العدد 2823 - السبت 29 مايو 2010م الموافق 15 جمادى الآخرة 1431هـ

استراتيجية أوباما... والشراكة الدولية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أطلق الرئيس باراك أوباما رؤيته الاستراتيجية للأمن القومي الأميركي في وثيقة تقع في 52 صفحة تناولت مختلف القضايا المركزية التي تعترض نمو مصالح الولايات المتحدة في العالم. فالوثيقة كانت متواضعة قياساً بتلك التي صدرت في عهد جورج بوش في العامين 2002 و2006 إذ تحدثت بموضوعية عن ما أسمته «وقائع القرن الحادي والعشرين».

الوقائع التي أشار إليها التقرير تتضمن سلسلة حقائق أخذت تفرض نفسها على المعادلة الدولية ولم يعد بالإمكان تجاهلها أو الابتعاد عن التعامل معها كما حصل في فترة ما بعد «الحرب الباردة».

سياسة التشاوف والمكابرة وإهمال مصالح الدول الكبرى وعدم احترامها أو استشارتها ساهمت في عهد بوش في عزل الولايات المتحدة وتوسيع دائرة خصومها وتكبيد الاقتصاد الأميركي أعباء عطلت إمكانات تنمية القوة المضافة لتحسين سمعة الدولة الأولى في العالم. وبسبب هذه السياسة فشلت واشنطن في تسويق استراتيجيتها الأمنية وضمان الحماية لمصالحها الدولية.

بناء على هذه الرؤية النقدية يرى التقرير أن هناك في العالم «قوى جديدة وصاعدة» مشيراً إلى موقع ودور دول مجلس التعاون الخليجي والبرازيل وإفريقيا الجنوبية واندونيسيا ومجموعة العشرين التي تضم السعودية، تضاف إلى دول أخرى نافذة تشمل روسيا والصين وغيرها من اتحادات إقليمية وتكتلات اقتصادية.

هذه الوقائع الجارية في القرن الواحد والعشرين تطرح على واشنطن التفكير بصوغ نظام دولي جديد يعكس توازنات القرن الجاري وما تطرحه من احتمال ألا يكون موقع أميركا مضموناً إلى الأبد. فالمحافظة على التفوق الأميركي العسكري يتطلب من الإدارة فتح قنوات تصحح الأخطاء وتسمح بتطور العلاقات الدولية باتجاه صيغة تضمن مصالح الشركاء وتدفع نحو منظومة مرنة تتحرك تحت سقف الشراكة.

الرؤية الأوبامية بدأت استراتيجيتها الجديدة بتصفية الحساب مع الإرث البوشي من دون أن تقطع نهائياً مع العهود السابقة. فالوثيقة أبدت استعدادها للخروج على منطق الانفراد بالقيادة الدولية واعترفت بوجود قوى نافذة وصاعدة ولكنها أصرت على أن الولايات المتحدة مازالت القوة الأولى في العالم. والجديد في الوثيقة أن أوباما اعتبر أن أميركا ليست القوة الوحيدة إذ هناك مراكز قوى نافذة وصاعدة تنافسها في إدارة منظومة العلاقات الدولية. وهذا الجديد تطلب إعادة تعريف الاستراتيجية الأميركية وتوضيح معنى القوة. فالقوة ليست عسكرية (عضلات) يفرط فيها في كل الأوقات والأمكنة وإنما هي إضافة إلى العسكرية مجموعة عناصر اقتصادية وأخلاقية وإبداعية.

إعادة التعريف أملى على أوباما توضيح مواقفه وتحديد أولوياته في إطار ما يعرف بالقوة الناعمة أو الدبلوماسية الذكية. فهو مثلاً أسقط تعبير «الحرب العالمية على الإرهاب» وسلوك «الحرب الاستباقية» وأبقى على حق شن عمليات عسكرية أحادية الجانب للدفاع عن المصالح بشرط أن تكون شفافة وأكثر دقة ووضوحاً. وهو أيضاً وعد بإنهاء ملف الحرب على العراق وضمان وحدة بلاد الرافدين وتوازن تمثيلها السياسي على خط مواز مع استمرار خطط مكافحة الأعمال الإرهابية بذريعة عزلها وتطويقها.

هناك عملية تصفية حساب مع تراكم الأخطاء التي حصلت في عهد بوش من دون الدخول في التفصيلات وصولاً إلى قطع التواصل مع عهود اتصفت بالعزلة أو العدوانية. وتشكل هذه المرونة نقاط ضعف يمكن من خلالها أن تعاود الأخطاء السابقة تسللها إلى تجاويف الاستراتيجية الأميركية الجديدة.

الوثيقة الأوبامية أفضل من سابقاتها بالقياس والمقارنة ولكنها تعاني من غموض وإبهام بالأمور التي تتطلب الكثير من الشفافية والعزم والحسم والجرأة وتحديداً تلك النقاط المتصلة مباشرة بملف «الشرق الأوسط» وتفرعاته. أوباما مثلاً وعد بالدفع في عملية السلام. ومفردة الدفع يكتنفها الغموض لأنها تعني الكثير ولا تعني بالضرورة التوصل إلى حل نهائي للنزاع وإحلال السلام العادل والشامل في منطقة استراتيجية وغنية وتعاني من اضطراب مزمن يزعزع الاستقرار الدولي. والكلام الذي ورد في الوثيقة عن الشرق الأوسط لا يتجاوز العناوين العامة التي تتحدث عن أمن «إسرائيل» والفلسطينيين وترسيم الحدود واللاجئين والقدس ومفاوضات الحل النهائي والسلام مع دول الجوار (لبنان وسورية). فالإضافة التي شملت أمن الفلسطينيين إلى جانب أمن «إسرائيل» جديدة ومهمة ولكنها كانت تحتاج إلى توضيح أكثر وتحديداً فيما يضمن أمن المنطقة كلها التي تتعرض إلى مخاطر سباق التسلح النووي. والسباق المذكور لا يقتصر على إيران وحدها وما أشارت إليه الوثيقة من الارتقاء بها نحو المسئولية. فالمسئولية لابد أن تكون شاملة. وحتى تكون منطقية وعادلة لابد أن يشار إلى ملف «إسرائيل» النووي وما يحتويه من برامج وقنابل وصواريخ تهدد أمن «الشرق الأوسط».

الثغرات المذكورة في استراتيجية أوباما للأمن القومي الأميركي لا تعني أن الرئيس الجديد فشل في اتخاذ خطوات جريئة تبعده عن مظلة بوش وما أورثته من كوارث وأزمات عطلت على الإدارة الحالية حرية الحركة وقلصت عنها هامش المناورة. فالوثيقة تتضمن إيجابيات بالمقارنة والقياس وهي تشكل في مجموع نقاطها المركزية رسالة اعتذار عن عهد اتصف بالخشونة الدبلوماسية والإفراط في استخدام القوة. والمصالحة مع العالم بحد ذاتها تشكل نقلة نوعية في دولة كبرى لاتزال الأولى في العالم ولكنها أيضاً ليست الوحيدة القادرة على التحكم بقوانين منظومة العلاقات الدولية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2823 - السبت 29 مايو 2010م الموافق 15 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً