العدد 2841 - الأربعاء 16 يونيو 2010م الموافق 03 رجب 1431هـ

وزارة «الثقافة للجميع»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في لقاء وزيرة الثقافة والإعلام بأسرة «الوسط»، تركّزت كثيرٌ من الأسئلة على حفظ الآثار في المحافظة الشمالية، التي تُقدّر بما بين 70 و80 بالمئة من تراث البحرين.

القطاع الشمالي كان غنياً بالعيون والآبار والموارد المائية، منذ عهود سحيقة. ومن يشاهد الخارطة سيلاحظ الرقعة الزراعية تفيض وتتهدل على جانبيه، نزولاً على الساحل الغربي والشرقي من الجزيرة. كما أن كثافته السكانية العالية، التي كانت وماتزال، لم تكن صدفة، وإنما نتيجة طبيعية لوضعه الحضري المستقر.

الرحالة العرب والأجانب كانوا يصفون البحرين بغابة الأشجار لكثرة الزراعة، التي يُرجّح أنها كانت تغطّي المساحة الأكبر منها، لكنها انحسرت في العقود الأخيرة بفعل عوامل طبيعية كالتصحّر وغور المياه؛ وعوامل بشرية كالجشع والتفريط بالأرض وسياسات الاستئثار.

عندما تقطع الشريط الشمالي بسيارتك، ستجد معلماً أثرياً مهماً عند مدخل كلّ قريةٍ أو داخلها، بعضها يعود إلى الفترة الإسلامية، وبعضها قبل ذلك بكثير. وهي آثارٌ أغلبها مهمل، رغم تعاقب جيلين من الناس والمسئولين بعد الاستقلال، وتبدّل الوزراء والوزارات.

الشيخة ميّ آل خليفة، قبل توليها وزارة الثقافة، قادت مبادرةً رائدةً لإحياء عددٍ من المواقع في محافظة المحرق، حوّلت البيوت القديمة إلى تحفٍ فنيةٍ تستهوي الزائر والمقيم، رغم أن عمر أغلبها لا يزيد عن القرن. وقد بدأت بترميم بيت جدها فحوّلته إلى مركزٍ يحتضن العديد من الفعاليات الثقافية، ومنه انطلقت إلى مشاريع أخرى كبيت الزايد للصحافة، ومحمد بن فارس للصوت، وبن مطر للتجار، وبيت القهوة. وكلها بيوت تحفظ جانباً من التراث والتاريخ البحريني، ومن بينها بيت الكورار.

الكورار هي الزركشة التي تزيّن جيوب وأكمام الثياب العربية التقليدية، ومازالت تستخدمها النساء في المحرق وسترة والرفاع والغربية رغم غزو الموضة الغربية الحديثة، ويحسب للوزيرة حرصها على حفظ هذا الجزء من التراث البحريني الجميل.

على بعد أقل من خمسة عشر كيلومتراً من بيت الكورار غرباً، هناك صناعة تقليدية قديمة جداً، في قرية «بني جمرة»، تنتظر خطة إنقاذ لكي لا تختفي للأبد. وقد دأبت الصحف والمجلات على نشر تحقيقات صحافية خلال ثلاثين عاماً، لإنقاذ هذه الصناعة التقليدية، دون أن تجد أذناً صاغية. وفي بداية صدور «الوسط» قبل ثمانية أعوام، كان لي شرف المساهمة في نشر تحقيق عن صناعة النسيج، التي لم يتبقَّ منها غير بيت واحد آنذاك.

البيت لم يكن بيتاً، وإنّما كان عشّةً مسقوفةً يفصلها شارعٌ ترابيٌ عن المقبرة، وكان الوقت حاراً، وريح السموم تهبّ فتملأها بالغبار. وكان العامل بـ «الصنعة» (كما تُسمّى) مستعدٌ لمواصلة العمل في هذه الظروف البائسة ونقلها لأولاده لو توفّر له دعمٌ ثابتٌ يساعده على شظف الحياة. ومع أن الطلب على النسيج يقتصر على النساء المتقدمات بالسن في البحرين والشرقية بالسعودية، إلا إنها حرفةٌ تقبل إدخال الكثير من التحسين والإبداعات كما في الفخار، فيما لو توفرت ميزانيةٌ بسيطةٌ وقرارٌ مسئولٌ، مع وجود جيل شاب مستعد لتعلمها.

إن حرفةً تقليديةً مهملةً منذ ثلاثين عاماً كالنسيج، تستحق أن يبنى لها بيتٌ خاصٌ أسوةً بالكورار، فحتى التنمية الثقافية تحتاج إلى توزيع متوازن على امتداد الوطن.

*تعليقاً على مقال أمس، صحّح أحد القراء اسم كاتب مسرحية «بانتظار غودو» على الموقع الإلكتروني، للكاتب صموئيل بيكيت وليس بريخت. إنه الاعتماد على الذاكرة عن كتابٍ عابرٍ قبل ربع قرن. فله كل الشكر.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2841 - الأربعاء 16 يونيو 2010م الموافق 03 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 7:57 ص

      كل التراث يجب أن يأخذ حقه

      الى المعلق الذي أشار الى بيت الشاعر ابراهيم العريض في ، هذا رد عليك وعلى وزارتك ، فمن يهتم ببيت الأديب ابراهيم العريض في المنامة ، لماذا يتجاهل النسيج في بني جمرة ،أليس كله تراث بحريني يجب المحافظة عليه ؟!
      النظرة التشطيرية هي مشكلتنا في البحرين

    • زائر 8 | 5:49 ص

      شكراً للدفاع عن التراث

      شكرا لك على دفاعك عن تراث البلد. شكر الله سعيك، فهذا هو الولاء الحقيقي للأرض والشعب والوطن، وليس ولاء كتاب العملة.

    • زائر 7 | 4:39 ص

      أبو جالبوت

      وكان العامل بـ «الصنعة» (كما تُسمّى) مستعدٌ لمواصلة العمل في هذه الظروف البائسة
      مستعد ٌ = مستعدا ً
      خبر كان دائما منصوب ، و لكن هذا النوع من الحرف و التراث منصوب عليه !! لأن المسئولين ليسوا بحاجة إلى بضع أفراد ينادون بأصالة التراث ، هم بحاجة فقط إلى بنايات تضمن مسقبلهم ...

    • زائر 6 | 2:49 ص

      تصيحيح آخر

      بيت الشاعر والأديب الكبير إبراهيم العريض بالمنامة هل نسيته؟

    • زائر 5 | 2:11 ص

      الى متى

      في هذا الإطار فقط نريد أن نتساءل كيف يمكن وتحت أي مسوغ التفريط بعاصمة البلاد وتحويلها إلى ولاية هندية ومن يملك القلب الذي يجعله يدمر ويزيل القبور الأثرية التي تعود إلى الآلاف السنين والتي هي جزء من التراث العالمي ليبني عليها المساكن

    • زائر 4 | 1:56 ص

      ما عليك من حرحوش

      انت ويش امطلعنك يا حرحوش؟ امسوي روحك سيبوبه بعد. خارطة وخريطة كلتاهما كلمة عربية، فلا تقعد تتفلسف وتسوي روحك علامة زمانك. المهم ان تفهم المقصود،، والعاقل ما يجادل في المرادفات، لأنه سيضيع الفكرة الرئيسية التي يراد توصيلها. وتذكر: "هلك المتنطعون".

    • زائر 3 | 12:12 ص

      اغنيه جديده( سؤال)

      من المغنى و من الشاعر و من الموسيقار ومن الملحن ؟و الأغنيه بعنوان ___ ماذا جرى ماذا جرى ؟؟؟؟؟؟ انقلب العصفور انقلب العصفور الى بب بب بب غاءءءءءءءء.

    • حرحوش | 10:18 م

      jتصحيح لغوي

      أشكرك جزيل الشكر على ما تكتبه من أعمدة تخص التراث البحريني المهدور ، ولكن اسمح لي أن أتطفل عليك بتصحيح مفردة الخارطة والتي لو بحثت عنها في المعجم اللغوي فلن تجدها وفق المعنى الذي سقته في النص، ولكن الصحيح هو خريطة.
      بارك الله في جهوزدكم ووفقكم لما يحب ويرضى.

    • زائر 2 | 10:00 م

      بهلول

      سؤال برىء للوزيرة :
      لماذا لهجة المسلسلات و التمثيليات والمسرحيات في الإذاعة و التلفزيون ذات طابع واحد ؟ بل وحتى البرامج والتحقبقات والأخبار تكتسي بنفس النفس الطائفي ! هذه حقيقة لا تقبل النكران و لا حتى النقاش مهما حاول البعض التبرير أو الإستشهاد بفلان هنا و فلتانة هناك.
      عل هناك شىء بهذا الخصوص في دستور البلد ؟ أو دستور الوزارة ؟ أم أن هناك دستور آخر خفي لديكم ؟ وسامحونا ، لكن خلونا نفتح الجروح و نعالجها أحسن.

    • زائر 1 | 9:24 م

      ما حك جلدك مثل ظفرك

      تقول العرب "ما حك جلدك مثل ظفرك فتولى في الدنيا جميع امرك" أنا اؤمن اننا علينا أن نحيي تراثنا لا الدولة او وزارة الثقافة فاهمية التراث الشعبي هو انه وليد حركة الناس اليومية وسعيهم في الارض و ليس التراث المصطنع الذي تراعه الدولة. لذا أرى أن نقوم نحن بمبادرة جمع المال و تشكيل هيئات تراثية شعبية ترعى تراثنا، فوزارة الثقافة مشغولة بالدعاية و الاعلام

اقرأ ايضاً