العدد 285 - الثلثاء 17 يونيو 2003م الموافق 16 ربيع الثاني 1424هـ

لجان الإستخبارات في الكونغرس تحقق في تبريرات الحرب على العراق

هل يكون جورج تينت هو الضحية؟

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

تبدأ لجنتا الاستخبارات في الكونغرس الأميركي بمجلسيه الشيوخ والنواب الأسبوع الجاري عقد جلسات استماع بشأن المعلومات الاستخبارية عن امتلاك العراق برامج أسلحة دمار شامل، التي استخدمها البيت الأبيض لتبرير العدوان على العراق واحتلاله، ويتوقع أن تصدر كل من اللجنتين لاحقا تقريرا بهذا الشأن.

وفي الوقت الذي يستعد فيه الديمقراطيون في الكونغرس لتوجيه «صواريخهم السياسية» ضد إدارة الرئيس الأميركي لعدم عثورها على «أسلحة الدمار الشامل» فإن مصادر مطلعة ذكرت أن بوش في معرض الدفاع عن موقفه، قد يعمد إلى التضحية بمدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جورج تينيت بإرغامه على الاستقالة بعد أن يحمله مسئولية «تقديم معلومات استخبارية خاطئة» بشأن «أسلحة الدمار الشامل»، غير أن هذه المصادر تؤكد أن إرغام تينيت على ترك منصبه لن يصلح الضرر الذي لحق بصدقية الولايات المتحدة في الخارج.

وأفشل الزعماء الجمهوريون حتى الآن تحقيقا موسعا في مزاعم إدارة بوش قبل الحرب بشأن «أسلحة الدمار الشامل» في العراق. ولكن ما لم تخرج فرق التفتيش بشيء ما في موعد قريب، فإن إجراء تحقيق رسمي أمر حتمي، وخصوصا أن بوش أوجد حال من التوقع بأنه سيتم العثور على مخازن كبيرة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في العراق وأن لدى نظام صدام حسين برنامجا نوويا نشطا، ولم يتم حتى الآن الكشف عن أي شيء من ذلك، ما يشير إلى فشل ضخم للمخابرات الأميركية أو استخدام انتقائي وتلاعب بالمعلومات التي كانت متوافرة لتلائم الأهداف السياسية لإدارة بوش.

وخصص البيت الأبيض مستشارة بوش للأمن القومي كوندليزا رايس ووزير الخارجية كولن باول للحديث في البرامج التلفزيونية لدحض الاتهامات التي يوجهها الديمقراطيون بأن إدارة بوش قد أساءت استخدام الاستخبارات. وفي الوقت نفسه فإن مسئولا استخباريا كبيرا بدأ في إرسال معلومات عن الوضع قبل العدوان قبل إعلام أعضاء الكونغرس عن جلسات الاستماع.

ويرى مراقبون أن إدارة بوش تأمل أن تستبق النقاشات وكسب الوقت من أجل قيام فريق التفتيش الجديد التابع لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بتفتيش الريف العراقي بحثا عن أسلحة مزعومة. ويضم هذا الفريق نحو 1400 شخص من بينهم مفتشون أميركيون سابقون عن الأسلحة اشتهروا بترويج الأكاذيب عبر وسائل الإعلام الأميركية وغيرها عن برامج أسلحة العراق من بينهم ديفيد كاي الذي كان يعمل مع الـ (سي آي إيه).

وأوجد الافتقار إلى أي دليل ضد العراق، مشكلات لإدارة بوش في الأسرة الدولية. وتعتزم إدارته وضع خطة هجومية عالمية لحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل وتكنولوجيا الصواريخ، وهي الخطة التي تراجعت عندما أثارت الدول الأوروبية أسئلة عن أجهزة الاستخبارات التي ستستخدم في هذا الجهد. ومن شأن الاقتراح الأميركي الذي يدعو إلى مبادرة أمنية فيما يتعلق بانتشار الأسلحة أن يغير القانون الدولي للسماح باعتراض السفن التي يعتقد أنها تحمل أسلحة محظورة.

وكان بوش أعلن أنه سيكشف عن اقتراحه في قمة مجموعة الثماني في إيفيان في فرنسا في مطلع الشهر الجاري، لكنه غير رأيه بعد أن استمع إلى مواقف الدول الأوروبية. وبدأ النقاش بدلا من ذلك يوم الخميس الماضي في مدريد في اجتماع على مستوى أقل من كبار المسئولين من عشر دول.

وقد تثير استجوابات الكونغرس شكوكا بشأن مبدأ بوش بتوجيه «هجمات استباقية» لدول لم تستفز الولايات المتحدة ولكن واشنطن تتخذ إزاءها موقفا عدائيا وتدعي أنها تشكل تهديدات خطيرة. وتقول العضوة الديمقراطية في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب جين هارمان إن هذا المبدأ «يرتكز على التنبؤ بالمسلك» مضيفة أن «التنبؤات عن السلوك في العراق حتى هذه المرحلة لم يتم إثباتها».

واتهم العضو الديمقراطي البارز في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ جي روكفلر زملاءه الجمهوريين بالإحجام عن إجراء تحقيق أكثر جدية وقال: «إن ما يقومون به على ما يبدو غير كاف كليا ويتسم بوتيرة بطيئة مثل سير النائم عبر التاريخ».

ويقول كثير من زعماء الحزب الديمقراطي إن القضايا المتعلقة بالأسلحة العراقية يمكن أن تتحول إلى قضية سياسية قوية. وأكد بعضهم أن مهاجمة بوش بهذا الشأن يمكن أن يقوض أحد أكبر دعائم بوش في انتخابات العام المقبل وخصوصا كونه قائدا عاما للقوات المسلحة. وقالوا إنه إذا لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل فإن الديمقراطيين يمكن أن يتحدوا صدقية بوش بشأن قضايا تتجاوز الصراع بشأن العراق. وذهب المترشح داخل الحزب الديمقراطي للفوز بترشيح حزبه لانتخابات الرئاسة بوب غراهام إلى مدى أبعد بتشبيهه بوش بالرئيس السابق ريتشارد نيكسون، الذي يرتبط اسمه بفضيحة «ووترغيت». واتهم غراهام إدارة بوش أعقاب إعلان الجمهوريين بأنها ستعقد جلسات استماع مغلقة بشأن أسلحة العراق بأنه «عرض آخر مشين وخطر من السرية». وقال إنها تلاعبت بالمخابرات من أجل الترويج لقرار الذهاب إلى الحرب.

وخرج بعض الديمقراطيين في الكونغرس عن صمتهم الذي التزموه أثناء الحرب، بتحدي الرئيس وقال العضو الديمقراطي البارز في مجلس الشيوخ كارل ليفين إن المسئولين في حكومة بوش ربما زخرفوا التقارير الاستخبارية أثناء الحشد العسكري الأميركي. وقالت العضوة الديمقراطية هيلاري كلينتون «اثيرت قضايا جدية وتحتاج إلى الإجابة».وتبرز قضية «يورانيوم النيجر» قضية ذات أهمية خاصة إذ ادعت إدارة بوش بأن العراقيين كانوا يحاولون استيراد اليورانيوم من إفريقيا. وعندما ظهرت على السطح هذه المعلومة الاستخبارية للمرة الأولى، أرسل تينيت مسئولا كبيرا سابقا إلى النيجر للتحقيق. وقدم تقريرا بأن الوثائق التي زعمت بيع اليورانيوم مزورة. ولم يكن حتى من الصعب تحديد ذلك. فالمسئولون في حكومة النيجر الذين ذكرت أسماؤهم بهذا الشأن لم يعودوا موجودين في مناصبهم، ومع ذلك فإنه بعد شهر ظهر هذا الدليل الوهمي في خطاب الرئيس بوش في وقت سابق من العام الجاري عن حال الاتحاد كجزء من قضية الإدارة من أجل الحرب.

وترى مصادر مطلعة أن ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» الخميس الماضي من أن الـ (سي آي إيه) لم تشارك في الشك بشأن المعلومات الخاصة بالعراق، وقول البيت الأبيض إن الـ (سي آي إيه) لم تمرر المعلومات عن وثائق النيجر المزورة، من شأنه أن يؤكد أن بوش لم يكن على علم بأنها كانت مزورة. وإذا صح ذلك فإنه يعني أن مدير الـ (سي آي إيه) تينيت وضع - وهو يعلم - معلومة جرى التحقق من أنها كاذبة في أيدي الرئيس إلى درجة أن بوش استخدمها عنصرا رئيسيا في الطريق إلى الحرب عندما تحدث إلى الكونغرس والشعب الأميركي. وإذا كان بوش يعتقد حقا أن مدير الـ (سي آي إيه) وضعه في هذا الوضع، فإنه يتعين عليه أن يطرد تينيت.

غير أن مراقبين في الكونغرس الأميركي قالوا إنه يوجد قدر كبير من التشكك بشأن رواية البيت الأبيض. وإن خطاب حال الاتحاد هو اكثر الخطابات المدققة التي يلقيها الرئيس. وانه ليس من المعقول التصديق بأن بوش وكبار مساعديه المحيطين به كانوا مغفلين. والتفسير الأكثر احتمالا هو أن الإدارة احتاجت إلى تعزيز السند النووي لقضيتها. فالمتشددون الذين يديرون السياسة الخارجية لم يكن لديهم ما يكفي للإدعاء بأن العراق يشكل تهديدا وشيكا بأسلحة كيماوية وبيولوجية. وإن معظم الخبراء لا يعتبرون هذه الأسلحة أسلحة دمار شامل حقيقية ولا تشكل تهديدا وشيكا للولايات المتحدة، أو انها أسلحة إرهاب، وخصوصا في غياب ارتباط مقنع بين نظام صدام وتنظيم «القاعدة»، وهو ما لم تستطع ادارة بوش إثباته.

ويقول مصدر في الكونغرس إن باول كان يعرف ما كان يفعل «حزب الحرب» في ادارة بوش، وإن تينيت الذي كان يحاول المقاومة في الوقت الذي يخدم فيه البيت الأبيض، قد يسقط في فضيحة أسلحة الدمار الشامل الآخذة في التكشف. ويقول أحد المساعدين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي «إنه سياسي جيد في أسوأ معنى ممكن من معاني الكلمة، إنه يلعب على جانبي الطريق».

وتقول مصادر مطلعة أن تينيت الذي لا يعتبر من الموالين لبوش، إذ كان مديرا لوكالة المخابرات في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون قبل أن يطلب منه بوش البقاء في وظيفته. وتضيف هذه المصادر أن البيت الأبيض سيوجه اللوم إليه. ويقول مسئول في البيت الأبيض ساخرا من الإدعاء الذي قدمه مسئولون في الـ (سي آي إيه) لم تذكر أسماؤهم من أنهم شعروا بأنهم يتعرضون للضغط لأن نائب الرئيس الأميركي ريتشارد تشيني قام بزيارات كثيرة إلى مقر الـ (سي آي إيه) «إننا نعلم ما أبلغنا به. هل يبلغك محاسب أنه يشعر بالضغط من أجل إعطاء هذا الرجل تخفيضا؟ إنهم يعرفون أين يوجد الرئيس، ولكنهم مهنيون. أعطوا حكما ولايزالون على حق. كان والد بوش مديرا للسي آي إيه. وهو يعرف كيف تعمل. فإذا شعروا بالضغط، فقد كان ينبغي عليهم أن يستقيلوا».

ويرى مراقبون أن نوعية المعلومات الاستخبارية للسي آي إيه أو ما إذا كانت طبخت لتناسب الاحتياجات السياسية للإدارة هي في قلب الجدل الدائر حاليا في واشنطن. ونقل هؤلاء عن العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ الراحل الذي يلقى احتراما واسعا، دانيال باتريك موينهان أعقاب انتهاء «الحرب الباردة» إن الـ (سي آي إيه) كان يمكن «أن تبلغك كل التفاصيل التي يمكن تصورها عن الاتحاد السوفياتي باستثناء توقع انهياره».

وقال هؤلاء «إذا كان بوش يحتاج إلى وغد، فإن الـ (سي آي إيه) ستقوم بذلك بشكل جيد»، لكنهم يؤكدون في الوقت نفسه إن ذلك لا يغلق الفصل الخاص بتسييس المخابرات، كما أن تينيت لن يذهب بهدوء بأسلوب واشنطن الكلاسيكي، فإن ما عرفه بوش وما قدمته الـ (سي آي إيه) من معلومات ستتسرب في وقت ما نقطة نقطة لتدمير صدقية الولايات المتحدة في الخارج حتى لو حاول بوش تجنب الضرر السياسي داخل بلاده

العدد 285 - الثلثاء 17 يونيو 2003م الموافق 16 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً