تناقلت وكالات الأنباء ما كشفته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن محققين أميركيين قولهم «إنهم حددوا شركات في الولايات المتحدة استخدمت لنقل أموال إلى المشتبه بهم في اغتيال القيادي بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمود المبحوح في دبي قبل نحو سبعة أشهر، وبأنهم رأوا أن تحويلات الأموال التي جرت عبر شركات أميركية، مفاتيح مهمة في المطاردة العالمية الهادفة إلى تحديد أكثر من 20 مشتبهاً بهم في العملية، وأن الشركات الأميركية التي حددها التحقيق تشمل أعمالاً لها علاقة بالإنترنت تربط الساعين إلى وظائف مستقلة مع الموظفين وعمليات الدفع بينهما، لكن مسئولاً أميركياً قال إن واشنطن لا تعتقد أن الشركات كانت تعرف الهدف الذي استخدمت لأجله الأموال».
تطرح هذه الرواية من صحيفة رصينة بمستوى «وول ستريت جورنال» الكثير من علامات الاستفهام حول كل ما روجت له الإدارات الأميركية المتتابعة منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، التي شكلت انعطافة تاريخية في سياسات الولايات المتحدة الأميركية على الصعيدين الأمني الداخلي، والاستراتيجي الخارجي. فقد دأبت واشنطن منذ ذلك التاريخ على تبرير، وتمرير، الكثير من تلك السياسات الإرهابية التي نفذتها، على أنها شكل من أشكال «حربها العادلة ضد الإرهاب»، لحماية نفسها أولاً، والعالم قاطبة، وليس أصدقاء العالم فيه، ثانياً.
يحاول البعض التبرير لسياسة الإرهاب الأميركية بالذهاب إلى القول بأن العنف ظاهرة إنسانية عامة، ومن الخطأ إلصاقها بشعب معين، أو توجيه تهمتها إلى حكومة محددة، معتمدين في ذلك على بعض الدراسات الاجتماعية التي تتناول «العنف كظاهرة إنسانية تحدث في كل المجتمعات»، لكنهم يتجاهلون، بقصد أو بغير قصد تأكيد معظم تلك الدراسات أيضاً «أن العنف أو الإرهاب عادة ما تكون حالة طارئة، مؤقتة، ظرفية، أو ردة فعل، تشتد وتفتر، وتقوى وتضعف، تبعاً للعوامل التي تكون سبباً في حدوثها».
ما يميز العنف الأميركي اليوم، ويلفت النظر له، هو تحوله إلى ظاهرة إرهابية شبه دائمة ومؤسسة وتعتمد سياسات استراتيجية طويلة الأمد، ترتكز أساساً على تبرير ما تقوم به الولايات المتحدة ضد أمم ودول مختارة على المستوى الخارجي، وتجمعات سكانية وإثنية على المستوى الداخلي.
هذه السياسات الأميركية المؤطرة، التي باتت ترتكز على خلفيات نظرية معمقة هي التي دفعت بالعديد من الباحثين في العلاقات الدولية، والأمن السياسي، ومن بينهم شخصيات أميركية مثل نعوم تشومسكي، إلى قراءة متمعنة لها، محاولين فهمها وتفسير أسبابها. وقد توصل العديد من تلك الدراسات، إلى أن تلك الحرب حولت جوهر السياسة الأميركية على الصعيدين الخارجي والداخلي على حد سواء، من معاد للإرهاب إلى مؤسسة منظمة لتفريخه والترويج له، مستخدمة في ذلك مؤسساتها الضخمة عسكرية كانت إم إعلامية، بل وحتى الأكاديمية منها التي لم تسلم من فيروس تلك اللوثة.
بعض الباحثين من أمثال الزائر بالجامعة الأميركية ببيروت رائد العزاوي أوغل عميقاً في التاريخ ليؤصل ذهنية الإرهاب في الفكر الأميركي المعاصر في جذورها التاريخية القديمة، فرصد في كتابه «أميركا والإسلام والإرهاب» الصادر مؤخراً عن دار مدبولي للنشر والتوزيع، المصرية، تلك السياسة عند تأسيس الدولة الأميركية عندما أصدرت الجمعية التشريعية العام 1730 التي كانت تمثل البرلمان في أميركا تشريعاً، كما ينقل عارض الكتاب محمد السيد، «واحداً من أخطر قرارات الإبادة العرقية الجماعية التي ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية لمن يطلق عليهم (البروتستانت الأحرار) تبيح لهم إبادة من تبقى من الهنود الحمر يتضمن مكافأة نقدية قيمتها 40 جنيهاً ذهبياً مقابل فروة مسلوخة من رأس كل هندي أحمر ونفس المبلغ مقابل أسر أي واحد منهم، وارتفعت تلك المكافأة بعد خمسة عشر عاماً إلى 100 جنيه ذهبي».
كاتب آخر هو الولي الفقيه، يحاول تتبع الفكر الإرهابي المتأصل في السياسة الأميركية على الصعيدين الخارجي والداخلي، مستعيناً بقائمة تمتد «من العام 1890، عندما تم سحق300 هندي في ووندد كني، (وتقف عند العام 2004)، حينما لوحت واشنطن بغزو السودان وتهديدات لإيران وسورية».
ويورد الفقيه أمثلة حية في تلك القائمة الطويلة مثل:
• تد خل الجيش الأميركي في هاواي ليلغي المملكة المستقلة المعلنة في الجزيرة، ويقوم بضمها بالقوة في العام 1893.
• تدخل الجيش الأميركي في شيكاغو وقمع إضراب لعمال السكك الحديدية وقتل 34 من العمال في العام 1894.
• احتلال غوام في العام 1898.
• تدخل الجيش الأميركي في الهندوراس أثناء الحرب الأهلية لحماية المصالح الامبريالية الأميركية في العام 1911.
• قصف وتدخل عسكري لسحق عمال المناجم في فرجينيا الغربية، على امتداد عامي 1920- 1921.
• التدخل في إيران لقلب حكومة مصدق الوطنية وإرجاع نظام الشاه الفاسد وآلاف الضحايا في العام 1953.
• الحرب الفيتنامية ومئات الآلاف من القتلى وخراب مازال الشعب الفيتنامي يعاني منه إلى الآن، خلال الفترة 1960 – 1975.
• حملة عسكرية يشارك فيها الجيش لقيادة تقود الحصار ضد هنود لاكوتا في داكوتا الجنوبية في العام 1973.
• هجوم بالصواريخ على مصنع للأدوية في السودان، وأكثر من 30 ألف قتيل، الولايات المتحدة الأميركية تمنع التحقيق من قبل مجلس الأمن الدولي في العام 1998.
• غزو العراق في العام 2003 وما يقارب 500 ألف قتيل وجرائم الحرب على الشعب العراقي لاتزال مستمرة.
وليس هناك دليل أفضل يكشف سياسة الإرهاب من شهادات الجندي الأميركي أندريه شيفارد العامل بالقوات الأميركية في العراق، الذي فر من الخدمة العسكرية في العراق في العام 2007، احتجاجاً على ممارسات قوات حكومته هناك، وطالباً اللجوء السياسي من الحكومة الألمانية في العام 2008. يقول شيفارد، الذي نقلت أقواله صحيفة «فرانكفورتر روندشاو» الألمانية مسلطاً الضوء على جوهر السياسة الإرهابية للوجود الأميركي في العراق «إن حكومة بوش قتلت الأبرياء في العراق»، مؤكداً أنه «أشعر بالاستياء عندما يتم وضعي في موقف أضطر فيه للمشاركة في تحمل مسئولية قتل أبرياء، وأشعر بالغضب أيضاً عندما لا تتم محاسبة من يتحملون المسئولية الفعلية في واشنطن مثل بوش وأعوانه، (مسترسلاً) سيواصل هؤلاء الأشخاص العيش بهدوء في مزارعهم والحصول على وظائف راقية رغم أن أيديهم ملوثة بالدماء»، في إشارة إلى أعضاء إدارة جورج بوش، كما تقول الصحيفة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2887 - الأحد 01 أغسطس 2010م الموافق 19 شعبان 1431هـ
مقال أكثر من راااائع
هذا هو وجه امريكا القبيح...أمريكا التي تكذب على الشعوب و تتغنى بديمقراطيتها و حرياتها المصنوعة من الورق...امريكا لا تكف عن الكذب و ظلم الشعوب و لكن الاسف ان بعض الناس و خصوصا من العرب يقدس هذا ( الشيطان الاكبر) كما قالها الامام الخميني قدس سره...فعلا ان امريكا هي عدوة الشعوب و هي مثيرة الحروب...كل التحية للكاتب