عندما يتحدث كبير مفتشي الأمم المتحدة المسئول عن البحث عن اسلحة الدمار الشامل العراقية هانز بليكس في آخر مقابلة له مع الصحافة قبل ان يتقاعد وينسحب من المشهد السياسي عما سماه بوجود «أوغاد» في وزارة الدفاع الأميركية كانوا وراء المعلومات «المشوشة» وغير الدقيقة والتي تحمل الكثير من التلاعب بالمعلومات عن اسلحة الدمار الشامل العراقية كما جاء في صحيفة «الغارديان» البريطانية تذكرت على الفور محمد سعيد الصحاف ذلك الوزير العراقي الذي غلبت شهرته على الرئيس صدام حسين وعلى كل رؤساء العالم سواء الذين تحمسوا للحرب وقادوها أو الذين عارضوا الحرب ولم يفلحوا في وقفها.
طبعا، لا علاقة لا من قريب ولا من بعيد بين بليكس والصحاف، ولا علاقة ايضا بين ما أوردته هنا على لسان بليكس وما كان يرد على لسان الصحاف سوى كلمة «الأوغاد» التي كان يرددها الصحاف كثيرا ايام الحرب المشؤومة.
لكن ما أبحث عنه كمواطن مسلم ينتمي إلى هذه المنطقة المنكوبة بالنوائب، ومنها نوائب فقدان «شجاعة قول الحق» في الزمن اللازم وفي المدى المطلوب أي الآن مثلا وليس بعد عام أو عامين أو أكثر لما يروج على لسان وإعلام «الأوغاد»، وهنا استعير كلام بليكس وليس كلام الصحاف عن اسلحة الدمار الشامل الايرانية الآن فهو الذي جعلني اربط بين كلام بليكس وبين كلام الصحاف.
لانه لو ظهر آنذاك كلام مسئول وشجاع ورأي عقلاني مدعوم بالأدلة والبراهين والاسانيد على لسان امثال بليكس من علماء العراق وسياسييه الذين يعرفون تماما أين تكمن «اسلحة الدمار الشامل الحقيقية» ولم يفكروا على امتداد حجم انوفهم فقط اي بما يؤمن لهم «حظوة» مؤقتة عند الأميركيين أو «حرية» أو «ديمقراطية» مزيفة لبلادهم لما كان نجم الصحاف قد صعد في حينه، ولا نجم دونالد رامسفيلد فيما بعده، واللذان يشكلان وجهين لعملة واحدة.
بالمناسبة ان كان نجم الصحاف قد أفل مبكرا فإن نجم رامسفيلد لن يطول هو الآخر كما يظن ويعتقد الكثيرون بسبب تورطه بـ «تلفيق» الكثير من التقارير الهادفة إلى تبرير سياسة الحروب ليس إلا والتي بدأت تنكشف شيئا فشيئا على مشهد الرأي العام الأميركي والدولي.
أعرف ان أقوالا مأثورة ربما تسيطر الآن على اذهان الكثيرين من اخواننا العرب والمسلمين عموما، والتي يقول بعضها: «الكثرة تغلب الشجاعة» و«القوة تغلب الرأي» مثلا وبالتالي لا مجال ربما للصمود امام آلة الاعلام الغربية الضخمة الحجم التي تجتاح الامة في الصميم، وانه ايضا لا مجال لمقابلة أو مواجهة القدرة التكنولوجية الهائلة التي وضعتها القوة العظمى الوحيدة في العالم بامتياز برأي هنا أو رأي هناك.
لكن ما أعرفه ايضا وأظنه سنة كونية معروفة ننساها احيانا ونتناساها دوما ألا وهي أنه ما من وراء اي صمود مزيف إلا السقوط الحتمي الى الهاوية وبسرعة شديدة، وقد يفسر المثل العربي الشهير: «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع» هذه السنة الكونية.
انني أزعم هنا - والله أعلم - بان الانتصار العسكري الأميركي السهل على حكومة صدام حسين وقبله على حكومة الطالبان وكلاهما كانتا حكومتين خاويتين من الداخل افتقرتا الى اي شكل من اشكال الدعم الداخلي ربما كانتا وراء هذه الاندفاعة الأميركية الجديدة ضد كل من بقي خارج «محور الخير» الأميركي وفي مقدمتهم ايران.
أكثر من طرف دولي واقليمي وعربي ايضا يعرف ويعرف ربما بالتفاصيل أن ورقة اسلحة الدمار الشامل الايرانية المزعومة، بل وحتى موضوع الحريات وحقوق الانسان الايراني ما هما إلا ورقتا ابتزاز سياسي بيد الادارة الأميركية الراهنة تستخدمهما واشنطن لانتزاع مواقف ايرانية لصالح أمن الدولة المدللة الوحيدة لها في الشرق الأوسط بل وربما في العالم أجمع ألا وهي «إسرائيل».
إن واشنطن التي قالت أخيرا وعلى لسان مسئولة الأمن القومي في ادارتها كونداليزا رايس: «ان مفتاح أمن العالم هو في اسرائيل»، انما تصرخ اليوم بوجه طهران وتملأ الدنيا ضجيجا بخصوص اسلحة دمار شامل ايرانية مرة!! وبخصوص الحريات المفقودة أو حقوق الانسان المنتهكة في طهران! لا نريد في الواقع إلا اعلانا صريحا وعلنيا من طهران بانها موافقة على «خريطة الطريق» الأميركية الخاصة بتأمين السلام والأمن للاسرائيليين أولا وأخيرا. وبعدها ستكون حكومة «الملالي؟!» و«دكتاتورية رجال الدين!» غير المنتخبة من الحكومات النموذجية في المنطقة ومن ثم ستنهال عليها مساعدات الفتات الاميركية الموعودة.
هذا ما يقوله الأميركيون لكل من يزورهم محدثا اياهم بالشأن الايراني، ويؤكدون له أن أمن «إسرائيل» بالنسبة الينا جميعا خط أحمر لا يمكن ان نتجاوزه .
السؤال الذي يطرح نفسه هنا الآن هو: ألا يوجد من ينصح الاميركيين بأن هذا العبء الاسرائيلي الثقيل الذي يبدي مع الايام عجزا متزايدا للدفاع عن نفسه أمام إرادة الناس في هذه المنطقة ربما يكون هو المسئول عن جركم الى قمة الصعود العسكري المنتشر ليؤدي الى الهاوية فيما بعد؟
سؤال مشروع يسأله المواطن العربي والمسلم كما يسأله المواطن الأميركي الحر والمستقل والحريص على مصالح بلاده القومية وليس مصالح دولة القهر والاحتلال والعدوان الاسرائيلي لن يستطيع ان يجيب عليه إلا المتحررون من ضغوط واجواء تقارير «أوغاد» وزارة الدفاع الأميركية و«عصابة» الخمسة المحيطة بالرئيس الأميركي ومرة أخرى نستخدم هنا «أوغاد» بليكس وليس الصحاف ومفهوم العصابة التي يتحدث عنها الاعلام الأميركي، الحر والمستقل وليس مفهوم العصابة الذي روج له صدام حسين والذي سكتت عنه دهرا وزارة البنتاغون الأميركية لغاية في نفس يعقوب
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 288 - الجمعة 20 يونيو 2003م الموافق 19 ربيع الثاني 1424هـ