الحلف كما يعرفه أمجد أبو العلا في موقع «يقظة فكر»، هو في اللغة «العهد الذي يكون بين القوم، وقد حالفه: أي عاهده، وتحالفوا: تعاهدوا، والجمع: أحلاف وحلفاء».
ويقتطف أبو العلا من ابن الأثير قوله «أصل الحلف: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد، والتساعد والاتفاق» وبالتالي فهو «مجموعة من الهيئات والمنظمات التي تعمل سوياً بشكل منظم لتحقيق هدف مشترك».
وعلى هذا الأساس، تصبح التحالفات بين الأحزاب والقوى السياسية حاجة عامة، وليست ترفاً عابراً يستحمل النقاش. فما يناقش عادة هو الشكل الأنسب للتحالف، والطرق الأفضل المطلوب إتباعها للوصول إلى أرقى العلاقات التحالفية، وبأقل ما يمكن من التضحيات. ومن ثم، فهي تشكل مرحلة راقية من مراحل العلاقات السياسية بين الأمم على المستوى الخارجي، والقوى السياسية العاملة في ساحة واحدة على الصعيد الداخلي.
مثل هذه النظرة يشاركنا فيها عبد الملك محمود، من «مجلة الرائد» العراقية، الذي يرى أن التحالفات قد أصبحت اليوم «سمة من سمات السياسة سواء أكانت بين أطراف مختلفة داخل الدولة الواحدة أم على مستوى دول متعددة على النطاق الدولي، والمحرك الأساس لها هو المصالح المشتركة - سلباً أو إيجاباً.
والتحالفات تتغير حسب الزمان والمكان، فهي تحالفات سياسية، والسياسة هي فن الممكن، وأكثر ما تبنى على المتغيرات لذا يُقال: ليس في السياسة صداقات دائمة أو عداوات دائمة ولكن هناك مصالح دائمة. وهي لا تختص بالأطراف الضعيفة، فقد تلجأ إليها حتى الأطراف القوية».
كان لابد من هذه الاستهلالة المقتضبة، والقوى السياسية تتأهب لخوض انتخابات برلمان 2010، محاولة الخروج بصيغة وطنية ناجحة يمكن أن تنظم أشكال التحالفات التي ستتحكم في آليات العلاقات التي سترسم معالم مواقف القوى السياسية من بعضها البعض، ومن كل منها على حدة مع جماهيرها التي ستخاطبها، والتي تقودنا نحو ملاحظتين أساسيتين تتحكمان في تلك الآلية:
1.عدم تداول السلطة، الأمر الذي يجعل السلطة التنفيذية القائمة اليوم أسيرة سلوك يرتكز على شعور يتحكم في تفكيرها بأن مسئوليتها عن إدارة مؤسساتها، من الطبيعي أن يمتد لفترات طويلة مقبلة. ومن ثم، فالمطلوب من الممسكين بزمام السلطة التنفيذية اليوم، تحمل إرث نظام سابق، بالمعنى التاريخي وليس السياسي، والتخطيط لآخر قادم لا يتناقض معه.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، النظر إلى المعارضة بجميع أطيافها على أنها هي الأخرى في حالة «مناكفة» مستمرة غير قابلة للتغيير، إلا في حدود ضيقة وشكلية، تكون السلطة ذاتها قابلة بها، وراضية عن التعايش معها.
2. يفاعة أشكال العمل السياسي العلني للمعارضة، فإلى فترة قريبة، كانت المعارضة البحرينية، بمختلف أطيافها، باستثناء تلك الهامشية المقربة من أجهزة السلطة التنفيذية، مضطرة إلى اللجوء إلى العمل السري، درءاً لأخطار القوانين الجائرة، من نمط «قانون أمن الدولة». أدى ذلك إلى نشوء نوع من النزوع العفوي نحو الاستمرار في حالة المعارضة، وتحاشي الاقتراب من الدولة، خشية التعرض لأي شكل من أشكال التهم التي «تجرح» الوطنية، أو «تطعن» في النقاء السياسي المعارض، وإحلال صفة الموالاة مكانه. ولد ذلك ما يشبه القطيعة بين المعارضة والدولة، تحولت بفضل تراكمات المراحل القمعية، إلى ما يشبه السد المنيع بينهما، الذي نجح في قطع أي شكل من أشكال التحالف، بل وحتى أوهى أشكال التعاون بين أي من مؤسساتهما. لذلك، ورغم دخول البلاد مرحلة المشروع الإصلاحي، بقت هذه الجفوة تؤثر في أي شكل من أشكال العلاقات بين المعارضة والدولة، فبينما كانت الأولى تخشى أن يقود إقدامها على خطوة إيجابية على ذلك الطريق، بوسمها بوصمة «الموالاة»، كانت الثانية تتحاشى، هي الأخرى، أي سلوك مماثل، يمكن أن يوحي بضعفها، أو خشيتها من الأولى.
تعشم المواطن خيرا مع تدشين المشروع الإصلاحي، وتفاءل الجميع ظنا من أن المشروع، في حد ذاته، كفيل بإذابة ذلك الجليد، وإزالة تلك الفجوة.
لكننا اليوم، ونحن على أهبة الاستعداد للدورة الثالثة من انتخابات المجلس النيابي، وتحت مظلة المشروع الإصلاحي، مازلنا نستشعر خشية الطرفين، الدولة والمعارضة من الاقتراب من بعضهما البعض.
هذا يدفعنا للاستعانة بما جاء بشأن التحالفات السياسية، في طروحات المحلل السياسي المغربي محفوظ كيطوني، وهو يتحدث عن خارطة تحالفات القوى السياسية المغربية في ظل إصلاح قريب محتمل. يرى كيطوني بأن «الإصلاح السياسي لا يمكن أن يرقى إلى ما نصبو إليه من إقرار جيل جديد من الإصلاحات المؤسساتية لدعم الديمقراطية وتبني الحكامة السياسية بتخليق الحياة السياسية، بدون تحالفات حزبية قوية تساهم في عقلنة المشهد الحزبي بدل بلقنته».
وينطلق كيطوني من تلك الفرضية كي يميز بين نوعين تبنى على أساسهما التحالفات السياسية، الأول هو المعيار الإيديولوجي: لكونه يفرض نفسه كمحدد للتحالفات داخل أتباع نفس الإطار الإيديولوجي، مثلاً تحالف اليسار الذي سيجمع (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاشتراكي الموحد والعمالي والتقدم والاشتراكية والاشتراكي وجبهة القوى الديمقراطية وجميع العائلة اليسارية الاشتراكية...)، وتحالف اليمين والذي سيجمع العدالة والتنمية والنهضة والفضيلة والحزب (المنحل) البديل الحضاري والجماعة (المحظورة) العدل والإحسان والحزب (غير المرخص له) الأمة. وتحالف الليبرالي الاجتماعي والذي سيجمع كل الأحزاب الليبرالية (التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري وعائلة الحركة الشعبية والأصالة والمعاصرة...) وتحالف الوسط الاجتماعي والذي من الممكن أن يجمع حزب الاستقلال وحزب الوحدة والديمقراطية وكل الأحزاب ذات المنهاج الوسط... أما الثاني فمعاييره سياسية، وبالتالي فهو ذلك «الذي يفرض تشكيل تحالفات حزبية سياسية مثلاً أحزاب الكتلة».
ويعتبر كيطوني هذا المعيار «غير مجدٍ الآن في لم شمل الشتات الحزبي داخل المشهد السياسي المغربي، نظرا للبلقنة وإلى انعدام الالتزام السياسي ولتدني الثقافة السياسية بالمغرب».
كل ذلك يقودنا، إلى سؤال مصيري واستراتيجي، آخذين بعين الاعتبار الظروف المحيطة بالعمل السياسي البحريني حكومة ومعارضة، هل يمكن أن يكون هناك حوار يقود إلى تحالف بينهما؟
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2876 - الأربعاء 21 يوليو 2010م الموافق 08 شعبان 1431هـ
عزيزي عبيدلي
انت دون غيرك اكثر الناس المام بالوضع السياسي التاريخي، و محاولة تبسيط المشكلة بهذا الشكل ليس استهانة بتاريخ هذه الكتل السياسية ولكن ايضا اظهارها بمظهر المسؤوله الأولى عما يحدث من بلقنة ، ان التحول الإصلاحي الوهمي الذي نعايشه اليوم والذي قدم طعم للمعارضة السياسية ، و يطلب منا اليوم ان نواصل بلعة بحجة انه المنقذ الوحيد وأننا لسنا فقط بحاجة لحوار وطنى ناضج بل ايضا شراكة مع سلطة لازالت تعمل جاهدة ليس فقط إلى بلقنة الاحزاب لسياسية بل تفتيتها باسم الشراكة. هو وهم جديد. الخلاص يكون بأصلاح حقيقي وسيكون.