لم يعد أحد من أيديولوجيي عالم المال وأسواقه في البلدان الرأسمالية التي انطلقت منها الأزمة ينكر وجودها. وحتى أكبر شركات وول ستريت الاستثمارية المالية غولدن – ساكس، المتهمة كأحد أكبر المتسببين في الأزمة، لم تعد قادرة على نفي التهمة، لكنها أثبتت أنها قادرة على تفادي المثول أمام المحاكم بقبولها دفع 550 مليون دولار غرامة مالية عوضا عن ذلك. ومع ذلك لايزال الاقتصاديون والأيديولوجيون التابعون لمثل هذه المؤسسات يحاولون إقناع العالم بأن الأزمة قد وصلت القاع، وأن الاقتصاد العالمي على وشك الإقلاع من جديد. غير أن علماء الاقتصاد الحقيقيين، غير المرتهنين إلا للعلم ولنوازعهم الإنسانية كلندون لاروش وميخائيل خازن وغيرهما كثيرون، وكذلك بعض كبار رجال المال من أمثال جورج سوروس ووورن بافيت يفندون تلك الأقوال ليل نهار. ويؤكدون أن ضخ الكميات الهائلة من الأوراق النقدية الآتية من المطابع قد تخلق مظاهر التعافي في الاقتصاد العالمي، لكنها تخنق كل فرص للتعافي الحقيقي.
في منطقتنا لايزال الوضع أعقد من ذلك بكثير. يجري الحديث في الغالب عن أن الأزمة مستوردة لا أكثر، وبالتالي لا أحد يتحدث عن متسببين إقليميين يمكن تعريضهم للمساءلة. وعندما تصل الأمور حدا لابد وأن يدفع بعض مسئولي المؤسسات الاقتصادية ثمنا فإن ذلك يجري بتكتم شديد. ولا تتسرب الأخبار إلا عن طريق الخطأ أو «التفليت». الأكثر من ذلك أن من أسوأ ما كنا نعانيه خلال العامين الماضيين منذ نشوب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية هو أن غالبية سياسيينا واقتصاديينا حاولوا «الصمود» في وجه الأزمة بنكرانها أصلا، أو أنها في أسوأ الأحوال لم تنل من منطقتنا إلا القليل. ومن كان يقول غير ذلك بدا شاذا عن السرب كغراب أبيض.
حسب المبدأ الفلسفي المعروف «بروابط السبب – النتيجة» فللخروج من أية أزمة لابد من الاعتراف بوجودها أولا، ثم تشخيص أسبابها ودراسة نتائجها ثانيا، للتمكن بعد ذلك من القضاء على تلك الأسباب لتغيير النتائج ثالثا. ولحسن الحظ فإن ظاهرة «الغربان البيض» بدأت خليجيا مع بدايات هذا العام ثم أخذت تكبر شيئا فشيئا. وحسنا فعل رئيس مجلس إدارة بنك البحرين والكويت مراد علي مراد حين قال بجرأة في منتصف الأسبوع الماضي إن الأزمة المالية التي ألمت بالعديد من بنوك العالم ومنها البحرينية والخليجية لم تنته وتبعاتها لاتزال مستمرة، وإن التشاؤم يسود الأوساط المصرفية تخوفاً من ظهور الآثار على الأسواق البحرينية في العام الجاري. وكتسجيل لبعض مظاهر الحالة أشار إلى أن مصرفه يسعى الآن للاندماج والاستحواذ على بنوك في بعض الدول الخليجية يرى أنها «لم تكلل بالنجاح حتى الآن».
في بداية العام، كما ذكرنا، اتفق عدد من الاقتصاديين في تقرير بثته «العربية. نت» على أن إجمالي المخصصات التي اقتطعتها المصارف للعام2009 بلغت 9.4 مليارات دولار، بزيادة 40 % عن العام 2008. لكنهم اختلفوا حول ما إذا كان ذلك «نتيجة طبيعية للأزمة المالية التي عصفت بمنطقة الخليج»، كما تفاوتت آراؤهم «بشأن توقعات أداء البنوك الخليجية خلال العام الحالي 2010». ولا شك أن وجهة نظر مراد مؤخرا جاءت بعد أكثر من نصف عام لتزكي آراء غير المتفائلين. وواضح أنه على حق. لكن مراد وقع، برأينا، في محذورين يتطلبان التوضيح من جانبه. أولهما قوله إن منبع الأزمة ظروف عالمية فقط «وليست أسباباً محلية تتعلق ببنوك البحرين والمنطقة». وثانيهما توقعه بأن الأزمة ستمر «في هدوء وسلام» و»قد تنتهي في غضون عام تقريبا»، مستدركا: «إذا لم تحدث أي أزمات استثنائية أو أحداث غير متوقعة».
لا نعتقد أن صانعي القرارات في كثير من المؤسسات الاستثمارية المالية خالي المسئولية عن قرارات الاستثمار الفاشلة ليس مع رأس المالي العالمي فقط، بل وفي مشاريع وهمية أو غير محسوبة الجدوى الاقتصادية في الداخل أيضا. وربما لو كشف الغطاء كاملا عن بعض حالات «الجرجرة» إلى المحاكم لاتضح أكثر مما يعرف ويقال. كما لا نعتقد بمرور الأزمة في هدوء وسلام ليس لأسباب عالمية فقط، فهي لا تبشر بذلك، لكن الأهم هو الخيارات التي تقدم عليها المصارف والمؤسسات المالية.
حسن ما قاله مراد إن المصارف، أو مصرفه على الأقل، يتجه حاليا نحو الداخل بعد الانسحاب من بعض المحافظ الاستثمارية الدولية. لكن المسألة تكمن الآن في نوعية الخيارات المحلية. واضح من مختلف الإشارات أن التركيز جار على قطاع التجزئة وعلى القروض العقارية – أي تشجيع الاستهلاك الواسع من جديد.
فقط نحيلكم إلى واحد من الاستخلاصات التي خرج بها تقرير مجلس الغرف السعودية ونشرته «الاقتصادية» في 19 - 20 من يونيو/ حزيران الماضي بأنه مع احتمالات انخفاض أسعار النفط التي هبطت من 80 إلى 70 د/ب في مايو/ أيار الماضي فقد تضطر الحكومات الخليجية إلى الاقتراض محليا ودوليا. وفي المقابل «يحتاج ضبط الأداء المالي للحكومة إلى تشجيع المواطنين على الادخار بنسب كبيرة للحد من الخلل في الميزانية العامة»، ولكي لا يقع الاقتصاد الوطني تحت رحمة دول أو مؤسسات مالية أجنبية.
إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل النعيمي"العدد 2874 - الإثنين 19 يوليو 2010م الموافق 06 شعبان 1431هـ
أجودي// الواقعان...
اقتباس: ولكي لا يقع الاقتصاد الوطني تحت رحمة دول أو مؤسسات مالية أجنبية... اذا كان الرأساء العرب بأنفسهم واقعين تحت رحمت دول ومؤسسات مالية ودينية وحتى ترفيهية! بس الأكيد ان جميعها سياسية..
Abu Zinab
Crisis is not from 2008 but from 200 years no bod have mony in Bahrain not MORAD SAY..please not talkink in the air this not good for brain...
شماعة
في غياب الدراسات الموضوعية الغير مسيسة في مجتمعنا جاءت الازمة بمثابة الشماعة التي حاول المتنفذين ومخبري الاقتصاد رمي المشاكل المحليه عليها ولا يمكن الاعتراف بوجود المشكلة بسبب انعدام الشفافية .
زائر رقم ن
أبشر !
المطار الجديد راح يكحلها .....
سلفي يساري!
الموت للرأسمالية و عدم دفنها حتى تخييس! لأن ليس لها كرامة بل المذلّة!!
عبدعلي فريدون
تحياتي...