بحرقة الفقد المفجع ولدغة فراقك الأبدي وجرح غياب غائر يبحث عمّا يهدئ، قلت لمن كان يواسيني وينشدني الصبر:
- «والدي» لم يكن إنساناً عادياً، إنه مسحة النور الجميل في حياتا ودفء ربيعنا ونقاء نفوسنا وهو الفراشات التي طالما رفرفت بشموسها على أيامنا!
@@@
بعد هدوء الضجيج، في أتون الوحشة، تتفتح الجروح المغلقة. بمشقة متعبة أقلّب الصفحة المسكونة بالحياة والحركة، أعبر الطريق محمّلة بذاكرتك التي أضاءت مسافات المكان من حولي، حيث التوتّر يتّسع حين أغلق عيني وأحاول بحنين لملمة المبعثر من عالم الطفولة وشتات الشباب حتى زمن النضج في أحضانك المنهكة من عبء الأثقال.
@@@
حان وقت الغروب «يا والدي»، دقّت ساعة رحيلك مثل غيمة سوداء هزّتنا بعنف، اخترقتنا من الوريد إلى الوريد، خفق القلب بوجع وتكسّرت أوتاره، باغتتنا الغصّة في حناجرنا، لكنك اكتفيت وانسللت منا كخيطٍ رفيع في ظلمة الغفلة، انسحبت كعادتك بكبرياء الجبل وهدوء القمر دون جلبة أو إزعاج، ما برح جرح فراقك يتدفق نزفاً متواصلاً مخلفاً وراءه دفقاً من الأحزان.
@@@
بعدك يا «والدي»، ثمّة رهبة تنتابني، أتمزّق، يتملّكني شعور الانكسار ويغمرني الارتباك من موت أهْتَزُّ أمامه كورق الشجر في الخريف، كيف أتجاوز طفولتي معك وأحزن عليك؟ كيف انطفأ بريق الحياة في بؤبؤ عينيك الشديدتين بأساً؟ وتبعثر البرد في جسدك... كيف؟ مؤلم أن تأتي المناسبات بأدق تفاصيلها تباعاً، مبكّرة تداهمنا في غيابك كل يوم، فتتقاذفنا موجات الأحزان مجدداً وتسري في الشرايين، وشلال الوجع يقهرنا ولا يتوقف، كيف «يا والدي» نعتاد غيابك وأنت الذي تملأ ذاكرتنا بماء الحب الرقراق ورحيق الورد وأخضر الكلمات؟
حين اقتربنا منك لنقبلك القبلة الأخيرة، بدت على جبينك مسحة البياض ولمحت ملامحك مثقلة بالأنين، كان ليلنا بارداً وطويلاً، مبهماً قاسياً إلى حين احتضنتك الشمس والأرض التي تعشق بترابها ورحيقها.
@@@
صار الشتاء يا «والدي»، قريباً وتمددت العتمة، وأنت لم تعتد بعد مغادرتنا، ذلك لأنك تحب وجودنا وضحكاتنا، صخبنا وشقاوتنا وتتسامح مع حماقاتنا، تحتوي شجوننا وقلقنا وتحب أن تناغي أحفادك وتطعمهم كما العصافير، بشغف نحبك دائماً بيننا، صرت تزورنا في كل الوجوه وبدفء قلبك تحدق في أعماقنا، تخاف علينا من نسمات الخريف، كأننا للتو نولد، كأنك للتو تتأهب للرحيل.
في الأمسيات الموحشة نَلِجُ في صمتك بحثاً عن الأشياء الجميلة والمدهشة نستنطقها قبل أن تنفلت وتتشظى مع النسيان، نتوغل في تفاصيل عالمك حتى تتضاءل الكلمات وتذوب الحدود فيرتد الأسى في جوفنا، ذلك لأن موتك حالة مستلبة وفقدان لمكانك وضياع لزمانك والموت، الموت يا «والدي»، أدخلنا في دائرة لا نستقر فيها على شيء - كما قال أحدهم - لا يكفي النحيب، لا تظلل عبارات الرثاء مواضع الفقد، لا تداوى أوجاع الغربة، دونك «يا والدي» الوقت موحش... موحش.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 2846 - الإثنين 21 يونيو 2010م الموافق 08 رجب 1431هـ
أيا دمع مالك ؟؟
ما لي عين للدمع تسيل ؟؟
رحيل الآباء رحيل للفرحة
وتقهقهر في الذكرى
ووجع لا يزول
ندى
كلماتك ..أوجعتني .. قتلتني .. بعثرت مشاعري على قارعة الافتجاع.. وكأتك تكتبين بقلبي الفاقد.. لأبي الحنون .. أية حروف يمكنها اختزال الألم الموجع الذي يفتت أحشائي بعد رحيلك يا والدي.. أي رحيل هذا الذي قتل ما تبقى من فرح في أيامي.. متى اللحاق بك ؟؟ متى اللقاء يا أبي فقد طال الفراق.....؟
رحم الله ولدكم
رحم الله ولدكم وأسكنه فسيح جناته ورحم الله المؤمنين والمؤمنات أجمعين أمين يا رب العالمين وسألين المولى العلي القدير ان يجتاوز عن خطايانا ويطهرنا من كل ذنب ودنس .
ابنتك الحنونه
الله يرحمك يا والدي العزيز
مكانك خالي :(