دفعت عمليات المقاومة العراقية قيادة قوات الاحتلال الأميركي إلى تغيير تكتيكاتها في مواجهة تزايد ما تسميه «الهجمات المنتظمة» التي يتعرض لها جنود الاحتلال ومواقعهم في مناطق مختلفة من العراق. وتعترف سلطة الاحتلال بأنها تواجه أكثر من مجرد أعمال عنف فوضوية، كما حدث عقب انهيار نظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين بفعل الغزو العسكري الأميركي في إبريل/نيسان الماضي.
وأثار اتساع رقعة المقاومة تساؤلات أميركية إزاء حقيقة الجهات التي تنفذ العمليات. وبينما يحاول المسئولون الأميركيون في تصريحاتهم العلنية الرسمية ربط هذه العمليات بمن تصفهم واشنطن بموالين للرئيس صدام حسين و«فلول» حزب البعث «وجنود الحرس الجمهوري» ومقاتلين شبه عسكريين تجمعوا في مجموعات صغيرة مصممة على تقويض الجهود لإعادة إعمار العراق. إذ قال الناطق باسم البيت الأبيض آري فليشر إن وراء تلك الهجمات مؤيدي الرئيس صدام حسين وحزب البعث المنظم تنظيما وصفه بأنه «ضعيف» وهم منخرطون في أعمال العنف، فإن انتشار عمليات المقاومة وشمولها معظم الأراضي العراقية وتنوعها من كمائن وعمليات قنص واستهداف قادة عسكريين أميركيين بارزين وهجمات فدائية مسلحة في الوقت يدفع مسئولون أميركيون إلى القول ان طبيعة بعض هذه الهجمات تشير إلى أن القائمين عليها لديهم تدريب عسكري أو أمني مكثف، لكنهم في الوقت نفسه يقولون انه لا يوجد سوى دليل ضعيف على وجود توجيه أو تمويل فردي أو منظم لمثل هذه الهجمات. وقال مسئول كبير: «إن ما كان يبدو ذات يوم عملا عشوائيا يبدو الآن منظما نوعا ما، ولذلك غيرنا طريقنا وأسلوبنا العملياتي».
وتدعو خطة قيادة قوات الاحتلال العسكري في العراق في الوقت الراهن إلى استمرار الضغط العسكري على منطقة ما تسميه «المثلث السني» إلى الشمال من بغداد التي تشمل الكثير من المدن والبلدات التي يزعم الأميركيون أنها تحتضن الموالين للرئيس العراقي إلى حين تحطيم مقاومتهم. وقال مسئول أميركي: «إننا نعتزم بالتأكيد تنظيف الأمور بأسرع ما نستطيع، ولكن مدى هذه السرعة يعتمد جزئيا على ما يفعله العدو».
وعلى رغم تأكيد عدد من كبار المسئولين في ادارة الرئيس الأميركي التقليل من شأن المقاومة العراقية، إذ وصف وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد في مؤتمر صحافي عقده في البنتاغون الأربعاء الماضي، المقاومة بأنها «عناصر صغيرة» تتكون من 10 إلى 20 شخصا وليست تشكيلات عسكرية كبيرة وأنها جيوب صغيرة مازالت في بداية تشكيل نفسها وتقوم القوات بملاحقتها، فإن مصادر مطلعة تؤكد تزايد القلق داخل ادارة بوش من جراء العمليات التي تسفر يوميا عن خسائر بشرية، لكنهم في الوقت نفسه يقولون ان عدد القتلى الأميركيين على رغم أنه مؤلم فانه أمر طبيعي في سياق التقدم الذي تحرزه الولايات المتحدة في العراق منذ الإطاحة بالرئيس صدام حسين.
وعلى رغم تكتم البنتاغون على الأرقام الحقيقية للخسائر في صفوف قوات الاحتلال من جراء عمليات المقاومة فإنه اعترف بمقتل 55 جنديا أميركيا منذ إعلان الرئيس الأميركي في مطلع مايو/أيار الماضي انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية في العراق. وقال رامسفيلد، إنه لا توجد معلومات تشير إلى وجود جهد كبير ومنسق بشكل جيد في العراق لقتل الجنود الأميركيين وطردهم إلى بلادهم. وأضاف ردا على سؤال بان الصبر بدأ ينفذ في البلاد بشأن استمرار موت الجنود الأميركيين: «إنني أعتقد أن لدى الأميركيين مركز ثقل جيدا وإنني لا أقلل من شأنهم لو كنت في محلك». وقال: «إنني أعتقد أنهم يشعرون بان ما يقومون به جهد له قيمته بالنسبة إلينا وهو أمر يعكس الروح الأميركية كما أنهم يعترفون بصعوبة هذا العمل».
وأبلغ نائب وزير الدفاع بول وولفويتز لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي الأربعاء الماضي، بأن قوات الاحتلال لاتزال منهمكة في عمليات عسكرية في العراق وأفغانستان وأن الجهود الأميركية تشكل عنصرا مهما لمقدرة الولايات المتحدة على إدارة عمليات الانتشار والعمليات العسكرية في أجزاء أخرى من العالم.
وما يزيد من قلق المسئولين هو ما قد يخبئه المستقبل بالنسبة إلى الوجود العسكري في العراق إذ لاتزال سلطة الاحتلال تواجه فشلا في ضبط الوضع وإقامة سلطة محلية انتقالية تحظى بتأييد الشعب العراقي. ومن غير المعروف بعد المدى الذي يمكن للدول «الراغبة» أن تقدم فيه قوات عسكرية لحفظ «الاستقرار» في العراق في إطار مسعى الولايات المتحدة لـ «تدويل الاحتلال». وقال العضو الديمقراطي في مجلس النواب إيك سكيلتون: إن «الجنود الأميركيين يقتلون يوميا. وبعض العائلات الأميركية متابعة للأخبار كما أفعل لتجد أن أميركيا آخر قد قتل وأن هذه العائلات ستجد يوما ما أن قلوبها انفطرت».
ويقول الخبير في شئون سياسات ضحايا الحروب في جامعة أوهايو جون مولر: «إن الخسائر لم تبلغ بعد المستوى الحرج، ولكن تبدو من المرجح جدا أن تصله». ويرى خبراء الاستطلاعات أن المستوى الحرج الذي سيدفع الناس للمطالبة بسحب القوات هو عندما تزيد على ألف قتيل.
ويتوقع المسئولون استمرار ما يصفونه بجهود إعادة الإعمار حتى مع استمرار العمليات العسكرية لقوات الاحتلال وعمليات المقاومة. مؤكدين أنهم لن يخفضوا عدد القوات التي تبلغ حاليا نحو 180 ألف جندي وتعادل أكثر من 35 في المئة من إجمالي القوات العسكرية النظامية.
وقال الحاكم المدني في العراق بول بريمر إن إعادة الإعمار تسير يوميا في أنحاء العراق، إلا أنه قال أنه «في أجزاء معينة من البلاد إذ توجد عمليات عسكرية نشطة فإن من الصعب القيام بعملين في آن واحد (إعادة الإعمار والعمليات العسكرية)، فالأمن أولا وأهم عمل لأي حكومة لمواطنيها».
ويعترف المسئولون الأميركيون ببروز دلائل على استعداد المقاومة منذ أسابيع وبعض الهجمات كانت تكتيكات حرب العصابات ما يتطلب تنسيقا وثيقا بين تفجير القنابل والتغطية بإطلاق الرصاص.
ويؤكد الكثير من المسئولين عدم معرفة عدد مقاتلي المقاومة، لكنهم يعتقدون أن معظمهم عراقيون إلى جانب بعض المتطوعين العرب الذين جاءوا إلى العراق خلال الغزو الأميركي وقرروا عدم العودة إلى بلدانهم الأصلية ومواصلة القتال ضد قوات الاحتلال. وقال مسئول في وزارة الدفاع (البنتاغون) أنه لم يتضح بعد ما إذا كان المقاتلون غير العراقيين يمثلون «ديناميكية مستمرة» من مرحلة الغزو أو تدفقا من الثوار حدث منذ أن أعلن الرئيس بوش انتهاء العمليات العسكرية الرئيسية.
ويقول مسئولون في «البنتاغون» إن الهجمات على المنشآت يمكن أن تكون دليلا على أن العراقيين المتعاونين مع قوات الاحتلال اصبحوا أهدافا لهجمات المقاومة.
وكان المسئولون الأميركيون قللوا من أهمية وخطورة هذه العمليات في وسط العراق ونسبوها إلى بقايا مبعثرة من الموالين للرئيس صدام ولمجرمين أطلق سراحهم من السجون قبيل الغزو. ولكن بريمر قال إنه اصدر أمرا يجعل «التحريض على العنف السياسي والعنف سواء ضد قوات الاحتلال أو العنف ضد النساء». غير مشروع.
ويرى مراقبون أن إشارة بريمر إلى منع العنف ضد النساء يقصد بها على ما يبدو محاولات رجال الدين نصح النساء بارتداء العباءة والحجاب في الأماكن العامة
العدد 289 - السبت 21 يونيو 2003م الموافق 20 ربيع الثاني 1424هـ