العدد 2824 - الأحد 30 مايو 2010م الموافق 16 جمادى الآخرة 1431هـ

في انتظار انطلاقة التيار الوطني الديمقراطي (1-3)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

منذ تدشين المشروع الإصلاحي تطلع قطاع يشغل نسبة لا بأس بها من الشارع السياسي البحريني إلى بروز تيار وطني ديمقراطي يعبر عن طموحاته، ويميز برامجه عن القوى السياسية الأخرى. ويشكل الرافعة السياسية التاريخية التي بوسعها أن تنتشل هذا المجتمع، من خلال عملية تطويرية سلمية، من موروثات «قانون أمن الدولة»، إلى آفاق المشروع الإصلاحي الرحبة. وعلى امتداد السنوات العشر الماضية برزت بعض المحاولات الفردية والجماعية، آلت نسبة عالية من عضويتها إلى الجمعيات الثلاث: «وعد»، و»المنبر التقدمي»، و»التجمع القومي»، التي شكلت، في نهاية المطاف، وككتلة سياسية القوة الرئيسية المنظمة نسبياً في ذلك التيار. لكنها، وللأسف الشديد، لم تتمكن من التحول إلى «نوتة المركزية»، ومن ثم امتلاك القدرة على قيادته أو استقطاب رموزه السياسية الأساسية غير المنظمة لأسباب كثيرة، موضوعية وذاتية من بين أهمها وأكثرها تأثيراً:

1. استمرار السلطة في حربها على التيار الوطني الديمقراطي، فمهما قيل عن معارك السلطة التنفيذية مع التيارات السياسية الأخرى، تصر تلك السلطة على استمرار معاداتها لهذا التيار. يمكن تلمس ذلك في «المنغصات»، السياسية التي لا تتوقف عنها السلطة ضده، والتي تعبر عن نفسها أحياناً في تعطيل أنشطة منظماته المدنية، أو زجّه في معارك ثانوية تستنزف قواه، وتجرّها قسراً، نحو معارك هامشية، بدلاً من تركيزها على المعارك الرئيسية.

2. عدم ثقة ذلك التيار في نفسه، وشعوره بصغر الحجم مقارنة مع التيارات الأخرى، سلطوية كانت أم معارضة، الأمر الذي يقزم من سلوكه، ويضعه في مؤخرة المسيرة بدلاً من قيادتها. بل يبدو الأمر أسوأ من ذلك، حينما تقطف تيارات أخرى ثمار الجهود التي يبذلها ذلك التيار. والحديث هنا عن مسار تاريخي، وليس إلى حوادث متفرقة هنا أو هناك، أو مرحلة زمنية قصيرة.

3. تخثر تبعات العلاقات التاريخية بين فصائله، وتحولها إلى كتل من العقد السياسية التي لاتزال تحكم العلاقات القائمة بينها حتى يومنا هذا، والتي تمارس أدواراً سلبية ذات أوجه متعددة، تحدّ من انطلاقة ذلك التيار، وتعزز عوامل التناحر، بدلاً من إبراز عناصر التنسيق، إن لم نقل التوحد، كي لا نتهم بالتفاؤل المفرط، مما ينهك قوى التيار ويرغمها على التآكل من الداخل.

تلك كانت مقدمة ضرورية للتمهيد للتوقف عند، ومناقشة ما ورد في مقابلة رئيس جمعية التجمع القومي الديمقراطي حسن العالي مع إحدى الصحف المحلية، والتي استوقفتني عندها تلك الفقرة التي أجاب فيها العالي على سؤال «إلى أين وصلت مسودة التيار الديمقراطي؟». ملخص رد العالي كان أن جمعيات التيار الوطني (المقصودة هنا: «وعد»، والمنبر التقدمي» و»التجمع القومي»)، قد أوكلت إلى «المنبر التقدمي» الذين كُلِّفوا بصياغة مسودة تأخذ بعين الاعتبار ملاحظات «جمعيات التيار»، مضيفاً، أنه «متى ما تم الانتهاء منها سيدعون (أي الجمعيات) إلى اجتماع بغية إقرار الوثيقة. ...وبعد إقرار الوثيقة التي ستنص على أن الجمعيات الثلاث هي نواة للتيار الوطني الديمقراطي، نأمل أن تتشكل آلية من بينها لتباشر الاتصال بكافة أطراف التيار الوطني الديمقراطي من جمعيات وأفراد من خارج إطار الجمعيات الثلاث وذلك للحوار معها».

في البدء هناك نقطة لابد من التأكيد عليها وهي أن معالجة موضوعة «التيار الوطني الديمقراطي» هنا، ليست بأي شكل من الأشكال رداً شخصياً على الأخ رئيس التجمع القومي الديمقراطي، الذي نكنُّ له كل التقدير وللكثير مما جاء في تلك المقابلة. لكن طالما إن مسئولية بلورة «المشروع الوطني الديمقراطي» هي مهمة وطنية، فليس هناك من مناص لأن يدلو بدلوه من يرى في بروز ذلك التيار الوسيلة الأكثر جدوى، إن لم تكن الوحيدة، التي بوسعها، أن تنتشل البحرين من حالة التسمر السياسي التي تعيشها، ومن مستنقع الطائفية التي مرّغت (بضم الميم) فيه، والتي لاتزال ذيوله السلبية تمعن في تمزيق الصف الوطني وتشتت قواه.

يثير ما جاء في مقابلة العالي، بوصف كونه أحد رموز الجمعيات الثلاث القيادية مجموعة من القضايا، الأساسية منها ذات طابع مبدئي نظري، والآخر له مكانة تكتيكية تنفيذية.

على المستوى المبدئي، بوسعنا أن نلفت النظر إلى القضايا التالية:

1. من هي الجهة الوطنية التي نصبت الجمعيات الثلاث «نواة للتيار الوطني الديمقراطي»؟ لا أحد بوسعه أن ينكر دورها الريادي، وليس من حق أحد أن ينتقص من مساهماتها الملموسة، لكن هناك فرق شاسع بين هاتين المكانتين، وبين احتلال موقع «النواة». ربما تستحق الجمعيات هذه المكانة، لكن عليها أن تتقنَّن وفق آليات ديمقراطية تشارك فيها أطراف عديدة، لعل أهمها وأكثرها أهلية هي مشاركة بعض الجمعيات الأخرى، سوية مع منظمات المجتمع المدني، بما فيها تلك المنظمات المهنية، من مستوى جمعية المهندسين، وجمعية الأطباء، بل وحتى جمعيات مثل «جمعية البحرين للإنترنت»، في الوصول إلى مثل هذا القرار.

فمن خلال إشراك منظمات المجتمع المدني تلك تساهم الجمعيات الثلاث في إرساء تقاليد ديمقراطية راسخة في بناء المجتمع المدني المتطور. إلى جانب تلك الجمعيات، هناك الشخصيات الوطنية التي تحمل فكراً سياسياً يقترب، بشكل أو بآخر من التيار الوطني الديمقراطي، هؤلاء أيضاً من حقهم أن يكون لهم صوتهم المسموع في بناء التيار الوطني الديموقراطي، ومن ثم المشاركة في تحديد «نواة» ذلك التيار.

2. إذا تجاوزنا هذه النقطة وانتقلنا إلى النقطة الثانية، وهي الوثيقة التي ستصوغها (مشكورة بتكليف من الجمعيتين الأخريين) «جمعية المنبر التقدمي» ـ وستناقشها الجمعيات الثلاث قبل عرضها على «الجسم الثاني من التيار»، والذي هو، كما ورد في مقابلة العالي، «جمعيات وأفراد من خارج إطار الجمعيات الثلاث وذلك للحوار معها حول تشكيل التيار الوطني الديمقراطي في صيغته النهائية».

بهذا العمل، وأتحاشى قدر الإمكان الحكم بقسوة على الجمعيات الثلاث، لكن أسألها، ومن باب الحرص عليها من ارتكاب أي خطأ يشوّه صورتها في أذهان جماهيرها، ما الذي يميزكم عن السلطة التي تنفرد بصياغة القوانين، دون استشارة القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني ذات العلاقة؟ بهذه الممارسة، وبوعي أو بدون وعي، نصبت الجمعيات الثلاث نفسها فوق كل من هو خارج إطار تلك الجمعيات.

بهذا المدخل، تكون الجمعيات الثلاث، بوعي أو بدون وعي زرعت طبقية غير مبررة وليست ذات جدوى في صفوف التيار الوطني الديمقراطي، سوف تساهم في تمزيقه بين فئة سلطوية هي تلك التي تنتمي لتلك الجمعيات الثلاث، وأخرى متلقية، مهما رفعت صوتها للنقاش، هي التي تأتي من خارج تلك الجمعيات. ستقيم الجمعيات بمثل هذا المدخل حاجزاً منيعاً بينها وبين الطرف الآخر ممن هم خارجها.

3. ومن الصياغة، ننتقل إلى التشكيل، فمن حق المواطن أن يتساءل حول آلية ومقاييس التشكيل التي سيتم التقيد بها للدعوة لهذا اللقاء الذي ستتمخض عنه ولادة ذلك التيار. فإلى جانب صعوبة التوصل إلى آلية عادلة مقبولة، ستجد الجمعيات الثلاث، أو اللجنة المنبثقة عنها أسيرة دوامة من الآليات والمقاييس التي ستفرض نفسها عليها، مما سيستهلك الكثير من طاقاتها في إجراءات شكلية، بدلاً من التركيز على القضايا الجوهرية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2824 - الأحد 30 مايو 2010م الموافق 16 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:04 م

      التشويش عن بعد عبر قنوات أوربيت .. والجهل بالعمل الديمقراطي

      شكرا للأستاذ عبيدلي على هذا المقال الرائع ونحن بدورنا يجب نشر المعرفة والوعي الديمقراطي لأن البعض وصل إلى مرحلة الجامعة ولا يعرف ما هو مفهوم الديمقراطية وذلك لإستفحال قنوات اوربت و ام بي سي وغيرها من قنوات المجون اللتي لها مكاتب في الدول العربية ويملكها المتمكنين من القرار هذه في حق المجتمع العربي الذي أصبح ينام ويرضع من قنوات الهز يا وز والتي تعد ولا تحصى ويمكن تأليف مجلدات عدة عنها وظهر مطربون هم مسخ أو ممن اعتادوا على ارتكاب الفواحش وتسميتهم فنانين..مع تحيات Nadaly Ahmed

اقرأ ايضاً