العدد 2868 - الثلثاء 13 يوليو 2010م الموافق 30 رجب 1431هـ

إخوان الشيطان!

سليمان الهتلان comments [at] alwasatnews.com

-

هل كل كلمة تخرج من فم الشيخ عبدالرحمن البراك، أستاذ العقيدة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سابقاً، فتوى دينية أم رأي شخصي؟ الحقيقة أن «القدسية» التي نجح الخطاب الديني في السعودية، على مدى عقود، في منحها لرموزه جعلت المجتمع السعودي، وخارجه أحياناً، يتعامل مع كل رأي يقول به رجل مثل البراك كما لو أنها «فتوى» دينية مقدسة لا يجوز نقاشها ناهيك عن رفضها. لم يكتفِ الشيخ عبد الرحمن البراك، قبل أيام، بالقول بعدم جواز كشف المرأة شعرها ورقبتها أمام بنات جنسها في الحفلات والأعراس باعتباره هذا الفعل مدخلاً من «مداخل الشيطان» ولكنه زاد على ذلك بوصف الصحافيين الذين يرفضون كلامه بأنهم «جنود الشيطان»!

انظر لهذه الإقصائية المتجذّرة في وعي أحد أبرز نجوم الخطاب الديني في منطقتنا إذ يضعك أمام خيارين فقط: إما أن تقبل بكلامه «المقدس» أو أن تكون من «جنود الشيطان». وتلك هي ثنائية «الجنة والنار» التي أصل لها الخطاب الديني الإسلامي حديثاً، فإما أن تكون مع «فتوى» البراك فتكون مع أهل الجنة أو ترفضها فينتهي بك المطاف مع أهل النار! ولولا أن الشيخ البراك يُشهد له بالزهد والاستقلالية في الرأي – مع اختلافنا الأكيد مع أغلب آرائه – لقلت أن فتواه الأخيرة ليست سوى «مؤامرة» ذكية لمزيد من التشويه والأذى! فما كدنا نتجاوز الجدل العقيم حول فتوى عبد المحسن العبيكان بجواز إرضاع الكبير (من الخدم والسائقين) حتى يأتينا البراك بفتوى حرمة كشف المرأة لشعرها ورقبتها أمام بنات جنسها! وإذا كان البراك وأمثاله يسرحون ويمرحون - على راحتهم - في إصدار فتاوى دينية متخلفة وجاهلة ولا أحد يحاسبهم أو يوقفهم عند حد، فهل لمثلي أن يقول رأيه في مثل رأي البراك الأخير؟ وإن كان البراك يتمتع بحرية التعبير ويقول ما يشاء من فتاوى وآراء فهل لي أيضاً أن أقول رأيي بنفس «الحماية» التي يجدها البراك؟

البراك يصف الصحافيين الذين يرفضون رأيه بأنهم «جنود الشيطان». أنا - والحمد لله على هذه الأنا - أقول إن كشف المرأة لشعرها أمام بنات جنسها فعل إنساني طبيعي ومن حق المرأة - أي امرأة - أن تختار بنفسها كيف تلبس في بيتها وأمام بنات جنسها. ومن يعترض على كلامي السابق، خصوصاً من أصحاب الفكر الديني المتطرف، فهو من «إخوان الشيطان»! هذا رأيي وأنا حر فيه! ما الذي يجيز للبراك أن يقول رأيه ويحرمني من قول رأيي؟ إذن نحن الآن أمام فريقين: فريق من «جنود الشيطان» وفريق آخر من «إخوان الشيطان»، فمن بقي إذن؟ المجتمع - كما نعرف - يتشكل من تيارات فكرية متنوعة، والشيخ المتطرف في فكره، مثله مثل صاحب الرأي المخالف، هما من نتاج ثقافة مشتركة ومجتمع واحد. تلك حقيقة. وهنا حقيقة أخرى مفادها نهاية عصر احتكار «الحقيقة» وإقصاء الرأي الآخر. فإن تمنع الكاتب (أي كاتب) تعسفاً وظلماً، من الكتابة في صحافة بلاده فأمامه ألف منبر آخر للكتابة وإبداء الرأي والتواصل مع من يهمه رأيه. هذه حقيقة جديدة يبدو أن البراك ومن يحميه لا يدركونها بعد. انتهى عملياً عهد احتكار الرأي وفرض الفكر الواحد. من هنا فيما يبدو، ضاق الشيخ البراك ورفاقه من حملة النقد الشديدة التي تواجه بها فتاواهم المتخلفة في الداخل والخارج.

لم يعد بالإمكان قمع الصوت الذي يناقش أو يجادل في تلك الآراء أو الفتاوى، لكن هل يعي الشيخ وأمثاله في عصر انتهت فيه أحادية الرأي، حجم الأذى والتشويه الذي تتركه آراؤهم وفتاواهم الغبية على الإسلام والمسلمين؟ هل يدركون أن الإسلام اليوم أصبح «أضحوكة» في الإعلام الدولي بفعل البراك وأمثاله؟ وهل يعون أن كثيراً من المسلمين الشباب - خصوصاً في الغرب - بدأ بفعل الحرج الذي تسببه لهم الآراء التي يقول بها أمثال البراك والعبيكان، يخجل وربما يتبرأ من انتمائه الديني؟

كم يخجلني، كمسلم، أن يحتفل العالم كله بمنجز إنساني ضخم مثل كأس العالم في الوقت الذي ننشغل فيه هنا بأفكار متطرفة تدعو للعنف والتكفير أو آراء فقهية متخلفة تحرم على المرأة كشف شعرها أمام بنات جنسها في الأعراس ومناسبات الفرح. وكم يخجلني كمسلم، أن يحتفي العالم المتحضر كل يوم بمنجز علمي وطبي جديد في الوقت الذي يشغلني فيه الشيخ البراك وأخوه العبيكان بمثل فتاوى إرضاع الكبير وحرمة كشف المرأة شعرها أمام بنات جنسها. وكم يؤسفني أيضاً أن تمنع أصوات وطنية إصلاحية مهمة في بلادي من الكتابة في صحافة بلادها فلا تناصرها أي من مؤسسات النفاق تلك التي تسمى «هيئة الصحفيين» أو «حقوق الإنسان»، في الوقت نفسه تنشغل الساحة كلها بما يقوله «مشايخ» الجهل والإقصاء!

فعلاً... إنه عصر «المهازل الكبرى». وإن لم تنتهِ مهزلة «الفتوى» في بلداننا فلا نستبعد أن يأتي اليوم الذي يخجل فيه الشاب المسلم من دينه ومن ثقافته وأهله... وأرض الله واسعة!

إقرأ أيضا لـ "سليمان الهتلان"

العدد 2868 - الثلثاء 13 يوليو 2010م الموافق 30 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • غاردينا | 6:41 ص

      تضاؤل المصداقية

      مقالة مؤلمة لاحتوائها على محصلة اخطاء لرموز تكونت لها المكانة العالية و الحصانة الداخلية لدى الفرد ايمانا وتصديقا بها وبكل ماتاتى به فرجل الدين رمز على مر العقود الا ان الاخطاء الحاصلة وخاصة فى الفترة الاخيرة والافتاءات الصادرة جعلت لدى الفرد جزئية من الاضطراب بين العقل والدين المتعارف وبين الفتاوي الاخيرة فاخذت المصداقية تقل تدريجا وهنا لزم تدخل من ولاءة الامر بحيث لاتتم اصدار اى فتوى الا من دار فتوى اسلامي
      حتى لاتصدر اى فتوى وتشاع ويحدث بها الضرر
      شكرا
      غاردينا زهرة البستان

    • زائر 15 | 12:49 ص

      المهازل الكبرى».

      فعلاً... إنه عصر «المهازل الكبرى».
      صدقت يا سلمنا

    • زائر 14 | 6:59 م

      جورج بوش

      قالها جورج دبليو بوش الإبن قبله من لم يكن مع أمريكا فهو ضده

    • زائر 13 | 10:50 ص

      ماقيل على لسان الشيخ تم نفيه وتكذيبه

      من أغرب الأمور أن ما قيل على لسان فضيلة الشيخ البراك. تم نفيه وتكذيبه ، بل وهنالك روابط على الشبكة لنص ماقاله الشيخ صوتا وصورة، ولكن هنالك من لا يزال يعتمد الرواية المكذوبة على الشيخ على أساس أنها عنز ولو طارت!

    • زائر 12 | 10:38 ص

      أول نظره

      هاده و يش فيه ؟ كل شي عنده حرام . ما يشوف تايلند ما عندهم شي حرام . و الحريم متمللين من فيابهم . اصبر عليه بتشوفه يتدوفع في walking street في بتايا . ما عليك من فتاوينهم . كله للأستهلاك المحلي . و يسوي روح something .و هم لي شافوا الحرمة يقزونها من فوق لي حدر .خطر يفصخونها فيابها .و كل عدرهم اول نظرة .

    • زائر 11 | 10:08 ص

      إنها الدنانير والدراهم والجاه والحقد وعدم الإيمان

      إنها الدنانير والدراهم والجاه والحقد وعدم الإيمان
      ولاحول ولا قوة إلا بالله

    • زائر 10 | 7:41 ص

      رأي شخصي فقط

      يجب أن يبقى كلام البراك رأي شخصي حتى لو كان في صيغة فتوى والتقديس يجب أن يزول حتى لا نحمل الإسلام مالا يحتمله من هؤلاء المفتين على وحده ونص !

    • زائر 9 | 7:32 ص

      مدرس ثانوي

      كعادتك يا استاذ سليمان لا تكتب إلا الدرر و كل ما هو عقلاني و منطقي ، بوركت و بورك قلمك يا استاذي العزيز . كل ما ذكرته صحيح يا استاذي الفاضل ، كانت دراستي الجامعية في احدى الدول الغربية ، و كنت أستاء و أخجل من مثل هذه الفتاوي ، هذه الفتاوي تصلح للعصور الحجرية و عصور ما قبل التاريخ ، لا أعلم متى سيرتقي هؤلاء بفتواهم .
      تحياتي لك و للجميع .

    • زائر 8 | 6:15 ص

      لاتكن دون كيشوتياً...ياسليمان!!

      لاتحارب طواحين الهواء ..وتصنع منها فرساناً عمالقة !! ...قيل ان سر نجاح أكبر رئيس تحرير للواشنطن بوست "بن برادلي" هو ...الناشر الذى كان خلفه!! وتناولكم لكل مايقال ..سر نجاح هذه الفتاوى ..؟؟!!.بينما أحجمتم أيها الإعلاميين عن التصريحات من مثقفين تقلل من شأن المراة السعودية وتصفها بالبقرة ,كتصريح الكاتب العرفج ..وهي الأشد لأنهاتغذى الثقافة الذكورية فى البلد !!!
      ثم اشكر اشارتك عن هيئة الصحفيين ."F" الرياض

    • زائر 7 | 4:50 ص

      هل نعلم ؟؟

      اخي الكاتب بكل تأكيد راح تكون من أخوان الشياطين أذا كان كلامك الواقعي لا يعجب الشيخ البراك ابدآ ... فهم يطبقول المقوله الأمريكيه اذا كنت لست معنا فأنت ضدنا لا محال ... ما شاء الله هذا العام تم تسجيل اكبر عدد من الأفتاآت والدعاوي المحرجه والمستهتره علي الناس فمتي نستفيق من سباتنا ؟؟؟

    • زائر 6 | 3:49 ص

      انما الخجل وليس للمسلمين

      الحمد لله مشهور في العالم ان هؤلاء المفتين(بغير العلم)

    • زائر 5 | 3:30 ص

      اتسأل..؟؟!!

      اتسأل اذا كان الشيخ يفتي او يعبر عن وجهة نظر..فلا شك ان لا رسول الله ولا اصحابه و لا اهل بيته امرو بذلك..فأين دليلك في اصدار هذه الفتوى..في شيوخ سنه يجتهدون اكثر من اللازم.و في البعض يجتهد بعقلانيه و بأمور مدروسه..
      و الى الاخ الزائر الثاني..الاحكام الشرعيه تسنبط من كتاب الله و سنة رسوله..اي ما قام به او قاله هو..و ليس غيره..و اهل البيت و الصحابه ما هم الا ناس تنقل ما قاله الرسول الى الناس من بعدهم..

    • زائر 4 | 3:29 ص

      معك حق

      أضم رأيي مع الكاتب المحترم......تحرير الاسلام من هؤلاء النشاز من الفتاوي التي تسئ للاسلام كرضاعة الكبير وغيرها,...وعدم الركون لمثل هذه الفتاوي السوداوية...يدعون الدفاع عن الاسلام..وهم أول من يرمي سهمه في جسم الاسلام بهذه الفتاوي,,كرضاعة الكبير

    • زائر 3 | 2:06 ص

      فتوى أم قانون

      هذا الفتوى هي هي قانون الصحافة والنشر ولكن أضيف عليها كلمة (قانون) والفرق أن البراك يجرم ولايعاقب بينما يجرم ويفتري من صاغ القانون على هواه بالتهمة التي يحب والعقاب الذي تشتهيه نفسه

    • زائر 2 | 1:43 ص

      المدرسة النموذجية

      في كل يوم نسمع بفتوى جديدة غريبة لا تمت الى الدين أي صلة, بل تجعلنا مهزلة عند غير المسلمين
      خصوصا فتوى إرضاع الكبير.
      وهذا يدل على تخبط هؤلاء المتلبسين بزي أهل العلم, وهل يمكن الوثوق بأمانتهم العلمية؟ أو بمصادرهم التي يستندون عليها للفتوى؟!
      عندها ندرك أن مدرسة أهل البيت هي المدرسة النموذجية لاستنباط الأحكام الشرعية.

    • زائر 1 | 12:45 ص

      أصبت في الصميم.

      مقال ممتاز و شكرا للكاتب.

اقرأ ايضاً