منذ انطلاقتها في منتصف العقد الأول في القرن الحادي والعشرين، أثارت مواقع التشبيك الاجتماعي (Social Networking) الكثير من الجدل بشأن مصير المعلومات التي بحوزتها، نظراً، كما يقول أحد محرري موقع (سي إن إن) العربي يوسف رفايعة، للنجاح المنقطع النظير الذي حققته «في جذب المزيد من المستخدمين حول العالم، (إلى جانب) الإقبال المتزايد في العالم العربي خلال العامين الأخيرين فقط». المسألة التي يتمحور حولها الجديد، كما يقول نافعة أيضاً، مصدرها «الشكوك حول انتماءات الموقع ودوافعه، خاصة بعد الجدل الذي أثارته مؤخراً مسألة البيانات الخصوصية على الموقع، ودرجة سريتها».
ولكي نقدر أهمية هذا الموضوع، نستعين بمجموعة من الأرقام التي يتحدث فيها عن نفسه، أهم موقع من مواقع التشبيك الاجتماعي تلك، وهو فيسبوك (Face Book)، حيث يؤم الموقع نحو 400 مليون مستخدم نشط، تصل نسبة من يزورون الموقع بشكل تلقائي خلال أيام الأسبوع إلى 50 في المئة منهم، ولكل منهم، نحو 130
صديقاً، يمضون ما يزيد على 500 مليار دقيقة في الشهر متجولين بين صفحات الموقع ومستفيدين من الخدمات التي يقدمها. فوق ذلك هناك نحو 160 مليون (صفحات وجماعات ووقائع ) من المكونات التي يتفاعل معها الزوار بشكل مستمر، يقوم كل واحد منهم بخلق جل ما معدله 70 وحدة من المحتوى شهرياً. إلى جانب ذلك هناك نحو 25 مليار وحدة من المحتوى (وصلات على شبكة الإنترنت، أخبار، مدونات، ألبومات صور ...إلخ) كل شهر، تتوزع على نحو 70 لغة. كما يقطن 70 في المئة من الزوار خارج الولايات المتحدة الأميركية، ويشارك في إنجاز ما نراه على منصة فيسبوك. ويوجد أكثر من 100 مليون مستخدم للفيس بوك على اتصال مستمر مع مواقع خارجية كل شهر. على مستوى الحركية، يوجد هناك أكثر من 200 من شركات الاتصالات التي تقدم خدمات الهاتف الجوال، تعمل في 60 بلداً من أجل نشر وتعزيز خدماتها بالاستفادة من خدمات الفيسبوك.
السؤال الذي يثار بشأن المعلومات على تلك المواقع، هو: أين بوسعنا رسم الخط الفاصل بين ما هو خصوصي وبين ما هو عام وبوسع الجميع أن يطلع عليه؟ فقد وصل الأمر بأن بث معلومات على موقع مثل تويتر (twitter)، وهو أقل اكتظاظاً من فيسبوك كان ثمنه، فقدان شخص فرصة للعمل. هذا ما كشفت عنه دراسة قامت بها مجموعة من الباحثين ونشرها موقع «سي إن إن» العربي حيث كتب «أحد الأشخاص الذين حاولوا التقدم للعمل في شركة (سيسكو) للإلكترونيات، على تويتر، قائلاً، لقد عرضت عليّ شركة سيسكو وظيفة... والآن عليّ أن أوازن بين ما يمكن أن أفعله براتب كبير مقابل العذاب اليومي الذي سأعاني منه وخصوصاً أنني أكره هذا العمل، ورد عليه أحد مدراء الشركات المتعاملة مع (سيسكو) ونبهها إلى ما صنعه طالب الوظيفة، مما أدى إلى فقدانه فرصة العمل».
وتتصاعد التكهنات حول مدى خطورة تسرب المعلومات، حيث تحذر بعض الدراسات من قدرة بعض شركات الإعلان على معرفة الكثير من المعلومات، عندما يجري النقر على إعلاناتها من خلال قنوات تلك المواقع، وبالتالي قدرتها على الاستفادة من تلك المعلومات في حملاتها الإعلانية، أو في تزويد الشركات بمعلومات يبحثون عنها عن أولئك الأفراد.
هذا ما تثيره تلك المواقع من جدل على الصعيد المهني، لكن هناك أيضاً البعد الاجتماعي، إذ تتضارب الدراسات بشأن تأثير تلك المواقع على سلوك الأطفال، فبينما يذهب البعض منها إلى التحذير من أن «الاستعمال المفرط للمواقع الاجتماعية من قبل الأطفال قد يؤدي إلى حصول أضرار في علاقة الأطفال بمحيطهم الاجتماعي، بالإضافة لبعض المخاطر الصحية»، هناك مجموعة أخرى تؤكد بأن «معظم الدراسات والبحوث التي أجريت في هذا المجال، تشير إلى استخدام معقول من قبل الأطفال، وتحت إشراف الوالدين».
ما ينبغي التوقف عنده هنا هو مدى قدرة منصات تلك المواقع على حماية المعلومات التي بحوزتها، وضمان وصولها فقط إلى من يحتاجها، ولأغراض نبيلة. أي ما مدى قدرة التقنيات المستخدمة، في منع تسلل زائر معين وحصوله على معلومات ليست من حقه الوصول لها؟ ما يدفعنا إلى رفع مثل هذاه التساؤلات، هو ما كشفت عنه بعض تقارير رصد تلك المواقع عن «تسرب بيانات شخصية إلى المعلنين دون معرفة المستخدمين أو موافقتهم».
حيث نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تقريراً مفصلاً حول نمط من تلك البيانات المسرّبة تضمّنت «أسماء وهويات المستخدمين، وغيرها من المعلومات لتمكين الشركات الإعلانية، من تحديد السمات المميزة للمستخدم».
ولم ينكر مؤسس الموقع والرئيس التنفيذي للشركة التي تملكه مارك زوكربيرغ ذلك بل اعترف في رسالة علنية بارتكاب الموقع مجموعة من الأخطاء، التي «يأمل في نهاية الأمر أن ينجح في تقدم خدمة أفضل... وأن يفهم الناس أن لدينا نوايا حسنة، وأننا نستجيب لردود فعل الناس واقتراحاتهم».
وقد عدل «فيسبوك» بناء على الملاحظات التي تلقاها، وكما يقول زوكربيرغ «سياسة الخصوصية في الموقع بشكل مستمر منذ انطلاقه». لكن تلك التحسينات، وكما نشرت بعض المواقع كانت سبباً في إضافة «المزيد من المعلومات عن المستخدمين، ما أثار عاصفة من الانتقادات الحادة والشكاوى».
وتطغى الرغبة في الاستفادة من تلك الخدمات التي توفرها تلك المواقع، والمعلومات تنشرها، على الخوف من سوء استخدامها من طرف الآخرين، فهذا هو السلوك الإنساني الذي لا يملك إلا أن يركب سفن المخاطرة، فهي السبيل الوحيد لضمان صيرورة تقدم البشرية التي نصرُّ على التمسك به، دون أن يعني ذلك التضحية بالعمل من أجل الدفاع عن سرية المعلومات، لأن ثمن الكشف السيئ عنها باهظ جداً
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2834 - الأربعاء 09 يونيو 2010م الموافق 26 جمادى الآخرة 1431هـ