العدد 287 - الخميس 19 يونيو 2003م الموافق 18 ربيع الثاني 1424هـ

نار الصيف تحرق أكبادنا

منيرة العليوات comments [at] alwasatnews.com

في هذا الجو الملتهب وكل شيء خارج الأماكن المكيفة تحترق حتى الأشجار التي تمتد جذورها إلى أعماق الأرض وتمتص رطوبتها لتوزعها على الغصون والأوراق عندما تزداد عليها حرارة الشمس تحترق وتذبل وتصفر وقد تموت. الآن وقد تحول اسفلت الشوارع إلى بساط من جمر لا تقوى على مقاومته حتى عجلات السيارات فتنفجر... أما حرارة المياه فالحديث عنها يطول... ولكن ما يدهشني ويثير أسئلتي حال الأمهات اللواتي ينعمن بالاسترخاء في بيوتهن المكيفة الباردة في وقت يتناثر فيه أولادهن في الشوارع يحترقون بحرارة الشمس حفاة الأقدام التي تلتهب بجمرات الأرض. أطفال يتسكعون في الشوارع من دون رادع أو رقيب لا أحد يسأل عنهم ولا حتى يشعر بغيابهم عن البيت نراهم يتنقلون والعرق يتصبب من أجسامهم الصغيرة الطرية مكشوفي الراس وقد اصفرت عيونهم واسمرت جلودهم ولكنهم فرحون بحرياتهم يخرجون من بيوتهم وأهلهم نيام. أو ربما طلبوا منهم الخروج إلى الشارع حتى لا ينزعجوا بالضوضاء التي يحدثونها من خلال لعبهم وأحاديثهم ومشكلاتهم الطفولية البسيطة وكان أجدر بالوالدين اقناعهم بالبقاء في البيت ومناقشتهم في اضرار الحر والشمس والطريق.

سيدتي انهم فلذات أكبادنا هل يهون علينا نثرهم في الطرقات يحيطهم الخطر في كل جانب؟ أينما يتوجه الطفل يلحق به ذئب متربص فإذا نجا من حرارة الشمس فلن ينجو من ذئاب الطريق ولن ينجو من بطش المتهورين في حوادث المرور واذا كتب الله له النجاة من الحوادث فكيف لنا ان نعرف هل نجا من جياع المغتربين المستأجرين للبرادات ومحلات الحلاقة والخضراوات... الخ.

انهم جياع يا سيدتي وطفلك حمل وديع ولحمه طري والطفولة ترغب في الاستمتاع باللعب والحلوى ولا تبالي بحرارة الشمس... انه يخدع بالكلمة ويستدرج إلى الداخل بلعبة أو قطعة حلوى ثم ماذا بعد... ماذا بعد يا سيدتي؟

ماذا لو اقبلت حارتك تصرخ في وجهك ان ابنك مات في حادث أو تعرض للضرب من قبل صبية أشرار أو انه تعرض للاعتداء وأنواع الاعتداءات كثيرة... طبعا ستتحرك الأمومة ويتدفق الحنان وينبع الحب وستصرخين وترفعين الصوت ستلومين هذا وتقاضين ذلك وتحتجين مستنكرة تعرض ابنك لمثل هذا... ان اصبعا واحدة يا سيدتي تشير إلى المتهم بذلك أما أصابعك الأربع الباقية فإنها تشير عليك فهل تفكرين بعد فوات الأوان في محاكمة نفسك هل تثورين على انانيتك وتوبخين نفسك هل تفضين في زوجك لأنه ألقى باللائمة عليك وحدك ويبدأ الجدال غير المجدي بينك وبينه كل يلقي اللوم على الآخر وكلاكما مخطئ... انتما من سلم فلذة كبده للطريق وللمارة بها للتسلية به في آفاق الفراغ ونعمتم بالهواء البارد والهدوء واغلقتم ستائركم حتى لا تزعجكم حرارة الشمس وضوؤها أمر عجيب! وطفلكم في الخارج يحترق جسديا ونفسيا وروحيا واجتماعيا.

أذكر طفلا له بيت لا يسكنه وله أم لا تعرفه وأب لا يرعاه ولا يدري عنه. هذا الطفل كان يسرق القطط الصغيرة جدا ظهرا وقت الهجير وقد راقبته أكثر من يوم حتى استأنس كل منا بالآخر فسألته... يا بني لماذا تسرق هذه القطط الصغيرة. وتحرم أمها منها فنظر اليّ طويلا وكأنه لم يفهم لغتي ثم قال: «انني أسرقها لأعطيها فلان صاحب كذا! وهو بدوره يطعمها لكلبه مقابل بعض الحلوى الذي أحبها كثيرا» ثم وقف يراقب دهشتي، ثم أضاف قائلا «انني استأنس كثيرا وأنا أسمع صوتها تصرخ والكلب ينهش لحمها حتى تموت»... بربكم هذا الطفل الذي يستمتع بعذاب حيوان صغير... أي نوع من الاستمتاع سيطلبه عندما يصبح رجلا؟.

أيها الآباء والأمهات... احتضنوا صغاركم احموهم من أخطار الطريق والصديق، ان دفء أحضانكم له سحر خاص له نعيم خاص لن ينساه صغاركم ولتكن راحتكم بعد راحتهم وهدوءكم في سكينة نفوسهم وسعادتكم في المحافظة عليهم

العدد 287 - الخميس 19 يونيو 2003م الموافق 18 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً