استعرضنا في الجزء الأول خلفية الحرب الكورية في الخمسينيات، والتوتر الذي ساد شبه الجزيرة الكورية بين الأميركيين من جانب وبين الصينيين والروس من جانب آخر. وعودةً للوضع الكوري الحالي حيث التوتر هو سيد الموقف، نعود لنسأل من له مصلحة في تأجيج هذا الصراع؟
في هذه المنطقة توجد اليابان، وهي ثاني أغنى الدول في العالم حيث يأتي ترتيبها من الناحية الاقتصادية بعد الولايات المتحدة، وذات صناعات متقدمة في كل مجال الحياة المدنية والعسكرية والطبية وغيرها، لكنها ممنوعة من الصناعات العسكرية غير الدفاعية بحكم الدستور الذي صاغته الولايات المتحدة لها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية العام 1945م.
هذه الإمبراطورية تقع في أقصى شرق قارة آسيا وهي أول ما تطلع عليه الشمس من شعوب العالم قاطبة، لذلك سميت «بلاد الشمس»، ولذلك اتخذت لها علماً عبارة عن مستطيل أبيض به دائرة حمراء، ترمز للشمس، وعدد سكانها نحو (130 مليون) ومساحتها 320 ألف كيلومتر مربع. وهي جزر متباعدة عن بعضها البعض وتم وصلها ببعض عبر أنفاق تحت البحر أو جسور نفذها مهندسوها اعتماداً على الصناعات اليابانية المتقدمة. اليوم هناك قاعدة للولايات المتحدة يتمركز فيها 30 ألف جندي أميركي بكامل عتادهم في جزيرة أوكيناوا منذ نهاية الحرب الثانية. ونعتقد أن هناك مصلحة لكوريا الجنوبية وحليفتها الولايات المتحدة وكذلك اليابان، في تأجيج الوضع بحيث تستطيع الولايات المتحدة تبرير مواصلة تواجدها العسكري المكثف في تلك المنطقة الآسيوية، وخصوصاً في كوريا الجنوبية بحجة حمايتها من جارتها الشيوعية (الشمالية).
الحكومة اليابانية سوف تستفيد من هذا الوضع وتمرر تمديد تواجد الأميركان في قاعدتهم في جزيرة أوكيناوا بنفس الحجة السابقة، وبالتبعية يتم تبرير التواجد العسكري الأميركي في أراضي جمهورية الصين الوطنية (تايوان).
والسؤال: هل باستطاعة جمهورية كوريا الشمالية حالياً وهي تعاني من الحصار الاقتصادي الشامل وقلة الموارد وتفشي الجوع بين أفراد شعبها هل تستطيع القيام بأية حرب في المنطقة؟ نعتقد بأن كوريا الشمالية لا تستطيع أن تشن حرباً حالياً على جارتها لأن كل المعطيات تقول بأنها دولة ضعيفة، ولو حصلت هذه الحرب فهذا يعد انتحاراً للزعامة الحالية في الشمال، بحيث تقوم الولايات المتحدة بسحق جيوش كوريا الشمالية وتوحيد شبه الجزيرة الكورية في دولة واحدة تحت قيادة النظام الديمقراطي القائم في كوريا الجنوبية. وهنا سوف يشتد الحصار الأميركي والغربي على جمهورية الصين الشعبية التي سوف تجد نفسها محاصرةً بقواعد عسكرية وجيوش ودول حليفة للولايات المتحدة في كلٍ من كوريا الجنوبية، اليابان، تايوان وغيرها. والسؤال: لماذا إذاً تقوم الولايات المتحدة بكل هذه الخطوات لمحاصرة جمهورية الصين الشعبية؟
لأن كل الدلالات والدراسات تقول إن الولايات المتحدة لن تستطيع المحافظة على زعامة العالم منفردة بعد سقوط غريمها السابق (الاتحاد السوفياتي في 1990) إلى أبعد من العام 2020 ، وهذا تاريخ قريب حيث لم يبقَ سوى عشرة أعوام. لذلك تحاول الولايات المتحدة جاهدة لتأخير هذا التاريخ وهي ترى في جمهورية الصين الشعبية غريماً محتملاً وقوياً في المستقبل المنظور، فالصين لديها صناعات عملاقة في كل المجالات وغزت الفضاء ولديها القدرة على تعقب الأقمار الصناعية المعادية وإسقاطها، وصناعاتها جيدة ورخيصة الثمن وفي متناول الجميع في كل أسواق العالم. وهي ليست مثل الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان يتشكل من 16 دولة متحدة بالقوة بينما لغاتها ودينها مختلف. أما الصين فدولة مركزية قوية ويحكمها الحزب الشيوعي منذ 1949، وعضو دائم في مجلس الأمن وتتمتع بحق النقض (الفيتو). وهي تلعب اليوم دوراً محورياً في العالم، وتستثمر مليارات الدولارات في الصناعات الثقيلة في أميركا اللاتينية وفي قارة إفريقيا وجميع دول ومناطق العالم.
جمهورية الصين الشعبية بقيادة الثنائي زيانج زمين وهوجنتاو، لم تسمح للولايات المتحدة في 1989 بتمرير التظاهرات المناهضة للحزب الشيوعي بسلام في منطقة تيانانمين) بحجة الدمقرطة، حيث سحق جيشها تلك التظاهرات واعتقل منظمو تلك التظاهرات. وهي لن تسمح للولايات المتحدة بفرض سيطرتها على تلك المنطقة أو القيام بأعمال ربما تغير من ميزان القوى القائم حالياً في جنوب شرق آسيا. لذلك لم ولن تستطيع الولايات المتحدة ولا حلفاءها تمرير أي قرار في مجلس الأمن دون موافقة الصين. وقد اتضح ذلك جلياً في محاولات الولايات المتحدة تمرير قرار العقوبات الصارمة في مجلس الأمن ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لمعاقبتها على عدم وقف التخصيب في برنامجها النووي المثير للجدل. وكذلك رفضت الصين إدانة كوريا الشمالية وتحميلها المسئولية في غرق البارجة الكورية الجنوبية مثلما ترغب وتصر عليه الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. وهذا ما حصل مؤخراً في مؤتمر الدفاع الذي انعقد في سنغافورة في 5 يونيو/ حزيران الماضي وحضره 29 من وزراء دفاع الدول الأميركية والآسيوية.
إن الضجة التي أثيرت بشأن غرق البارجة الكورية الجنوبية، تأتي في سياق المحاولة الأميركية لتأخير بروز غريم قوي لهم بحجم الصين ينافسهم على السيطرة على العالم، ما يعني كف أيديهم عن مواصلة النهب والتحكم في مقدرات الكثير من الشعوب والدول المستضعفة في العالم.
إقرأ أيضا لـ "أحمد سلمان النصوح "العدد 2870 - الخميس 15 يوليو 2010م الموافق 02 شعبان 1431هـ