لا أحد ينكر أو يكابر، ما للبيئة النظيفة من أهمية خاصة على النفس والصحة، وهي تعكس ثقافة وحضارة المجتمع، فإن كانت هذه البيئة ملوثة والشوارع مكتظة بالنفايات فهذا مؤشر على المجتمع والعكس صحيح. ومن الأدلة الصارخة والأمثلة الجلية، ما نراه ونلحظه في معظم المدن بالدول العربية، فليس هناك أدنى اهتمام بالبيئة، ودائماً ما يتم ذكرها بازدراء وبنعوت لا تليق بالإنسان العربي والمسلم فيما يخص النظافة.
كذلك عندما نقول بيئتنا مهددة بسبب ما نراه من تعدٍ صارخٍ على البيئة البحرية المتمثل بالدفان المستمر وشفط الرمال، حيث إن دمارها يهدد الأمن الغذائي والمجتمعي على حد سواء، كاقتلاع الأشجار والاستيلاء على المناطق الزراعية الخصبة وتشييد المباني التجارية والخدماتية، يعتبر تهديداً آخر ويزيد من نسبة التصحر وهذا ما لمسناه وأحسسناه خلال العقدين السابقين... فهل نفيق من هذا السبات العميق؟
زيادة الأمراض السرطانية وضيق التنفس والأمراض الجلدية، ما أدى إلى اكتظاظ المستشفيات بالمرضى حسب إحصاءات وزارة الصحة بسبب تلوث بيئتنا خلال السنوات القليلة الماضية، فهل نحن في سكرة من الموت أو في الغفوة الكبرى؟
خلال السنوات الماضية من تعدد الأمراض وتنوعها وكثرة الوفيات لأسباب مختلفة، وأمراض معدية كثيرة، حيث من الملاحظ زيادة أمراض الضغط والسكر وضيق التنفس والأمراض الجلدية المختلفة. مع أن ليست لدينا الأسباب الحقيقة ولا الدراسات الصحية عن أسباب تنوع الأمراض وزيادتها، ولا نستطيع إعطاء جزم حقيقي بسبب تنوع هذه الأمراض وزيادتها، ولكن المستيقن من المؤشرات المعروفة، هناك كثير من الأدلة تؤكد أن عدم الاكتراث بالبيئة وإهمالها أدى إلى زيادة الأمراض مما آل إلى هذه الأيام السوداء والسيئة والممقوتة، والقادم أسوأ كما يظهر بالأفق... فماذا نحن فاعلون؟
هذه المؤشرات رصدناها، وقمنا باستنتاجها، بما للبيئة من علاقة طردية مع الصحة العامة، فكلما قلت نسبة التلوث في البيئة بزيادة نسبة التشجير والمساحات الخضراء والغابات التي تمتص الغازات السامة المسببة للأمراض الناتجة من المصانع والسيارات وغيرها، كلما قلت الأمراض وانحدرت نسبة الوفيات. ولنا في البلدان الشقيقة سورية والأردن ولبنان أسوة حسنة، وكذلك بالنسبة إلى إيران في مناطقها الشمالية تحديداً والدول الأوروبية المختلفة، حيث تصل الأعمار إلى 100 سنة، ومواطنوها في صحة جيدة... اللهم لا حسد ونغبطهم على بيئتهم الصحية.
تجدر الإشارة إلى أن الهيئة العامة لحماية البيئة لن تألو جهداً، وتكرس الجهود، إلا أنها لم تستطع أن توقف أصحاب النفوذ وإخضاعهم لقوانينها، ولا نعرف ما هو السبب؟ بالإضافة إلى زيادة المشاريع التي لا يستوعبها هذا البلد وقلة الإمكانيات المادية والبشرية التي تنقصها جعلت حماية البيئة في حيص بيص، بين مطرقة واجبها تجاه المجتمع وسندان المتنفذين والمستثمرين (الهوامير)، فلا تعرف إرضاء الناس الذي يحتمه عليها واجبها تجاههم، أم تصطدم مع هذه الفئة البرجوازية المتغطرسة، التي حتى قوانين البلد تبلعها، كما يبلع الحوت السمك الصغير.
عموماً مسألة زيادة التلوث الذي وصل إلى الحد الأعلى في بعض الأيام يهدد حاضرنا ومصلحة الشعب ومستقبله، كما يقلق ويبعث على عدم الاطمئنان لمستقبل الناس واستقرارهم، فلا نريد أن نورث للأجيال القادمة قنابل موقوتة للموت.
قد نتفق مع الحكومة في رؤاها وتخطيطها للأجيال، بتنويع وزيادة الدخل القومي والإسراع في التطور لمواكبة الدول المتقدمة، ولكن نختلف معها إذا تعدت الخطوط الحمراء التي تهدّد البيئة وحياة الناس والشعب. من واجبنا تجاه المجتمع أن نقوم بالدفاع عن من يهدد حياتهم، ويؤثر في خلخلة موائلهم البرية والبحرية، أو من يقوم بتلويث الجو الذي هو حق مكتسب من حقوقهم، ويجب أن تلتزم الحكومة ولا تتعدى القوانين والتشريعات البيئية التي وقعتها فيما يخص الناس والبيئة، منها قوانين الرقابة وحماية البيئة، كما ورد في البند رقم (11) من المادة رقم 2 المتعلق بالتقويم البيئي للمشاريع والذي ينص على دراستها وآثارها على البيئة، وتحديد الآثار البيئيـة المحتملـة، والإجراءات والوسائل المناسـبة لمنع أو تخفيف الآثار السلبية أو زيادة المردود الإيجابي للمشروع على البيئة قبل الترخيص له.
والبند رقم (9) من المادة الرابعة، حدّد دراسة طبيعة المناطق الساحلية والبيئة البحرية، واقتراح حماية مواردها وتنميتها وتطويرها. والبند رقم (10) من المادة نفسها، وضع لتطوير الإجراءات الوقائية الخاصة بالحد من التلوث البحري من النفط والمواد والأنشطة الضارة الأخرى، وتطوير القوى العاملة وتدريبها، لتنفيذ خطط مكافحتها.
والمادة (6) نصت على ألا يجوز لأي شخص أو مشروع، استخدام البيئة في أي نشاط يلوّثها، أو يسهم في تدهورها، أو يلحق ضرراً بالموارد الطبيعية أو الكائنات الحية أو يخل، أو يمنع الاستخدام أو الاستعمال أو الاستغلال الرشيد والمشروع للبيئة. هناك قوانين كثيرة ومتعددة خصوصاً بالتربة واليابسة والجو، تلزم جميع المشروعات باتخاذ الاحتياطات والتدابير اللازمة، التي تمنع من تدهور البيئة وزيادة حمايتها.
مع روعة القوانين وكثرتها وإلمامها بالتشريعات البيئية المتطورة، إلا أنها حبيسة الأدراج والملفات، ولا تطبق بشكل جدي وقانوني على الجميع. فمتى نفيق من سباتنا العميق ونبقى أسرى للموت البطيء؟
إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"العدد 2862 - الأربعاء 07 يوليو 2010م الموافق 24 رجب 1431هـ
ستراوي بحق
شرفتنا بمقالاتك ويعطيك العافية
صح لسانك
صدق والله ، قبل الواحد يعيش فوق 100 ويعمر من غير أمراض والان يعيش الانسان وامراضه واياه.
عند الصباح الباكر
عند الصباح الباكر وتحديدا عندما قمت بتشغيل السيارة تنفست هواء ملوث وهواء غريب الراحة في منطقة سترة واتساءل الى متى بتم الوضع البيئي تحديدا في منطقة سترة من سيء الى أسوا
هواء غريب و ملوث الراحة نتنفسه كل يوم وحتى الهواء اصبح بفلوس في هذا الزمن ونشكرك كل الشكر والتقدير على هذا الموضوع _ تحياتي
999
يشكر الاستاذ احمد ابو يوسف على هذا المقال
تدمير البيئة إرث المتنفذين
حقا ما تقوله يا دكتور إن البيئة التي يرتبط بها الوجود الإنساني والحيواني والنباتي مهدده من أطماع الطامعين والمتنفذين الذين ما فتئوا يدمرونها يوما بعد يوم بالتعاقب الخسيس، فكلما انطفأت جذوة حياة متنفذ ورثه صنوه ليقتفي أثره بخسة ودناءة في تحطيم البيئة ومقدراتها والاعتداء على مكوناتها تحت مرأى ومسمع الجميع... الأمثلة كثيرة ويكفيك أن ترمي ببصرك نحو المشاريع الجديدة نورانا ومرسى السيف ووووو....
ليظهر لك عمق التدمير البيئي الحاصل في البحرين.