- سياسات لا تستجيب لمطالب الشعب وإلى عدم إتاحة الفرص المتساوية:
عندما تكون مشاركة المواطنين محدودة في مجال وضع القوانين والسياسات واللوائح، تصبح النتائج التي يتم التوصل إليها غير معبرة عن احتياجاتهم. وهذا الاتجاه الشمولي يجعل الوصول إلى قرارات تخدم مصالح جميع الفئات مسألة صعبة للغاية. وعلاوة على ذلك فإن غياب آليات الرقابة، مثل الفصل بين السلطات، يجعل الحكومات عرضة لتركيز القوة في قبضة الدولة. ونتيجة لذلك تصبح حفنة من النخبة متحكمة في عملية صنع القوانين والسياسات واللوائح لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب غالبية الشعب. ومن أمثلة اللوائح التي لا تستجيب لمطالب الشعب تلك التي تقصر المنافسة على قطاعات معينة أو تتطلب كميات كبيرة من الموارد لإنشاء الشركات وتشغيلها. هذه اللوائح تخلق حواجز تعوق دخول الأسواق وتحول دون المنافسة والنمو وتجبر أصحاب المبادرات على اللجوء إلى القطاع غير المنظم.
إن الحكومات التي تخفق في وضع سياسات تستجيب لاحتياجات الشعب أو في توفير السلع والخدمات الأساسية تنكث تعهداتها وبالتالي قد تفقد شرعيتها. ومثال ذلك أن الإحصاءات الحديثة تشير إلى أن سوء إدارة الحكم في أميركا اللاتينية قد أضعف الشرعية والتأييد الشعبي للديمقراطية. ولذلك سيتردد المواطنون في تأييد الحكومة غير الشرعية عندما تقترح برامج قاسية للإصلاح السياسي والاقتصادي ما يؤدى بالتالي إلى تعطيل التحول إلى الديمقراطية واقتصاد السوق. وفي بعض الحالات، قد يشترك المواطنون في محاولات قلب نظام الحكم أو في ثورات للتخلص من الأنظمة غير الشرعية كما حدث في عدد من دول أميركا اللاتينية.
الديمقراطيات التي تفتقر إلى آليات الرقابة مثل الفصل بين السلطات، والتي يشار إليها بالآليات الأفقية للمساءلة، وتفتقر إلى الشفافية في أعمالها تكون عرضة لتركيز السلطة وحدوث تغييرات قانونية وتنظيمية متكررة وعدم استقرار موازنتها. ويؤدى عدم استقرار الجوانب القانونية وغموض اللوائح إلى زيادة مخاطر عدم الالتزام بها والى رفع تكلفة القيام بانشطة اقتصادية. وبالمثل، يؤدي غياب الشفافية والمساءلة في الموازنة إلى وجود تقلبات في موازنات الهيئات الحكومية التي توفر السلع والخدمات الأساسية. وتؤدي تقلبات الموازنة، بدورها، إلى انخفاض قدرة الحكومة على إدارة وتنفيذ القوانين واللوائح والسياسات بسرعة وبطريقة متسقة. ويؤدي التوتر وعدم اليقين وضعف الكفاءة إلى وجود مناخ غير جاذب للاستثمارات ومنع أصحاب المبادرات من إنشاء الشركات ومنع المستثمرين من الاستثمار.
الأطر والميزانيات المستقرة ذات التصميم القانوني والتنظيمي الجيد لا تكفي لضمان استقرار تقديم السلع والخدمات الأساسية ذات النوعية الجيدة في ظل النظام الديمقراطي القائم على أساس السوق. إن أي هيئة حكومية تتولى إصدار أو تنفيذ قوانين أو لوائح أو سياسات تحتاج إلى إدارة جيدة، ومعنى ذلك انه لابد من وجود رقابة جيدة على الهيئات وعلى الموظفين العموميين ومساءلتهم عما يقومون به، وما يخفقون عن القيام به، من أعمال. ويحتاج المواطنون إلى وجود مراجع يرجعون إليها في حالة فشل الحكومة في الأداء أو قيام مسئولين حكوميين أو أطراف خاصة بمخالفة القانون. فرجال الأعمال، على سبيل المثال، يحتاجون إلى تصاريح لممارسة أعمالهم، وإذا كان استخراج التصريح يستغرق عدة شهور أو عدة سنوات، بدلا من عدة أسابيع، فإن أصحاب الانشطة الاقتصادية والمبادرات يجب أن يكونوا قادرين على مساءلة الحكومة وتحميلها قيمة الأرباح التي ضاعت عليهم. وبالمثل، يحتاج المواطنون إلى وسيلة للإنصاف في حالة حدوث انتهاكات تعاقدية دون تعريض المخالف للعقوبة بسبب عدم كفاءة النظام القضائي. وفي جميع هذه الحالات، يمكن ان يقوم الحكم الديمقراطي الصالح بدور مهم.
عند غياب مؤسسات المساءلة تصبح الموارد الأجنبية والمحلية عرضة للضياع وسوء التخصيص.
إذا لم تكن هناك مشاركة في صنع القرارات، يتم تخصيص الموارد في الغالب لمشاريع تحقق مصالح حفنة من المواطنين أو عدد من المجموعات على حساب غالبية الشعب. ومثال ذلك أن النخبة من رجال الصناعة الذين ينتجون لتلبية احتياجات الأسواق المحلية يصبحون قادرين على إقناع الحكومة بتقديم الدعم لها أو بوضع حواجز تقضى على المنافسة. وكذلك يعمد كبار المقاولين إلى إغراء حكوماتهم بالدخول في مشروعات عملاقة للأشغال العامة ربما لا تكون محققة لصالح الشعب أو ربما تتكلف مبالغ باهظة يتحملها دافعو الضرائب.
- عندما تفتقر الهيئات الحكومية إلى أنظمة المساءلة والمحاسبة والشفافية، فإن إعطاءها المزيد من الموارد قد لا يحل المشكلة. وفي بعض الحالات المتطرفة التي وقعت في بيرو وزائير وزامبيا كانت المعونات الخارجية والموارد المحلية تتسرب إلى الحسابات المصرفية الخاصة بالحكام وأصدقاء وأسر الحكام ومسئولي الحكومة. وباختصار، يعتبر غياب الحكم الديمقراطي الصالح واحدا من الأسباب الرئيسية لفشل الكثير من مشروعات المعونات الأجنبية ومبادرات الإصلاحات المحلية في تحقيق ديمقراطيات حقيقية، واقتصادات قائمة على أساس السوق وتنمية مستدامة.
- تشجيع الفساد وإعاقة النمو الطبيعي: يؤدى الحكم الديمقراطي غير الصالح إلى الفساد. وهناك عدد من الدراسات التي تؤكد أن عدم احترام القانون والمساءلة والمحاسبة، وهي المؤسسات الأساسية للحكم الصالح، تواكبه مستويات أعلى من الفساد.
ومن الحقائق المعروفة أن الفساد يعوق التنمية السياسية والاقتصادية ويؤدي إلى تخفيض معدلات النمو وزيادة تكاليف النشاط الاقتصادي ومنع الاستثمارات. وفي العام 2002 طلب مسح الأعمال التنفيذي Executive Business Survey من الشركات في الاقتصادات الصاعدة ترتيب أكبر القيود التي تكبل نشاطها. وجاءت القيود التي تكبل نشاطها. وجاءت نتائج المسح لتبين ان اكبر القيود يتمثل في عدم الكفاءة والبيروقراطية الحكومية بعد قيد التمويل.
إن الفساد في عمليات الخصخصة في كثير من الاقتصادات والديمقراطيات الناشئة يبين هذه النقاط. وقد أدت عمليات الخصخصة التي تمت دون وجود مؤسسات مناسبة الى تجريد الاصول وسوء تقييمها وظهور احتكارات تقدم منتجات وخدمات رديئة الجودة بأسعار مبالغ فيها. وفي كثير من الحالات ارتبط الملاك الجدد أو المديرون الجدد للشركات التي تم تخصيصها ارتباطا كبيرا بموظفي الدولة واستغلوا هذه العلاقات للاشتراك في السلطة ومقاومة الإصلاحات المهمة التي تعمل على تعزيز آليات السوق لأن من شأن تلك الآليات تقليل سلطتهم.
وكذلك يؤدي الفساد إلى تخفيض عائدات الحكومة من السلع والخدمات الأساسية وإعاقة الإدارة المالية السليمة وزيادة الفقر وانتشار الظلم. وأخيرا، فإن الفساد يقضي على شرعية المؤسسات الاقتصادية والسياسية الرئيسية التي تعتبر ضرورية للنمو الاقتصادي مثل احترام القانون. وفي غياب احترام القانون، تكون حقوق الملكية بمنأى عن الأمن. وعندما تكون حقوق الملكية غير آمنة، يمتنع المبادرون وأصحاب المشروعات عن الحصول على القروض المقدمة بمعدلات فائدة معقولة لإنشاء مشروعات جديدة أو لتطوير مشروعات قائمة، ويمتنع المستثمرون عن الاستثمار حتى ولو كان الائتمان متوافرا بمعدلات فائدة رخيصة.
وتشير دراسات كثيرة أجريت حديثا إلى أن الدول التي تحترم سيادة القانون وتوجد بها شفافية كبيرة ورقابة برلمانية قوية وآليات قوية للتعبير عن الرأي والمساءلة ومستويات أعلى من أخلاقيات الشركات هي الدول التي تتمتع بمستويات أقل من الفساد ومعدلات أعلى من إجمالي الناتج المحلي بالمقارنة بغيرها من الدول التي تفتقر إلى هذه الخصائص. والحقيقة أن بعض الدراسات بينت أن الدول ذات المؤسسات الشمولية تنخفض فيها مستويات العمالة والتشغيل وتقل فيها مستويات العمالة والتشغيل وتقل فيها معدلات النمو وترتفع فيها معدلات الفقر لأنها فشلت في خلق فرص العمل وتكوين الثروة وبناء الأصول. وتؤكد هذه النتائج مجتمعة أن الحكم الديمقراطي الصالح (وليس مجرد الديمقراطية) يرتبط ارتباطا وثيقا بمعدلات النمو المرتفعة.
تبين أن الدول التي تغيب فيها آليات التعبير والمساءلة، وهما من الدعائم الأساسية للحكم الديمقراطي الصالح، يقل فيها مستوى الدخل العام وتزيد معدلات الوفيات لدى الأطفال كما تزيد معدلات الأمية. وقد توصل دانييل كوفمان في واحدة من الدراسات التي أجراها إلى أن ضعف مستوى احترام سيادة القانون يرتبط ارتباطا مباشرا بانخفاض الدخول وارتفاع معدلات الوفاة لدى الأطفال وارتفاع معدلات الأمية. وبالمثل، بينت دراسات أخرى أن ضعف آليات التعبير والمساءلة يمكن ان يكون مسئولا عن انخفاض معدلات الدخل الوطني بمعامل 2.5 وأن ضعف الممارسة الديمقراطية وغياب حرية التعبير من العوامل الجوهرية التي تساعد على حدوث المجاعات. وكذلك ثبت أن غياب الممارسة الديمقراطية يرتبط بغياب الالتزام بحماية البيئة وحماية الموارد اللازمة للنمو الاقتصادي.
تتعرض الدول التي تخلو من المؤسسات الخاضعة للمساءلة لأزمات مالية كبيرة. ومن المسلم به الآن أن الأزمات المالية التي شهدتها آسيا وروسيا وأميركا اللاتينية كانت نتيجة لغياب الحكم الصالح. وتعتبر المؤسسات الخاضعة للمساءلة مهمة بصفة خاصة في القطاع المالي لأنها تساعد على منح الإقراض لأصحاب العلاقات، وهي من الممارسات التي من شأنها تدمير الاقتصاد. والحقيقة أن النتائج التي توصل إليها مسح الرأي التنفيذي سنة 2002 تؤكد ارتباط مستوى الحكم الصالح بالقطاعين الصحي والمالي. وعلاوة على ذلك، تؤدي الأزمات المالية والاقتصادية إلى زعزعة الاستقرار السياسي.
الدول التي تخلو من الحكم الديمقراطي الصالح تكون مهددة أمنيا. فالدول التي تفتقر إلى أساليب سن وتنفيذ قوانين ولوائح جيدة التصميم والى توفير الخدمات الأساسية بما فيها أمن مواطنيها تكون معرضة لمجموعة كبيرة من المشاكل. أولا، تكون هذه الدول غير مهيأة لحسم النزاعات بالطرق الودية وبالسرعة المطلوبة سواء كانت هذه النزاعات تقع بين الأفراد والحكومة، أو بين أفراد ومجموعات أو بين إدارات حكومية (بما في ذلك النزاعات التي تقع بين الجهات العسكرية والوزارات أو الإدارات الحكومية التي يرأسها مدنيون).
إن النزاعات التي لا تجد سبيلها إلى الحل قد تتصاعد وتؤدي إلى العنف الذي قد يصل إلى حد الحرب الأهلية. وكذلك تكون الدول ذات الحكم السيئ غير مستعدة لمنع انتشار الأمراض أو الجريمة المنظمة أو تجارة المخدرات وتكون غير قادرة على كبح عمليات الاحتيال وغسيل الأموال والإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، وكلها عمليات تؤدي إلى زعزعة وإضعاف الأمن على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
إقرأ أيضا لـ "جون سوليفان "العدد 2821 - الخميس 27 مايو 2010م الموافق 13 جمادى الآخرة 1431هـ
العدل
المقال ينطبق على الدول العربية و الاسلامية