأربعاء 11 أغسطس 2010م الموافق 01 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً