يثير كثير من المحللين ومراكز الدراسات الأميركية، أزمات الشرق الأوسط والوضع السياسي عطفا على الاقتصادي في العالم العربي ما بعد الحرب على العراق، وفي تقرير لافت، تطرق غلوبل إنتلجنس (مركز الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية) من على موقعه على الإنترنت إلى وضع الأنظمة في الشرق الأوسط. فرأى أن هذه الأنظمة تسعى فقط للبقاء على قيد الحياة. ذلك ان اهتمامها الوحيد هو البقاء موجودة ولذلك فهي تركز كل قدراتها للبقاء في السلطة. وأضاف ان هذه الأنظمة تكرس قواتها الأمنية للحفاظ على استتباب الأمن الداخلي والحيلولة دون حصول انقلاب سياسي. وقال غلوبل إنتلجنس: «ان هذه الأنظمة تقاوم تحرير اقتصادها، لأن في هذا الأمر تقليصا لأهمية القطاع العام، ما يعني خسارة لنفوذ الدولة شيئا فشيئا». والنتيجة بحسب المركز، هي الركود والمقاومة العنيفة لأي تغيير كان. واعتبر غلوبل إنتلجنس، انه بما ان الحكومات الشرق أوسطية قد خصت مواردها كافة للاستهلاكات الداخلية، فإن تأثيرها على الحوادث الخارجية قليل لا بل شبه معدوم. ورأى انه في الوقت الراهن، تغيرت الأوضاع في العالم، وباتت الولايات المتحدة، هي القوة العظمى الوحيدة، ولذلك فإن لهذه الحقيقة تأثيرات كارثية على الشرق الأوسط. فقد فقدت الأنظمة في هذه المنطقة من العالم أي إمكان في التدخل في أمور خارجية، وفي الوقت عينه قوّضت شرعيتها الداخلية نتيجة الركود الاقتصادي وغيره من العوامل. وختمت بالقول ان الشرق الأوسط، الذي يعيش في المرحلة الراهنة مرحلة من الضعف، هو عرضة لاستغلال خارجي لهذا الضعف. فبعدما تعرض عدد من الحكومات لهجومات من التحركات الاستسلامية واستسلمت لعدد منها، وبعدما فشلت في تحسين أوضاعها الخارجية وبالتالي لم تتمكن من تغيير أوضاعها الاقتصادية الراكدة، فقدت هذه الحكومات شرعيتها وها هي تخسر الآن ثقتها في الشرطة السرية وفي القوات العسكرية التي كانت السبب في بقائها في السلطة. وشدد على انه حان الوقت للتغيير سواء داخليا أو خارجيا.
وفي مقال سجالي ـ ولو بشكل غير مقصود أو مباشر ـ مع ما عرضه موقع غلوبل أنتلجنس، رأى إدوارد سعيد (ناشط سياسي من أصل فلسطيني) في «ميدل إيست تايمز إنترناشونال» (الأميركية)، انه على رغم انقساماتهم واختلافهم فإن العرب هم أمة وليس مجموعة من الدول العشوائية. وعلى رغم تعدديتهم فإن كل من يتكلمون اللغة العربية يشكلون أمة وليس مجموعة من الدول المشتتة بين شمال إفريقيا والحدود الغربية لإيران. وإذ لاحظ ان السياسة الأميركية تهدف إلى تفكيك العرب والعمل على إضعافهم عسكريا واقتصاديا، رأى انه في الوقت الراهن، ما من بلد عربي حر في التصرف بموارده كما يشاء، أو قادر على اتخاذ الموقف الذي يخدم مصالحه وخصوصا إذا كانت هذه المصالح تهدد السياسات الأميركية. واعتبر سعيد، ان ما هو مؤسف هو الضعف العربي في مواجهة كل الأمور السيئة التي تطرأ عليه، بدءا مما يجري في العراق، وصولا إلى الفلسطينيين الذين يعون ان رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) لن يأخذ الأميركيين بين ذراعيه مرحبا وخصوصا انه يرى ان «خريطة الطريق» وضعت لإضرام حرب أهلية فلسطينية. وشدد سعيد، على انه لا بد من قيام مجتمعات عربية قوية لا يوجد فيها حجاب حاجز بين الحاكم والمحكوم. وتساءل: لِمَ لا تسود الديمقراطية وحرية تقرير المصير في هذه المجتمعات؟ ورأى ان المجتمعات العربية بحاجة إلى كل قوة ثقافية وسياسية تساعدها على الابتعاد عن المخطط الإمبريالي الذي يهدف إلى رسم طريقة حياتها. وختم بالقول انه سواء أراد ذلك أم لم يرد، فإن الشعب العربي يواجه هجمة من قبل القوة الإمبريالية أي أميركا، على مستقبله، وهي هجمة تخدم المصالح الإسرائيلية، ولذلك ما هو مطلوب هو ترابط المجتمعات العربية لأنها أمام أزمة لم يسبق لها أن واجهت مثلها. مضيفا انه لا بد من أن يعي العرب المشكلة أولا لكي يتمكنوا من تخطيها
العدد 282 - السبت 14 يونيو 2003م الموافق 13 ربيع الثاني 1424هـ