العدد 2824 - الأحد 30 مايو 2010م الموافق 16 جمادى الآخرة 1431هـ

حديث الصراع بين الجهات الدينية (1)

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

لا أخفي عليك عزيزي القارئ حيرتي الكبيرة وترددي الشديد وأنا أبدأ الكتابة في هذا الموضوع، الذي لا يريحني كثيراً بل يستوقفني عن المضي في كل مفرداته وجمله، إنني أجد الكابح عن المواصلة قوياً في نفسي، كما أجد الدافع كذلك، بيد أن التثبيط هنا أقوى من المشجعات التي كنت أدفئ بها نفسي إذا ما بردت وتوانت عن المواصلة.

ما كنت أسمعه منذ صغري أن سبب الصراع بين هذا الطرف المتدين أو ذاك هو الواجب الشرعي الذي ينطلق منه أحدهما أو كلاهما ضد الآخر، لكن يبدو لي أنه ستار لأسباب بعضها وسخة وقدرة في صراع المتدينين مع بعضهم، فهل من المناسب أن تبحث تلك الأسباب؟ أم أن السكوت عنها أجدى وأسلم؟

إنني أرى نفسي بين خيارين لا ثالث لهما:

الأول هو خيار الصمت والتستر وإبقاء المسكوت عنه في طي الكتمان، والثاني هو خيار الجهر والإعلان وإظهار المسكوت عنه إلى السطح كي يبحث ويأخذ حقه من البحث والإنضاج.

إن ما يساعد ويؤكد الحيرة في نفسي، هو توجسي من المجتمع كأفراد سيماهم الصلاح والتقوى، والتدين والورع كيف سيتعاطون مع صراحة ونقد يمس الصميم والأعماق والمسلمات التي أنسها العرف الاجتماعي، أما الأمر الآخر الذي ما استتر عن الملاحظة فهو القوى العاملة والنشطة في الساحة، من كيانات وكتل وتجمعات متمايزة - وإن لم يكن لها مسميات تشير إليها - وشخصيات متنفذة ومحترمة في الوسط الاجتماعي، ألا ترى هذه القوى أن الحديث في شأن المتدينين فيه بعض الجرأة والخدش والمساس بأمور محظورة؟

بيد أن ما كان يسليني ويخفف حيرتي هو أن الأمر مهما كبر في نفوس المؤمنين، فلن يتعدى قول الإمام علي (ع) «ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه، ولا تظننَّ بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير سبيلاً».

وحتى تشاركني التفكير في حيرتي وما عزمت عليه، أحببت أن أعرض لك الخيارين السابقين ببعض التفصيل غير الممل والذي أرجو أن تكون فيه بعض الفائدة، والغرض من ذلك أن تشد على يدي إن كنت توافقني الرأي، وأن لا تبخل بإرشادي ونصحي إن كنت جانبت الصواب أو أضعت الجادة.

الخيار الأول: خيار الصمت والتستر

ولهذا الخيار بعض المزايا التي يجب أن تكون نصب العين لأهميتها:

(1) إبقاء حالة القداسة على المتدينين، فأمام الإعلام المنظم والمكثف للنيل من مكانة المتدينين وتشويههم، وتحويلهم إلى قتلة ومجرمين وإرهابيين في نظر المجتمع، وهو ما دأبت عليه وسائل كافة، ستكون الكتابة في هذا الموضوع والإجابات الصريحة على التساؤلات التي يكتنفها، مساهمة مجانية يقدمها المتدينون للإضرار بسمعتهم ومكانتهم.

(2) إن الحديث عن حالات الصراع بين المتدينين، يزيد من تضخيم هذه الحالة، وتسليط الضوء عليها، الأمر الذي ربما يعكس رد فعل اجتماعي تجاه المتدينين، ويتسبب في نفور المجتمع عن كل ما يمتّ لهم بصلة من عمل أو نشاط أو مساهمة، مما يزيد في عزلة المتدينين الاجتماعية، وهذه خسارة للمجتمع، وضياع لأجياله.

(3) إشاعة الفاحشة، فإذا كان الصراع بين المتدينين خطأ وزلة، فإن الحديث العلني عنه لربما كان من إشاعة الفاحشة في المجتمع المتدين وهو أمر مبغوض ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)

-عن هذا الخيار-

(1) إن التصور الآنف الذكر قد يزيد من الأنس في نفوسنا، ويريح شد الأعصاب الذي يعيشه المجتمع جراء صراعاته، ويهدئ من الروع قليلاً باعتباره يحمل اعترافاً ضمنياً مبطناً أن المجتمع لايزال بخير وأخلاق عالية وورع شديد.

(2) الانسياق مع رغبة المجتمع، وعدم جرح كبريائه وشموخه.

(3) يبعد المجيب أو الكاتب عن أغلب ردود الفعل المحتملة، جراء ما ربما يتصور أنه نيل من كرامة المجتمع أو تجرؤ على مقدساته.

وسيأتي الحديث عن الخيار الآخر

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 2824 - الأحد 30 مايو 2010م الموافق 16 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 1:43 ص

      لابد من وقفة جريئة!

      فعلا ان الاختلاف بين المتدينين وخاصة (العلماء) له آثار جداً كبيرة على المجتمع، الاختلاف العادي لابد منه وهو وارد أما اذا تحول الى صراع كما أشرت الى ذلك يا شيخنا فانه يتحول الى كارثة، واذا انتهج المجتمع منهج الصمت والتستر على ذلك ربما يتفاقم الصراع فلابد اذن من وقفة جدية وجريئة لهذا الموضوع...... وشكر لشيخنا الجليل على الطرح الجريء.......

    • زائر 5 | 1:35 ص

      إبراهيم الجنوساني تتمه

      الحل في الرجوع الى النصوص الشريفة وما صح منهاوليس التعويل في مثل هذه الصراعات على إجتهادات تراعي من خلالها مصالح حزبية ,, الحل في الوعي بمجريات الامور وهذا يحتاج لثقافة يتحصن بها الفرد بكل أستقلالية ولا ينكب على ثقافة وآحدة وكما يقول الفلاسفة الذي اردل من الجهل هو الجمود على ثقافة وآحدة والمشكلة في مثل هذا الامر هي بغياب القراءة والاطلاع ومحاولة محاكمة كل مايقرا ويسمع فالأنسان عبارة عن قوة مفكرة ولاكن المشكلة في مدى استخدام القوة المفكرة لديه من وكما يقال الانسان عبارة عن تراكم تاريخي وخبرة

    • زائر 4 | 1:26 ص

      إبراهيم الجنوساني ..تتمه

      ولو نظرنا بصورة مجملة لواقع حركات الأسلام السياسي بالأخص مثال فجلها قائمة على خطابات تعبر عن وجدان المسحوقيين معيشيين ولا تتعدى التوصيف لمعانتهم ومن خلال بريق الكلام وقوة الخطاب يلتف الجمهور اكثر حول من يخطب ويحاجج اكثر وهذا في حدود المعقول وفي حدود المقبول ولكن المشكلة تكمن في الاستبداد الفكري وامتلك الحقيقة المطلقة والفهم الشمولي الاوحد الذي يغلب على جل التيارات الأسلامية , طبيعة التيارات المتدينة قائمة على أمور فكرية ومن خلالها صاغت هذه التيارات مناهجها وقامت على التقوقع الفكري في حدود رموزها

    • زائر 3 | 1:25 ص

      الدين اخلأق

      قال الرسول(ص) انما بعثت لأتمم مكارم الأخلأق

    • زائر 2 | 1:16 ص

      إبراهيم الجنوساني

      شكرا على هذه الاثارة , لو نظرنا لطبيعة هذه الظاهرة التي تطغى على كل المجتمعات المتدينة على وجه البسيطة في جميع الديانات سماوية كانت او ارضيه وحينما نلامس واقعنا العربي من هذه المشكلة فالتيارات الدينية المتضاربة قائمة في حربها وفرض منهجها وأفكارها وفي حالات نشر أستبدادها تمرر غايتها باسم التكليف الشرعي واحتكارية فهم الدين والاجتهاد الاوحد الشمولي والانكى من ذلك هو التغلغل لكسب تعاطف الطبقة المسحقوقة الى ادبيات احزابهم من خلال العزف على وتر معاناتهم التعبير عن وجدانهم المعيشي وهذه هي الاسلحة ..

    • زائر 1 | 9:47 م

      بارك الله فيك

      الصراع بين الجهات و الأطراف الدينية مستشري و في ازدياد مما يؤثر سلبا على المجتمع الإسلامي و أنا أشد على يديك و أتمنى منك الإستمرار على هذا النهج .

اقرأ ايضاً