العدد 2841 - الأربعاء 16 يونيو 2010م الموافق 03 رجب 1431هـ

مجلس التعليم العالي يغرد من على كوكب آخر!

عيسى جاسم سيّار comments [at] alwasatnews.com

بعد أن هدأت النفوس بعض الشيء وولى عن وجه عدد كبير من أبنائنا الطلبة وأهاليهم اليأس والعبوس، وددت وبتحليل معمق وكأحد المهتمين بقضايا التنمية البشرية أن أطرح على الرأي العام البحريني حقائق مهمة عن أسباب إشكالية العلاقة بين مجلس التعليم العالي والتعليم العالي الخاص والتي بدأت منذ نحو العام ومازالت فصولها مستمرة حتى كتابة هذا المقال، لعل وعسى أن تصل الرسائل واضحة لا لبس فيها لمن يعنيه الأمر؟


الحقيقة الأولى:

لقد أثبت مجلس التعليم العالي وبما لا يدع مجالاً للشك من خلال تأخره ومماطلته في اعتماد شهادات الطلبة المتضررين من الإشكالية التي نشأت بين المجلس والجامعات الخاصة بأنه يغرد على كوكب آخر!، حيث تبين للقاصي والداني بأن المجلس وضع نفسه في وضع لا يحسد عليه عندما تداعت عليه السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والطلبة المتضررون وأهاليهم واكتشف الجميع بمن فيهم المراقبون والمهتمون بالشأن العام بأن المجلس يعالج إشكالية التعليم العالي بكثير من التخبط والعشوائية وبعيداً كل البعد عن المهنية!، وسوف أقدم فيما يلي البراهين وبشكل تحليلي حول تلك السياسات والقرارات والإجراءات العشوائية وغير المنطقية التي قام بها المجلس خلال الأشهر العشرة الماضية.

إن الإصلاح كما يعلم الجميع هو التقييم والتمكين ثم المحاسبة وهذا بالفعل ما قامت به هيئة ضمان جودة التعليم والتدريب عندما قامت بتقييم أداء الجامعات الخاصة وأرسلت لهم التقرير التقييمي بتاريخ 18/ يونيو/ حزيران 2010 ومنحت الجامعات المجال لمدة شهر واحد للرد على ملاحظات الهيئة كما منحت الهيئة الجامعات فترة سنة واحدة لتوفيق أوضاعها وفقاً للتوصيات الواردة في تقريرها التقييمي إلا أن مجلس التعليم العالي فاجأ الجامعات الخاصة بقرارات سريعة ومتخبطة وعقوبات بدأت في بداية شهر يوليو/ تموز 2009، مستغلاً أسوأ الاستغلال التقرير التقييمي الصادر عن هيئة ضمان جودة التعليم والتدريب والذي أوصى الجامعات الخاصة بإحداث تغييرات جذرية في جميع المجالات الإدارية والأكاديمية واللوجستية... الخ وبالتالي نكث مجلس التعليم العالي بوعده للجامعات الخاصة والقاضي بمنحهم مهلة تسعة أشهر التي أعطاها إياها لتوفيق أوضاعها انتهت نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2009 وأخذ يكيل التهم للجامعات الخاصة ويصدر بحقها العقوبات تلو العقوبات وفوق كل هذا وذاك استغل المجلس الصحافة المحلية بشكل سيئ، حيث وصلت تصريحات بعض التنفيذيين في الأمانة العامة لمجلس التعليم العالي إلى درجة الإسفاف والسقوط عندما قاموا بالتشهير العلني وعبر الصحافة المحلية في سابقة خطيرة ببعض الجامعات الخاصة وبعض الشخصيات التنفيذية العاملة بها... وكان حري بمجلس التعليم العالي أن يدعو الجامعات الخاصة إلى حوار بناء ورصين يتم فيه مناقشة التقارير الصادرة عن هيئة ضمان الجودة من أجل تمكين وتطوير الجامعات لكي تواكب المستويات العالمية، فالجامعات الخاصة البحرينية هي جزء من المنظومة المؤسسية التعليمية في مملكة البحرين وهي لم تنزل إلينا من كوكب آخر، كما أنها ليست عدواً حتى يفتخر بعض القائمين على التعليم العالي بالتصريح في الصحافة بأنه يواصل معركته ضد الجامعات الخاصة. إن تطويرها وتمكينها هي أحد أهم أهداف مشروع إصلاح التعليم العالي ولكن أن يتم محاصرتها وعقابها والتشهير بها واستخدام أسلوب التهديد والوعيد فإن ذلك لا يمت للإصلاح بصلة. وعلينا أن نتذكر دائماً بأن هذه الجامعات هي الابنة الشرعية للنظام التعليمي في مملكة البحرين، فهو من أوجدها وكانت تعمل تحت مظلته منذ الترخيص للجامعات الخاصة في 2004.


الحقيقة الثانية:

إنه وبعد مضي أكثر من شهرين ونصف على توجيهات رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة لتوفيق إشكاليات الشهادات أكاديمياً واستثنائياً وبالرغم من أن المحامي العام في البحرين قد أوضح في بيانه الذي أصدره بتاريخ 1/ فبراير/ شباط 2010 بأن 30 شهادة من أصل 334 شهادة حولها مجلس التعليم العالي للنيابة العامة لوجود تزوير فيها لا تحمل أية شبهة جنائية بالرغم من ادعاء مجلس التعليم العالي بأن الشئون القانونية بوزارة التربية والتعليم قد أكدت بأن تلك الشهادات بها شبهة التزوير!، وبالرغم من تدخل عدد من النواب مؤخراً بعد اكتشافهم للقرارات والإجراءات المتخبطة التي ينفذها مجلس أعضاء التعليم العالي بحق بعض الجامعات الخاصة، حيث صرح النائب إبراهيم بوصندل للصحف المحلية بأنه توجد شبه للشخصنة والكيل بمكيالين في ممارسات وسلوكيات وقرارات مجلس التعليم العالي!... وبالرغم من المناشدة المستمرة للطلبة وأولياء أمورهم للسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية لمجلس التعليم العالي بسرعة إنهاء هذه الإشكالية، وبالرغم من توجيهات رئيس الوزراء الصريحة لمجلس التعليم العالي والتي وجهها سموه بتاريخ 4/ أبريل/ نيسان 2010 وأخيراً وليس آخراً توجيهات سموه لمجلس التعليم العالي وللمرة الثالثة في 24 مايو/ أيار 2010بتسريع التصديق على شهادات الطلبة المتضررين والمستوفية للشروط الأكاديمية وبالرغم وبالرغم وبالرغم... إلا أن مجلس التعليم العالي أثبت للجميع ومن خلال قرارات وتصريحات متخبطة وأحياناً عشوائية أو غير منطقية بأنه في وادٍ والمجتمع البحريني في وادٍ آخر...

فقد طالعنا مجلس التعليم العالي وقبل التصديق على الشهادات بأيام في إحدى الصحف المحلية بتصريح مفاده بأنه ليس وارداً لديهم اعتماد شهادات الطلبة المتضررين لولا الإرادة السامية لسمو رئيس الوزراء!، وأنه ما معناه اضطر المجلس مكرهاً لاعتمادها بحجة أنها لم تستوف الشروط المطلوبة حسب رأي مجلس التعليم العالي.

لقد اتضح للرأي العام البحريني بأن عدد من أعضاء مجلس التعليم العالي وبعض مسئولي الأمانة العامة قد ساهموا بقصد أو من غير قصد بزيادة التأجيج والاحتقان وإلحاق أكبر ضرر بالتعليم العالي وضحية هذه القرارات والإجراءات غير المدروسة بالطبع سمعة التعليم العالي في المملكة والإضرار بأبنائنا الطلبة، حيث يستخدم المجلس ذريعة المحافظة على جودة مدخلات ومخرجات التعليم ومصلحة العملية التعليمية ومصلحة الطلبة... إلخ.

لقد ثبت للرأي العام البحريني بأن عدداً من أعضاء هذا المجلس وبعض مسئولي الأمانة العامة يضعون أنفسهم في برج عاجي ويعتقد هؤلاء بأنهم فلاسفة وفقهاء التعليم العالي ولا يستطيع أحد أن يجادلهم في قضايا المستويات والمعايير والجودة والمدخلات والمخرجات... إلخ.


الحقيقة الثالثة:

والتي نوردها حول قرارات مجلس التعليم العالي غير المبررة هي أنه وبعد المماطلة والسياسات الضبابية التي اتبعها مجلس التعليم العالي تجاه التصديق على الشهادات وبعد أن ذاق أبناؤنا الطلبة وأهاليهم شتى ألوان الذل والعذاب جاءت الطامة الكبرى عندما صدق مجلس التعليم العالي على شهادات الطلبة المتضررين، حيث أبى هذا المجلس إلا أن يجعل فرحة المجتمع البحريني ناقصة، حيث وضع في إفادة التخرج العبارة التالية: «تصدق الأمانة العامة لمجلس التعليم العالي على الشهادة بشكل استثنائي». وأود أن أوجه هنا كلاماً مباشراً إلى سعادة رئيس مجلس التعليم العالي والذي هو في نفس الوقت رئيس مجلس أمناء جامعة البحرين.. ووزيراً للتربية والتعليم، أين تشريعاتكم ولوائحكم ومعاييركم لتطوير مدخلات ومخرجات التعليم العالي منذ 2004 وقبل بداية الإشكالية منتصف 2009 عندما بدأتم وفي ارتجالية تشترطون وتعاقبون وتتوعدون، أينكم طيلة السنوات الخمس الماضية؟

الواقع ليس تصديقكم على الشهادات كان استثنائياً بل سياسات وقرارات مجلسكم هي الاستثنائية!، حيث يجب إعادة النظر بشكل جدي في تشكيلة هذا المجلس، فهل من الشفافية بمكان في أن يكون وزير التربية والتعليم هو رئيس مجلس التعليم العالي وهو في نفس الوقت رئيس مجلس أمناء جامعة البحرين الحكومية؟ وهل من الشفافية بمكان أن يكون اثنان من رؤساء الجامعات الخاصة وحتى وقت قريب! عضوين في مجلس التعليم العالي بدون أن ترشحهما الجامعات لعضوية المجلس؟

أين تلك الشفافية التي تتكلمون عنها؟ هل هذا يجوز في بلد يتبنى ويطبق مشروع إصلاح التعليم منذ خمس سنوات؟

وهنا أوجه مخلصاً تساؤلاً واحداً لا غيره إلى مجلس التعليم العالي وأتمنى أن يمتلك رئيس المجلس أو أعضاؤه أو أمينه العام الشجاعة الكافية للرد عليه! وهو من المتسبب في إشكاليات التعليم العالي؟ ألم يكن التعليم العالي منذ بدايات العام 2004 تحت رقابة ووصاية ورعاية وزارة التربية والتعليم قبل إصدار التشريعات الخاصة بالتعليم العالي العام 2007 وإنشاء مجلس التعليم العالي في نفس العام؟ أين مجلس التعليم العالي منذ إنشائه عما يحدث في الجامعات الخاصة؟ هل التعليم العالي الخاص هو انفجار بركان حدث فجأة لم يتوقعه أحد ولم يحسب حساب أحد كما حدث في بركان آيسلندا؟! هل كانت الجامعات الخاصة تشتغل على كوكب المشتري ثم هبط بها مكوك مجلس التعليم العالي على الأرض وأخذ بعد ذلك يطبق عليها معايير ومستويات الجودة؟!

أنا أعتقد جازماً ويشاركني الكثير من فئات المجتمع البحريني بأن مجلس التعليم العالي بسياساته المتخبطة والعشوائية وغير المدروسة قد ألحق الكثير من الضرر بسمعة التعليم العالي بشكل عام ويحتاج الأمر إلى سنين كثيرة لكي يتم استرجاع تلك السمعة الطيبة، فالبحرين هي منبع التعليم في المنطقة وهي مصدر التعليم النظامي الذي تزود به أهالي الخليج في حين إنه لم تكن توجد مدارس في الدول الخليجية.

إن ما قام به مجلس التعليم العالي من تشهير، بل وصل إلى السب والقذف للتعليم العالي الخاص واتهامه الكثيرين بالتزوير دون دليل قاطع يعد سابقة خطيرة في البحرين، تصوروا لو أن صاحب دكان ارتكب مخالفة أو قام بالغش في بيعه لا يذكر حتى اسمه في الصحف!

وإذا كان مجلس التعليم العالي يتعلل بالشفافية والنزاهة، فالمجتمع البحريني بالكامل يطالب الوزير بأن يوضح للشعب البحريني من المسئول عن المدارس الحكومية التي حصلت على تقرير غير مرضٍ؟! وكيف تتم محاسبة ومعاقبة المسئول عن تدني الأداء والمخالفات في تلك المدارس؟! ولماذا لم يعرض وزير التربية والتعليم وبصفته رئيس مجلس أمناء جامعة البحرين على الملأ نتيجة التقرير التقييمي الذي توصلت إليه هيئة ضمان جودة التعليم والتدريب بشأن جامعة البحرين؟! وهنا لدينا تساؤلات ألا وهي لماذا يكلف وزير التربية والتعليم برئاسة مجلس التعليم العالي ورئاسة مجلس أمناء جامعة البحرين... أليس هذا تضارب في المصالح وتدني في مستوى الشفافية؟! يتناقض مع أبسط مبادئ الإصلاح؟

إن الجامعات الخاصة وبالرغم من التجاوزات والأخطاء التي ارتكبتها في ظل غياب التشريع واللوائح التي تنظم عملها والجهاز المتخصص الذي يشرف عليها وهذا لا ذنب لها فيه، تعتبر مؤسسات تعليمية رائدة، حيث أسست للتعليم الخاص في مملكة البحرين وخرجت الكثير من الكوادر وسدت فراغاً كبيراً وفتحت آفاقاً واسعة للدراسة والتي كانت في تلك الفترة المقتصرة على جامعة البحرين، إنه كان ينبغي من القائمين على التعليم العالي في البحرين تقييم وتمكين وتقدير الجامعات الخاصة باعتبارها رائدة وقامت بجهود وطنية لا أن يتم ضربها من تحت الحزام، وهنا ينطبق على الجامعات الخاصة قصة «جزاء سنمار»، وسنمار هو المهندس المعماري الذي بنى قصراً لأحد الملوك ثم قام الملك برميه من أعلى القصر.

لذا، ومن هذا المنطلق وإذا أردنا أن نحقق إصلاحاً حقيقياً للتعليم العالي أدعو مخلصاً السلطة التنفيذية متمثلة في الحكومة ومجلس التنمية الاقتصادية والسلطة التشريعية، الدعوة إلى حوار دائرة مستديرة تمثل فيه جميع الأطراف المعنية بالتعليم العالي لمناقشة بند واحد وهو واقع ومستقبل التعليم العالي في مملكة البحرين وذلك من أجل التقييم الموضوعي للواقع من أجل ووضع خطط لتطويره والرقي به للمستويات العالمية بدلاً من القرارات والإجراءات العقابية وسياسات التشهير التي ينتهجها مجلس التعليم العالي ضد بعض الجامعات الخاصة، كما أطالب بتشكيل لجنة تحقيق محايدة ومستقلة يتم تشكيلها بشكل مشترك من قبل السلطة التنفيذية والتشريعية تقوم بالتحقيق في السياسات والقرارات والإجراءات المتخبطة والعشوائية التي اتخذها مجلس التعليم العالي خلال الـ 11 شهراً الماضية... فمن يرفع الشراع!؟

إقرأ أيضا لـ "عيسى جاسم سيّار"

العدد 2841 - الأربعاء 16 يونيو 2010م الموافق 03 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:21 ص

      مجلس التعليم العالي يغرد من على كوكب آخر

      كل الشكر للأستاذ عيسى سيار، للأمانه والحقيقة يبدو بأن مسؤولينا بعيدين كل البعد عن هموم الخريجين والتفرد بالقرار أصبح أحد الصفات الرئيسيه لديهم ولن يستمعوا الى آهاتك حتى لو ذرفت الدموع دم، فهذا يصدر قرار إقتصاص مبلغ عشرة دنانير لسوق العمل وهذا يستقطع واحد بالمائة للعاطلين عن العمل وهذا يوقف الشهادات الجامعيه وبعدها لا ندري ماذا يحيك لنا هؤلاء البعيدين والغير مستمعين لآهاتنا. بالتأكيد هناك حياكة قاصمة للظهر؟؟

    • زائر 2 | 1:05 ص

      موضوع في الصميم

      مشكور على الموضوع.

    • زائر 1 | 12:54 ص

      شكرا شكرا جزيلا

      الحين برد قلبي بكل فخر واعتزاز اقدر هذا الدور واقول الدور الجرئ للسيد عيسى سيار على هذا النقد الكبير لمجلس التعليم العالي كون ان الموضوع اصاب الحقيقة المرة اتي كنا نتمنى احد من المثقفين ان يتناول الموضوع بشفافية وينصف هؤلاء الطلبة والجامعات الخاصة ، وبصريح العبارة هل قارنا طلبة الجامعات الخاصة بطلبة جامعة البحرين
      لنجعل جامعة البحرين عليها تاج سليمان والجامعات الخاصة مجردة من كل العقول ، ما يقوم به كثير من طلبة الجامعات الخاصة لايقل عن مايقوم به طلبة الجامعات الاخرى والمحك في ميدان العمل

اقرأ ايضاً